المعاهدة الأمريكية المقترحة ومحنة العراقيين!
يجتاز العراق اليوم أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، ويترتب على العراقيين أن يدركوا طبيعة هذه المرحلة، وطبيعة المخاطر المحدقة بمستقبل العراق ، فقد بات العراق وشعبه رهينة لدى الإدارة الأمريكية وجيوش الاحتلال.، وبات وضعه ينطبق عليه قول المتنبي في قصيدته حيث يقول: .ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى****عدواً له ما من صداقته بدُ
هذا هو حالنا الذي أوصلتنا إليه اليوم الولايات المتحدة بعد أن دمرت كل شئ، فهي لم تسقط نظام صدام فحسب ، بل أسقطت العراق بكل مؤسساته ، وحلت جيشه ودمرت جانباً كبيراً من سلاحه، وأتاحت للسراق سرقة الجانب الآخر، وتركت العراق ضعيفاً بين الوحوش المحيطة به، إيران والسعودية وسوريا وتركيا والكويت والأردن وإسرائيل، لكي يقول حكام أمريكا للعراقيين أنكم مهددون من قبل جيرانكم، وأن وجود قواتنا في العراق أمر ضروري لحمايته، وهكذا كما يبدو أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن على شكل مهزلة، فحكام أمريكا يفعلون اليوم ما فعل المستعمرون البريطانيون في العراق خلال الحرب العالمية الأولى عندما احتلوا العراق، وقالوا لقد جئنا لكم محررين، ولكنهم حكموا العراق من وراء الستار بعد أن نصّبوا حكومة موالية لهم، لا حول لها ولا قوة سوى الطاعة.
ولقد طرحتُ في أحدى مقالاتي دعوة لأمريكا، إذا ما كانت جادة حقاً وصدقاً في حرصها على مستقبل العراق، أن تسحب قواتها من البلاد خلال 6 أشهر، وتسليم العراق إلى قوات تابعة للأمم المتحدة لفترة زمنية محددة يجري خلالها تشكيل حكومة تنكوقراط مشهود لأعضائها بالكفاءة والأمانة والإخلاص للعراق وحده، تعيد تنظيم الجيش والأجهزة الأمنية وتنظيفها من سائر العناصر التابعة للميليشيات الحزبية دون استثناء ، وتسليح الجيش بالأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية بما يتيح له استعادة الأمن والسلام في البلاد، وحماية حدود العراق، والتصدي لأي عدوان على سيادته واستقلاله، وعندما يقف العراق على قدميه من جديد سيكون على استعداد لعقد الاتفاقيات المختلفة مع أمريكا وسائر الدول الأخرى على قدم المساواة على أساس المنافع المتبادلة والمصالح المشتركة شرط احترام سيادة واستقلال العراق، لا على أساس غالب ومغلوب ، أو قوي وضعيف.
أن من يقرأ معاهدة عام 1922 التي فرضها رئيس الوزراء العراقي آنذاك [نوري السعيد] بالقوة بضغط من المحتلين البريطانيين على العراق لا يرى في المعاهدة الجديدة المقترحة مع أمريكا، بما سربته الصحافة الغربية من بنودها ، سوى نسخة طبق الأصل لتلك المعاهدة المشؤومة .
ومن حق المواطنين العراقيين أن يسألوا الإدارة الأمريكية التي تدعي حرصها على سيادة واستقلال العراق ، وإقامة النظام الديمقراطي الذي يعيد الحقوق والحريات العامة للشعب بعد تلك العقود الكالحة السواد لحكم عصابة البعث وطاغية العصر صدام حسين:
* لماذا أقدمت الإدارة الأمريكية على حل الجيش العراقي وقواته الأمنية والاستعاضة بجيش وقوات أمنية عشعشت فيها ميليشيات الأحزاب الطائفيه والعرقية المتعددة الولاءات، حتى باتت الإدارة الأمريكية تخشى تسليح الجيش بما يضمن له القوة والمنعة لصيانة حدود البلاد وصيانة الأمن الداخلي ، وحقوق وحريات الشعب ؟
* لماذا لم يسلح العراق بما يحتاجه من الأسلحة كي يضمن قدرته على صيانة حدوده وحماية استقلاله؟
* لماذا لا يتملك لحد الآن، وبعد مرور 5 سنوات على الاحتلال، طائرة حربية واحدة يحمي بها الوطن؟
* أين صارت طائراته ودباباته ومدفعيته وصواريخه ؟
* لماذا بقي العراق تحت طائلة البند السابع لغاية اليوم بعد مرور 5 سنوات على سقوط نظام صدام، واحتلال العراق من قبل جيوش الولايات المتحدة ؟
* هل ما زال العراق اليوم يهدد الأمن والسلام في المنطقة، وهو العاجز عن حماية نفسه، والتصدي للتدخل الفض في شؤونه الداخلية من قبل جيرانه الطامعين بثرواته؟
لقد بات العراق اليوم في مأزق حرج جراء السياسة الأمريكية ، فلا هو قادر على حماية وضعه الداخلي ، ولا هو قادرٌ على التصدي للتهديدات الخارجية المتربصة به بحيث أصبح خروج القوات الأمريكية من العراق يعرض فعلا أمنه الداخلي والخارجي لخطر كبير، وفي مقدمة الأخطار المحدقة به هو الخطر الإيراني ، وخطر عودة نظام البعث إلى الحكم من جديد، وبذلك تحل بالبلاد كارثة أشد وأقسى.
لقد أوصلتنا الإدارة الأمريكية إلى هذه الحالة المفجعة، فإما القبول بالوجود العسكري الأمريكي في العراق، وأما لينتظر الشعب المغلوب على أمره والمسلوب الإرادة المصير المحتوم .
إن على الحكومة العراقية الحالية أن تتحمل المسؤولية الوطنية تجاه شعبها وأن تعرض عليه بكل شفافية بنود المعاهدة المفروضة من قبل الإدارة الأمريكية ليكون على بينة من أمره، وعلى المخاطر المحدقة بمستقبله، وستجد في الشعب خير عون لها على الصمود أمام أطماع المحتلين، وبعكسه ستتحمل الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية المشاركة في الحكم وزر أي معاهدة تسلب سيادة واستقلال البلاد، فلن يغفر الشعب العراقي لمن يسعى لبيع الوطن مهما كانت التبريرات، ومهما طال الزمن.
حامد الحمداني
21/6/2008