النسر الكوردي التائه / قصة قصيرة
كنت مهندسا مدنيا مشرفا على أنجاز كافة أعماله الانشائية المختلفة والموكلة للمقاول الكوردي في مدينة كركوك العريقة ، وكان يسكن في محلة الشورجة الواقعة في الجزء الشرقي من المدينة ، ومن أصول كوردية عريقة وأصيلة ( عائلة الشيخ محمود الحفيد ) ، وله خصال حميدة وجيدة حيث كان بالاضافة الى تكلمه اللغة الكوردية السورانية الجميلة يتكلم ويتقن اللغات المحلية الاخرى ( العربية ، التركمانية ، الأشورية ) ، لذا كان ذو شخصية سهل التأقلم والمصاحبة والعشرة ، جدي ومثابر وطموح في أعماله ،عريض الجثة ، طويل القامة ،سريع البديهية ، جليس وأنيس كل من جالسه وصاحبه ، وفي أحد الأيام الربيعية الكركوكلية الجميلة وبعيد أنجاز الذرعة النهائية ( السلفة الحسابية التقديرية ) لأعماله الأنشائية الناجحة والمختلفة ... دعاني مشكورا بهذه المناسبة لوجبة الغداء العامرة مع عائلته الكريمة في منزله ، وذهبت صاغرا لأنه كان يحترمني ويعزني كبقية أولاده وعند دخولي الى صالة الطعام الرئيسية في منزله لفت أنتباهي لصورة معلقة على الحائط لرئيس الجمهورية صدام حسين وخلفها مباشرة صورة للزعيم الكوردي البطل ( الملا مصطفى البارزاني ) ، لذلك كان حصيفا ومرنا في تعامله مع الظروف والمتغيرات المعقدة والصعبة التي كانت ولا تزال تمر بها هذه المدينة الغنية بالذهب الاسودوخوفا من عاتيات الزمن أذا دار بالعكس وحسب قول الفيلسوف الألماني ( شوبنهاور ) ..اٍن أعقد ألة ميكانيكية في الوجود هي ألة الزمن ....فجلست على الارض مع كافة أفراد العائلة المتواضعة والذين كانوا يلبسون الزي الفلكلوري الكوردي الزاهي بألوان قوس القزح وأسمع معهم موسيقى واغاني كوردية لكاسيت التسجيل للمغني المشهور ( ناصر ره زازي )...ووجبتهم الغذائية الدسمة بالتمن المحشي باللحم الضأن والمسمى بالكوردي بردى بلاو - والكباب واللبن الخاثر والخبز التنور الحار والخضروات الطازجة وانواع الفواكه من شمال عراقنا الحبيب ، بحيث لا زال طعمها في رأس لساني لحد الأن ، وبعدها تم توديعي من قبلهم بكل حفاوة وتقدير ..... ولكن بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة شاءت الاقدار أن تلعب دورها حيث تم نصب كمين بشري له من أحدى الفرق الحزبية في المنطقة واجباره لأداء خدمة ( الجيش الشعبي ) ويجبر من خلالها للنقل الى أحدى الخطوط الامامية في الجبهة الشرقية المستعرة ،ولسوء حظه العاثر في تلك الأيام يصادف هجوما بريا أيرانيا حينها يتم أسره ونقله الى أحدى القلاع _ السجون _ويعامل كأسير حرب ، وبعد غيابه الطويل ذهبت شخصيا الى منزله للأطمئنان عليه من أهله وجيرانه الطيبين في المحلة ، فقيل لي أنه بحالة صحية جيدة وأستطاعوا بعض من الجيران سماع صوته الهاديء من خلال الاذاعة العربية الموجهة من دولة أيران الاسلامية ، ولكن لدماثة وبشاشة خلقه الرفيع ، سائله مقدم الرنامج سؤال استفزازي حول رأيه بالنظام العفلقي والحاكم في بغداد ، فكان رده تلقائيا وعفويا ومتواضعا وقالها بكل صراحة وثقة بالنفس العاليين ، أنا من المواطنيين العراقيين الكورد من مدينة كركوك ولست منتميا ولا متحيزا الى أي جهة أوحزب أو مذهب وملة فقط أني عراقي لحد الصميم وليس لي أي وجهة نظر سلبية كانت أو أيجابية سواء تجاه ( أمام الامة الأسلامية= أية الله الخميني ) أو تجاه ( قائد الامة العربية= صدام حسين ) فقط أقولها بصراحة أبو كاطع ، هل أرتاح ضمير الرفيق الحزبي والمسؤول المنظمة حزب البعث في منطقة الشورجة ( الرفيق كاك صكبان على أسري في شمال طهران )...من هذه الواقعة التراجيدية نلاحظ أن أخواننا الكورد كانوا ولا يزالون وطنيين ومسالميين ومتعاونيين مع بقية شرائح الطيف العراقي الفسيفسائي الجميل ومن دون تمييز بين العرق والدين والمذهب والقومية.....الخ ، وأختم قصتي القصيرة هذه بمقولة الشاعر الوجودي الكوردي الكبير بيكه س في أحدى قصائده مخاطبا الله جل جلاله بما معناه.......لماذا تحاسب عبدك المأمور بعيد موته ؟؟؟ فقبل موته الطبيعي بزمن قصير ( الشيخوخة ) وأرسالك الملك عزرائيل _ ملاك الموت تأخذ منه كل ما وهبته أياه منذ نعومة أظفاره وبالتقسيط المريح ( قوة بصره ، أسنانه ، قوته الجنسية ، صحته ، سلامة عقله ....الخ )، فأتركه دون حساب الجنة والنار رجاءا !!! ...أن ربك لخلقه شؤؤن....... والى الملتقىملاحظة:- كنت قد كتبت قصة قصيرة ( النمر الاشوري النائم ) وطبعت ونشرت من قبل زميلي الكاتب وذلك لسفري المفاجيء الى جنوب المانيا . وسأحاول نشرها بعد التنقيح والتحرير الجيدين
مستقبلا لذا أرتاى التنويه لعزيزي القاريء الكريم
عامرحنا حداد
كاتب كلداني مستقل
برلين - المانيا
amirhaddad@hotmail.de