الوحدة.. مرة أخرى *
إن اتحاد كنيستين من كنائسنا الشرقية الرسولية في الوطن، العراق، اليوم إلى كنيسة واحدة صار أمر أصعب بكثير من انقسام كنيسة واحدة إلى كنيستين جديدتين.هذا رأي سمعته من الكثير من المؤمنين المهتمين بهذا الشأن، وهو حقيقة مؤلمة تؤمن بها قطاعات واسعة من أبناء شعبنا المسيحي في العراق اليوم.. ولا سيما المطلعين والمتابعين ومن وهم في تماس مع واقع الحال بطريقة أو بأخرى.
ومع أنني لا أريد أن أتبنى هذا القدر من التشاؤم، مثلما لا أريد أن أفرط في التفاؤل في هذا الأمر، لكنني وبحكم القرب من العديد من التفاصيل في الشأن الكنسي، والاطلاع على طبيعة العلاقات والمواقف...، أرى أننا لم نعد بحاجة اليوم إلى الحديث أو الدعوة إلى الوحدة الكنسية لأن مسألة السعي لتحقيقها أصبح أمرا مفروغا منه بالاتجاه السلبي للموضوع، بمعنى أنها صارت من الصعوبة بحيث أصبح (الكرسي والمنصب والرئاسة وامتيازاتها، وتداخل الشأنين الديني والقومي) ولا سيما في عراق ما بعد 2003 من الأهمية بمكان.. بحيث تهون وتغيب أمامه كل الاعتبارات الأخرى!!.
وعلى الرغم من هذه المقدمة التي قد يراها بعض القراء الكرام سلبية ومتشائمة.. فها أنا أعلنها بأنني في مستهل هذا العدد من مجلتكم الصادرة عن إحدى الكنائس الرسولية في العراق، لن أدعو إلى الوحدة الكنسية الشاملة.. ولا إلى أي نوع آخر من الوحدة التي تتطلب التنازل ونكران الذات وتفضيل المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وذلك لكي لا يتندر علي أحد القراء.. أو يصفني آخر بالسذاجة والطيبة الزائدة.
أترك كل ذلك جانبا، ليس من ناحية الفكرة، إنما من ناحية المساحة المخصصة لهذه الافتتاحية فأقول: إن مقترح المجمع السينودوسي المقدس للكنيسة الشرقية القديمة المنعقد في نهاية نيسان ومطلع إيار 2009 في بغداد، والقاضي بتوحيد الاحتفال بعيد الميلاد المجيد ليكون في الخامس والعشرين من كانون الأول من كل عام بحسب التقويم الغريغوري الجديد.. إنما هو بالفعل قرار شجاع لاقى دعم الغالبية العظمى من أبناء الكنيسة الشرقية القديمة واستحسان المؤمنين من مختلف فروع الكنيسة في العراق، وجاء في وقته المناسب ليمثل إضافة إخرى إلى حالة الشعور بالوحدة التي تغمر، منذ سنوات خلت، مسيحيي العراق كشعب، بغض النظر عن المرجعيات الكنسية المختلفة التي يتبعونها إداريا.
لقد كان القرار خطوة جريئة باتجاه ترسيخ المشترك وتذليل عوامل الفرقة في وقت عصيب يمر به هذا الشعب وعموم البلد. ومع أنه جاء بمبادرة فردية خالصة، فإن ذلك لا يمنع الرئاسات الكنسية الأخرى ومجامعها السينودوسية من أن تتوقف عنده فتتأمل في نتائجه الإيجابية وتنظر في مبادرة أخرى مقابلة.. تتمثل في النظر بتاريخ الاحتفال بالفصح والقيامة المجيدة، ومناقشة إمكانية جعل الاحتفال بهذا العيد حسب التقويم الشرقي القديم "اليولياني" كونه الأنسب تاريخيا لعدة أسباب منها حلوله بعد عيد الفصح اليهودي، بمعنى أن تحديد تاريخ الاحتفال بعيد القيامة المجيدة يمكن أن يكون قائما على أسس ووقائع تاريخية على عكس الاحتفال بعيد الميلاد الذي إنما هو توقيت رمزي قائم على اعتبارات وأسس فلكية لا وقائع تاريخية.
وعندها.. وبعد توحيد الاحتفال بعيدي الميلاد والقيامة، يمكن توحيد الاحتفال بباقي المناسبات الطقسية من الأعياد الربية الأخرى وتذكارات القديسين وبنفس الكتب الطقسية الموجودة عندنا حاليا دون الحاجة إلى إعادة طباعة هذه الكتب.
وبهذا تكون هذه الرئاسات الكنسية الموقرة ومجامعها السينودوسية المقدسة قد وضعت علاجا ناجعا لعقدة كبيرة قائمة على أسباب صغيرة، فتُسهم في تعزيز وحدة شعبنا ومقومات وجوده في أرضه، وترفع عن كاهل المؤمنين عبء تعدد مواعيد الأعياد وتداعياتها على مختلف الأصعدة الرسمية والشعبية، فتخفف شيئا من معاناته المتشعبة في الظرف الراهن، الأمر الذي يساعد في ذات الوقت على تقديم شعبنا إلى أخوتنا الشركاء في الوطن كشعب موحد دينيا "طائفيا"، وبما يدعم بدوره مسألة إقرار حقوقه الأخرى السياسية والقومية والإدارية والثقافية.. وبما يحفظ له وقاره وما يليق حقا بكونه مكون أصيل من مكونات شعب ما بين النهرين.. وزهرة جميلة عطرة في زهرية العراق.
ويطول الحديث في هذا الشأن.. لكنني أتمنى أن تكون الفكرة قد وصلت.
* افتتاحية العدد 36 من مجلة الأفق (أوبقا)، (تموز ـ أيلول 2010).