النخيب.. قراءة مخابراتية محتملة
لطيف القصاب/قال رئيس الوزراء نوري المالكي في احد تعليقاته على حادثة النخيب المأساوية بأنها: "عاصفة صغيرة وانتهت"!
حتى على فرض انتهاء عاصفة النخيب التي لم تكن صغيرة في ضوء جميع المقاييس الجنائية والإنسانية فان ذلك لا يعني عدم التأمل في بعض الدروس المستنبطة من هذه الأزمة مساهمة في مشروع التحقيق بأسبابها ومنع تكرارها مستقبلا سواء في النخيب أم في غيرها من مناطق العراق المختلفة.
إن أهم ما يميز عملية النخيب أنها تحمل بصمات تنظيم مخابراتي محترف وغامض استهدف إشعال فتنة طائفية على غرار ما حدث في العراق قبل أكثر من أربع سنوات، وكاد أن يتم له فعل ذلك بنجاح سريع لولا تدخل بعض العقلاء من كلتا الطائفتين الشيعية والسنية على المستويات السياسية والإعلامية والعشائرية.
إن من جملة ما يؤكد أن عملية النخيب جرت بتخطيط وتنفيذ عقل مخابراتي محترف وغامض هو تأكيد القيادات السياسية والأمنية العراقية على فرضية أن جريمة النخيب كانت عملية نوعية من حيث التنفيذ والتخطيط وان التحقيقات الأولية أثبتت ضلوع عدد من غير العراقيين في المسؤولية عن وقوعها.
المعلوم أن عملية النخيب كانت قد وقعت في منطقة عراقية تحاذي ثلاث دول عربية هي سوريا والأردن والسعودية، وهذه الدول الثلاث معادية بشكل أو بآخر للمتغير السياسي العراقي الجديد الذي حدث عام 2003، لذلك فمن المناسب التفكير الافتراضي بجميع الخيوط المحتملة الرابطة بين هذا العمل الجنائي البشع وبين أجهزة مخابرات تلك الدول المعادية للتجربة السياسية العراقية الجديدة لاسيما إن هذه الجريمة الجنائية تحمل بين طياتها رسائل سياسية متعددة.
قد تكون ابرز تلك الرسائل السياسية هي قتل السائق السوري أسوة بالمغدورين العراقيين. بيد أن لهذه الرسالة تفسيرين متناقضين الأول يتجلى في محاولة إبعاد الشبهة عن علاقة المخابرات السورية المتهمة عراقيا وأمريكيا منذ أمد بعيد في التورط بمثل هذه العمليات الإرهابية، ناهيك عن إجماع غالبية تشكيلات المعارضة السورية السياسية على فكرة أن سوريا كانت تجند المقاتلين من شتى أرجاء العالم، وتبعث بهم مدربين ومجهزين بأحدث الأسلحة الفتاكة لتنفيذ عمليات القتل والدمار في العراق.
أما التفسير الثاني فيحمل مضمون أن السوريين صاروا هدفا مطلوبا لهذا التنظيم المخابراتي الغامض، والمرجح أن يكون الاحتمال الثاني هو الأقوى على خلفية كون سوريا مشغولة حاليا بنفسها عن أي شيء آخر ومن ذلك طبيعة الحال حادثة النخيب الأخيرة.
هناك رسالة سياسية أخرى في هذه العملية وتحتمل قراءة أمنية ايضا وتتجلى هذه الرسالة في استثناء النساء والأطفال وكبار السن من القتل الفظيع الذي طال الشباب المغدورين، ولهذا السلوك تفسيران: الأول عبارة عن محاولة النأي بمنفذي هذه العملية عن المخابرات الأردنية لاسيما الخيوط المرتبطة بما يسمى بدولة العراق الإسلامية التي تزعمها أبو مصعب الزرقاوي الأردني فترة طويلة والتي عرف عن أتباعها ميلهم لتنفيذ عمليات ذات طابع إجرامي طائفي لا يستثني فئة بشرية على الإطلاق.
والتفسير الثاني يذهب إلى خلاف الأول من حيث إن من قتل من محافظة الانبار مع كونهم من أهل السنة، ومنتمين إلى أجهزة الدولة الرسمية يعطي احتمالا يفيد بكون هذه العملية من تدبير المخابرات الأردنية بالفعل، إذ أريد بقتل عدد من أفراد القوات المسلحة العراقية إبلاغ رسالة أردنية غاضبة من موقف الحكومة المركزية العراقية الذي احتج احتجاجا شديد اللهجة ضد زيارة رئيس وزراء الأردن معروف البخيت الأخيرة إلى إقليم كردستان.
غير أن تورط المخابرات الأردنية في هذه الحادثة على خلفية هذا السبب فقط يبدو مستبعدا لقصر المدة بين زيارة معروف البخيت الأخيرة لمدينة أربيل التي جرت في 11/9/2011، وبين ارتكاب مجزرة النخيب الدموية في 12/ 9/2011.
هناك رسالة أخرى في تلك الحادثة المروعة تتمثل هذه المرة في المعلومات (المخابراتية) العراقية التي وصلت إلى مجلس محافظة كربلاء وأكدها رئيس المجلس ونتج عن الأخذ بها تصرف متسرع أدى إلى نسيان مأساة مقتل اثنين وعشرين إنسانا مظلوما، والاشتغال بقصة ثمانية متهمين بالإرهاب من مدينة الرطبة تحول بعضهم إلى مظلومين أكثر ممن أزهقت أرواحهم في صحراء النخيب باستخدام أسلحة الـ (بي كي سي)!
فمما تُتهم به المخابرات العراقية انها مخترقة من قبل المخابرات الأمريكية الامر الذي يسمح بتصور امكانية إعطاء معلومات مضللة للعراقيين بقصد إعادة تنفيذ مخطط الفتنة الطائفية الذي سبق وان نفذته هذه المخابرات بامتياز في عامي 2006- 2007، كما يشاع لدى شريحة عظمى من الرأي العراقي العام.
بقي أن نتحدث عن علاقة المخابرات السعودية في التخطيط لهذه المجزرة النكراء.
الحقيقة أن المخابرات السعودية لا يمكن لها أن تتورط بشكل مباشر في هذه القضية أو مثيلاتها، وذلك لسببين الأول يكمن في أن المستقري لتاريخ السياسة السعودية المعاصرة يلحظ أن السعوديين يتفادون الدخول المباشر في تنفيذ أجندات أمنية خارج حدودهم الجغرافية، وتجتهد الدبلوماسية السعودية دائما في الظهور بمظهر المبادر العلني لحل القضايا الخارجية، مثل ما حدث في لبنان قديما واليمن حديثا باستثناء دولة البحرين التي تدخلت فيها السعودية بشكل مكشوف لاعتبارات تتعلق برؤية السعودية لدول الخليج الصغيرة وكأنها قسم من الاراضي السعودية.
وعليه فان المفترض بالسعودية عندما تفكر بفعل عمل بشع كجريمة النخيب مثلا أن تلجأ إلى منفذين بالوكالة، من ذلك مثلا التفكير بالاستعانة بأجهزة مخابرات حلفائها الأردنيين والأمريكيين؛ ولكن ليس عبر الاستعانة بجهاز المخابرات السوري المشغول حاليا بكشف لغز (الشبيحة) الذي يقال في سوريا انه عبارة عن تنظيم إرهابي مسلح مدعوم سعوديا.
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net