الممارسة النضالية
الممارسة النضالية من أجل إثبات الذات هي قضية حياة بالفعل، وليست تنفيسا ولا تعويضا. هي تواصل مع الحياة، وهي مستوى آخر من مستويات الحياة. وربما الأهم من ذلك أنها وسيلة الوجود... ووسيلة الاستمرار.لاشك أن الممارسة النضالية ذات مستويات، وذات مهمات مختلفة ومتباينة، وخاضعة للظروف والمراحل التي يعيشها أي شعب، أو أي تنظيم سياسي يناضل من أجل ذلك الشعب. ولكن جوهر النضال يبقى واحدا، وهو أن التنظيم الذي يحاول باستمرار أن يرى ويستكشف، يقدم رؤيته وكشفه للآخرين كنوع من التواصل المشترك لمواصلة مستويات الحياة. وهذا الكشف، بمستوياته المختلفة، يتباين وفقا للظروف والأحوال. والتنظيم السياسي الواعي لطبيعة المراحل لايحاول أن يفرض على المرحلة رؤيته، وإنما يحاول أن يتفاعل مع المرحلة في سبيل تكوين الرؤية التي تتراكم مع الرؤى المختلفة، خلال المراحل المتعاقبة، لتكوين صورة للحياة من جهة، ورؤية للمستقبل من جهة أخرى.
هنالك تنظيمات سياسية آشورية انقلبت عملية الكشف لديها إلى تعمية أو تضليل. وهنالك مستويات من التعمية.
المستوى الأول: وهو الذي دفع، بفعل مقتضيات أو متطلبات معينة، إلى طرح أفكار مغلوطة وغير واضحة، ولاتمت إلى قضية الشعب الآشوري بصلة لأن التنظيم الذي طرح تلك الأفكار لايجد نفسه في سياقه الطبيعي، أي أنه متواجد في سياق غير سياقه. لذلك فهو مضطر إلى أن يتصالح ويتكيّف مع سياق جديد بفعل أشكال التعمية المختلفة التي يقدمها. وهذا الشيء يخرج التنظيم من مهمته الأساسية، ويخرج، بالتالي، النضال من جوهريته وأصالته.
والمستوى الثاني: هو مستوى الضبابية الناجمة عن العجز في الرؤية. فحين يتصدى أي تنظيم سياسي إلى محاولة رؤية أبعد من أنفه بكثير، ويستعمل من أجل هذه الرؤية أسلحة يكون مداها أقل من المدى المجدي. آنذاك، ستتشوش رؤياه، ويقدم مايظن أنه عمق وأصالة في حين أنه يكون تعمية بكل معنى الكلمة.
يجب علينا عند ممارسة النضال أن نضع في أذهاننا، ونصب أعيننا باستمرار الخط الآخر من التواصل وهو الشعب. والأصل في كل ما نمارسه أن نبحث عن صيغة اغوائية أو استغوائية يمكن أن نجلب بها انتباه الطرف الآخر. وعلينا أن ندرك جيدا بأن الطرف الآخر مدرك وواع، وأنه مستعد للاستجابة حين نتصل به بالطريقة الأفضل، أي حين نقدم له ما يمكن أن يغويه ويرضى عنه. لأن الممارسة النضالية هي أشبه ما تكون بممارسة الحب، والحب لايمكن أن يحدث إلا من خلال تآلف الطرفين.
لذا يجب على التنظيم، أي تنظيم كان، أن يستمد قوته من أعلى السلطات، وهذه السلطات هي الشعب. فالشعب وحده الذي يصنع أحزابه وتنظيماته. والشعب وحد الذي يسقطها إذا خانت قضيته وشرفه. وبما أن النضال هو جزء من التركيب البيولوجي للشعب الآشوري فهو إذن بارع في التمييز، إذ يستطيع أن يفرّق بين الأصيل والبهلوان.
فالنضال، بمعناه المجازي، هو هذا الصراخ الذي نطلقه في وجه الليل حتى يصير نهارا، وفي وجه اليأس حتى يصير أملا، وفي وجه السجون حتى تصير حدائق وبساتين، وفي وجه الخنجر حتى يصير وردة.
والنضال، بمعناه الحقيقي، هو السلاح السري الذي يدافع به الشعب الآشوري عن نفسه ضد القهر، والظلم، والإرهاب، وكل محاولات تشويه، أو مسخ، أو إذابة هويته القومية المتميزة.
ومن هذا المنطلق فعلى كل الآشوريين في العالم بشكل عام، والملتزمين منهم بشكل خاص أن يدركوا جيدا بأن النضال الحقيقي هو عملية استشهاد حقيقية، والذين لايعرفون كيف يموتون وهم أحياء عليهم أن يبحثوا عن مهنة أو هواية أخرى.
والنضال أخيرا، هو راية الحرية التي يسلمها مناضل لمناضل آخر من أجل استمرار القلب الآشوري بالنبض ، والدفق، والعطاء، والحياة.
( آدم دانيال هومه )