Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الناخب العراقي بين الإفراط والتفريط

الحب والبغض، الخير والشر، العنف واللاعنف، هذه وغيرها من الأمور التي تحدد سلوك الفرد وتصرفاته داخل محيطه الذي يعيش فيه، فهي مجموعة غرائز متناقضة في طبيعتها تحاول كل منها السيطرة على تصرفات الإنسان وسلوكه.
كما يسميها بعض علماء النفس بـ(الذات أو الأنا) ويعبرون عن الصفة السامية أو الجيدة بالذات العليا، أما النقيض لها فيعبر عنه بالذات السفلى، وهي في صراع مستمر مع بعضها داخل النفس البشرية، يمثل العقل الحكم الفيصل بينهما، وهو وحده الذي يستطيع ترجيح إحداهما على الأخرى، فبغيابه تطغى صفات الشر على سلوك الفرد بكل ما تحمله من بغض وعنف وكراهية وغيرها من الصفات السيئة، وبوجوده يستطيع تحييد صفات السلوك المنفعل والمنفلت وتغليب الجوانب الايجابية والحسنة في السلوك العام للإنسان.

من هنا نستطيع تحديد مسألة (الغلو) في المواقف والتصرفات سواء كانت بالضد أو مع، فالزيادة على المطلوب في الأمر إفراط، والنقص عنه تفريط ، وكل من الإفراط والتفريط خروج عن جادة الطريق. وتبقى الدوافع الشخصية المحركة للسلوك الإنساني، متباينة من موقف إلى آخر بحسب طبيعة القوة الضاغطة لأن يسلك هذا السلوك أو غيره، فسلوك العنف ودوافعه على سبيل المثال تتناقص وتتزايد حسب شدة الإفراط أو التفريط في التوتر والإجهاد الشخصي للفرد ومدى اندفاعه وشدة الاستثارة بالمؤثرة، وفي كثير من الأحيان يكون الدافع هو روح التنافس في الظروف غير المتوقعة والتي قد تتطلب قرارات تتعلق بالموت أو الحياة(كما جاء في نظرية اللاعنف عند الإمام الشيرازي.

إذن للعوامل النفسية والظروف التي تحيط بالفرد أثر كبير في صنع سلوكه وثقافته ونمط تفكيره في صنع الحياة واتخاذه لقراراته المصيرية التي من خلالها يتم تحديد مستقبله.

ولنأخذ سلوك الفرد العراقي كنموذج في الإفراط والتفريط من خلال مواقفه المتباينة والمبنية على الانفعالات وردود الأفعال والتي ما برحت تلازمه في جميع قراراته ومنها المتعلقة بمستقبله ومستقبل بلده.

تجربة الانتخابات التي جرت وتجري في العراق على سبيل المثال والتي كانت بدايتها مع التغيير الذي حصل بعد العام 2003م وتحول العراق من نظام الحكم الشمولي المستبد والحزب الواحد إلى نظام التعددية السياسية ودولة المؤسسات والدستور، أٌريد لها أن تكون نموذجا لممارسة ديمقراطية في دولة عانت من القمع والحرمان وكم الأفواه من حرية التعبير عن الرأي وتصفية المعارضة السياسية، كما أٌريد لها أن تكون عامل مساعد في المنطقة في صنع الأمن والسلم الدوليين في بلد طالما كان يمثل مصدر إزعاج لجيرانه ولدول المنطقة في ظل نظام دكتاتوري عدواني آنذاك، إلا أننا وللأسف الشديد لاحظنا الازدواجية الكبيرة في سلوك الفرد العراقي من خلال الممارسة العملية بمختلف المواقف والآراء تجاه أغلب القضايا المتعلقة ببناء كيان الدولة ومؤسساتها.

ففي الوقت الذي رحبت فيه معظم شرائح المجتمع بوجوب إجراء انتخابات في أية عملية سياسية أو إدارية حتى صار الاندفاع بقوه صوب صناديق الانتخابات والوصول إلى حالة من التحدي والإفراط في الممارسة، بحيث تم نقل العجزة والمرضى على الأكتاف إلى صناديق الاقتراع في التجارب السابقة رغم الوضع الأمني المزري، فإننا كثيراً ما نسمع اليوم عدد كبير من العراقيين ينوون التفريط في حقهم مرددين القول بأنه لا جدوى من الانتخابات وإنه سوف لن يمارسوا أي عمل انتخابي.

أما على مستوى رجال السياسة ففي الوقت الذي كانت تستخدم فيه أغلب الأحزاب والحركات عناوين إسلامية ذات تنظيمات حزبية نراها اليوم ترفع عنوان الأكاديمية والاستقلالية، وكأن الحزب أو الحركة أصبحتا سبة على من يريد الانضواء تحتهما، متناسين إن لعدد من الأحزاب والحركات دور مشرف في مقارعة النظام السابق والمساهمة في إسقاطه.

هناك من يرى أيضاً انه حتى وإن ذهب إلى الانتخابات فإنه لن يصوت إلى أي شخص أو مسئول موجود في مؤسسات الدولة الحالية حتى لو كان هذا المسئول قد أدى واجبه على أتم وجه وهذا هو التفريط في اختيار الأشخاص الجيدين.

خلاصة القول إن حق الانتخاب واختيار الممثلين من قبل الأفراد سواء في الحكومة الاتحادية(البرلمان) أو في الحكومات المحلية(مجالس المحافظات) حق كفله الدستور للمواطن، وهو نعمة أنعم الله بها على العراقيين بعدما كانوا يعيشون في ظل حكومة مقيتة لا يجوز التصويت فيها إلا لشخص واحد ينتخب مدى الحياة.

عليهم إذن أن لا يفرطوا بحقهم مهما كانت النتائج السابقة، فأخطاء اليوم يمكن تصحيحها غداً والاستفادة منها مع الوقت للوصول إلى حالة يعتد بها من العمل الديمقراطي في مختلف مؤسسات الدولة، فليس المهم أن تذهب إلى صناديق الاقتراع لتدلي بصوتك ولكن المهم هو لمن تدلي بهذا الصوت، إذ يجب أن تختار بعقلك وليس بعواطفك، وأن لا تجعل غرائزك هي التي تسيطر على أفعالك، فلا مجال للإفراط أو التفريط في هذا الحق الذي يعتبر غاية في الأهمية.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com




Opinions