النكتة السياسية... نقد و نقمة على الواقع
ان النكتة السياسية بحيثياتها وتطلاعاتها تهدف الى وضع المجتمع في صورة الواقع "المعاش" من اجل صياغة "معادلة تصحيحية" للمجالات الحياتية، ناقدة، وناقمة، و ضاحكة، وساخرة من ذلك الواقع ، لتضع النقاط على الحروف بطريقة تخترق العقول قبل القلوب، مخاطبة اياهم " يا امة ضحكت من جهلها الامم " .فعلى سبيل المثال فأن برنارد شو كان يمثل النكتة السياسية في اوروبا من اجل "النقد البناء" للسير نحو المستقبل، اما على الجانب العربي فان دريد لحام وياسر العظمة يمثلانها "سنمائياً"، اما شعراً فان احمد فؤاد نجم ابدع في ذلك، ولكن!!! ، هل غيرت تلك النكات شيئاً في عالمنا العربي؟؟؟ ، طبعاً لا، ذلك لان الوعي العربي اسير الماضي والاستغراب وغير مراع للخصوصية العربية "واقعيا"، بل "مثالياً" ما بين الزوجين السابقين( الماضوي والاستغرابي)، جاعلاً من العميلة النقدية الفكرية في مجتمعنا العربي هيامية الى مالانهاية كما قال الشاعر " دائماً نقول كنا .. يا امتي نريد ان نكون !!!! ". ما يعني ان فقدان الرأي في مجتمعنا العربي يمثل هروباً من الحاضر الى الماضي لبناء المستقبل، كمن يخض الماء ليصنع لبناً .
ان النكتة السياسية تتجسد من خلال الوضعية الاجتماعية التي تمارس في الحياة العامة والمتمثلة في احدى الحكايا القديمة، حيث يحكى انه في يوم من الايام كان هناك احد الولاة يحكم احد الاقاليم، ولكن طريقة حكمه كانت مبدعة في اذلال الرعية، حيث امر جميع حراس قصره ان لا يدخل اليه اي احد من الرعية الا اذا صفع على خده الايمن صفعة قوية، ولان كل الرعية مضطرون لمقابلة الوالي من اجل تسليك امورهم الحياتية، فقد ضرب كل الشعب على خده الايمن من اجل ذلك . وبعد فترة من الزمن مات الوالي، فتولى من بعده ابنه الاكبر، فكانت اول قراراته تعديل ما كان يقوم به والده، حيث عدل في عملية استقبال الرعية الى قصره، ذلك بان يصفع كل من يدخل الى القصر صفعتين على الخد الايمن والايسر بدلاً من صفعة واحدة، فاصبحت الرعية بعد ذلك تترحم وتتذكر ايام والد الوالي الجديد وهي تقول رحم الله والده فقد كان يصفعنا صفعة واحدة وكنا في الف خير، فيا حبذا لو تعود تلك الايام فلقد كانت تغمرنا السعادة والهناء ، اما في تلك الايام فيا حسرتنا من تلك الايام، فانها تختلف عن الماضي بتعاستها وصعوبتها...
هنا يدخل التناقض " فكرياً"، رغم ان الرعية على زمن الوالي ( الاب ) صفعت على الخد الايمن ، وعلى زمن الوالي ( الابن ) ايضا صفعت على الخدين، فما هو الفرق بين الاثنين ؟، ان الفرق بينهم هو "الرعية" لانها تهيم دائما بالماضي وتنادي بالرجوع اليه، فبدلاً من ان تتخلى عن الماضي وتواجه الحاضر وتصححه لبناء المستقبل، عادت الى استخدام الماضي في مواجهة الحاضر .
السؤال هنا : الى متى سيبقى الفكر العربي اسير الماضي والاستغراب..؟؟ اما آن الاوآن ان نوازن مابين الماضي والحاضر لبناء المستقبل العربي..؟
بقلم : مأمون شحادة
تخصص دراسات اقليمية
الخضر – بيت لحم – فلسطين
wonpalestine@yahoo.com