الوزارات تأتي وتذهب، أما الجامعات فباقية!!
جامعة دبلنm.al-rubeai@ucd.ie
الأمل كبير في التطوير والإصلاح دائما وابدا، والتصوّر أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجديد السيد علي الأديب سيستطيع من نقل واقع الجامعات من حاله إلى حالة أفضل بحيث تقترب الجامعات العراقية من مثيلاتها الجامعات العالمية، هو تصوّر في مكانه، إذا ما تم التخلص من سياسة الإشراف المباشر على الجامعات والتدخل في كل صغيرة وكبيرة من أمورها. وبدون إستراتيجيات وخطط وقوى بشرية وأموال جديدة لن يتحقق ذلك الهدف الذي طالما حلمنا بتحقيقه وعجزت عن تحقيقه الوزارات السابقة. والوزارة الجديدة دخلت الامتحان منذ أن صرح الوزير على الأديب بأن "الكفاءة العلمية والأمانة والنزاهة ستكون هي معيار للحكم على نجاح العمل في أي مكتب أو أية دائرة أو مؤسسة في الوزارة".
وزارة السيد علي الأديب، ستنجح إذا استطاعت أن تلتزم بالنهج العالمي في إدارة التعليم العالي من جامعات ومعاهد ومؤسسات تعليمية عليا، وان تتبنى سياسة تلتزم بوضع ضوابط لتقنين عملية الأخذ بتجارب الجامعات العالمية المتطورة وبالعمل الجاد مع مجلس الرأي، ومجالس الجامعات، والاستئناس بمشورة العلماء العراقيين في جامعات العالم المتطورة لأجل إعطاء الجامعات قدرا من الاستقلالية والمنافسة فيما بينها، وأن تلتزم بالتقاليد الجامعية العالمية واحترام الحرية الأكاديمية مع أهمية رعاية الثقافة الوطنية بوضع مناهج تتلاءم مع الواقع المحلي.
الجامعات العالمية تغيّرت.. الأكاديميون والعلماء تغيروا، وكذلك إدارة الجامعات... ولعل هذا هو سبب عدم فهم الكثير في العراق لما يجري، وتجنب الحديث عن الإصلاح والتغييرً، فالجامعات العالمية أصبحت أجهزة تدريب لإشباع مطالب سوق العمل، واحتياجات المجتمع بتطبيق معايير الجودة والتميز، ولها هدف أساسي في عصر ثورة المعلومات والتكنولوجيا، وهو التكيف السريع مع التغيرات المعرفية العالمية، وما يستلزمه ذلك من تطوير وتنمية أعضاء هيئات التدريس مهنيا وعلميا وثقافيا، والانتقال من التعليم إلى التعلم، واعتبار البحث العلمي عامل أساسي في إنتاج المعرفة، ومن خلاله تتفاضل الجامعات، وبه يتميز عضو هيئة التدريس. ولعل مكمن الحديث عن تطوير الجامعات العراقية هو في إصلاح التعليم العالي وفيه يكمن أملي في تحقيق الحلم. هذا الإصلاح الذي قلت فيه سابقا انه "عملية ضرورية للتعليم العالي في العراق كما كانت عليه البريسترويكا، أي إعادة البناء بشكل صحيح سليم، بعيدا عن الترميم والترقيع، بناء مبني على أسس علمية كما تبنى عليه الجامعات في الدول المتطورة، بناء على الصراحة والموضوعية، وهو بناء يحتاج إلى تفكيك وتهديم بعض أجزاء النظام القديم، فلا إصلاح بدون تهديم، والإصلاح لا يتحقق بدون دفع ثمن سياسي واجتماعي ومالي وقد يكون الثمن باهظا لذلك يتطلب الإصلاح إرادة وقوة وجرأة وبالطبع معلومات كبيرة عن واقع الجامعات العالمية ومعرفة بمتطلبات سوق العمل وبالواقع الاقتصادي والاجتماعي. الإصلاح يوفر لنا مشروعا أكاديميا حديثا للجامعات للاندماج في عالمنا الجديد، عالم التقنيات الحديثة للتعليم والتعلم ولبناء البنية المعلوماتية والمعرفية بحيث يصبح التعليم الجامعي انعكاس لسوق العمل وحاجة المجتمع ولتحويل المجتمع من سوق استهلاكي إلى مركز للإنتاج والإبداع والابتكار وبالتالي إلى تجديد دعائم قوتنا وترسيخ أمننا الاقتصادي".
ليس المطلوب من الوزير أن يتدخل في كل شاردة وواردة من أمور الجامعات. فللجامعات أجهزه إدارية من رؤساء جامعات ومساعدي رؤساء جامعات وعمداء للكليات ورؤساء أقسام. المطلوب من الوزير أن يقود هذا الجيش من الإداريين والعلماء والأكاديميين، وسينجح الوزير إذا اعتبر أن لدية بضاعة وان بائعي هذه البضاعة هم أساتذة الجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى والطلاب هم الزبائن، وعلى أساس درجة جودة البضاعة يكافئ الأستاذ ومؤسسته. وأملي أيضا أن لا يسمح الوزير لأحد بالانحراف عن نهج التطوير وهدف الرقي بالجامعات العراقية عبر محاولات تزليق الوزارة والجامعات في متاهات لا جدوى تربوية وعلمية منها كمسألة الفصل بين الجنسين في الجامعات، والانتقاص من الحريات في الحرم الجامعي لما سيؤدي من إدخال الجامعات في دوامات من الصراع في غنى عنها وهي تحاول النهوض من كبوتها من خلال التأكيد على المهمات الرئيسية لتحسين الجودة والحصول على الاعتراف الدولي والاعتماد لشهاداتها.
دعني في النهاية أن اضرب بعض الأمثلة التي شكلت ابتعادا عن مبدأ الحكم الذاتي أو بما يسمى باستقلالية الجامعات والذي طالما اعتبره دعاة إصلاح التعليم العالي ضروريا لرفع مستوى الأداء الجامعي وأيدهم في ذلك كثير من النواب ومسؤولي الدولة ورؤساء الجامعات والتدريسيين، لنأخذ أمثلة بشأن الامتحانات والطلاب والشهادات وبالخصوص:
1- فرض الدور الثالث على الجامعات هو امتحان لمادة أو مادتين لا أكثر لطلبة السنة الرابعة حصراً، بعضهم فٌصلوا لرسوبهم سنتين متتاليتين.
2- منح 5 درجات كزيادة للطلاب من قبل الوزارة. أين استقلالية الجامعة من هذا القرار!
3- قرار إعادة المفصولين إلى مقاعد الدراسة. بحيث أصبح الطالب مقتنعاً بأن الوزارة تريد نجاح الطالب ولكن الأساتذة يحولون دون ذلك! مثل هذه القرارات لن تساعد ابدا الجهود من اجل اعتماد البرامج والاعتراف بالجامعات.
4- تشكيل لجنة العفو عن مزوري الشهادات!!، لقد تم بالفعل العفو عن بعضهم. ترى هل هناك من يحترم في المستقبل الشهادة العراقية؟
5- قرار كون الامتحانات الجامعية وزارية (كما في البكالوريا)، وهي بدعة ليست حديثة، فقد سبق للحكم المقبور أن قام بهكذا إجراء، وثبت فشله المدقع، وألغي في حينه لثبوت فشله في تحقيق أهدافه. وقد جاء القرار على أساس الطعن في تقييمات الأساتذة وعدم إكمالهم المنهج المقرر، وهو موقف غريب ذلك أن الوزارة ربما وجدت بعض السلبيات في جامعات عراقية ولكنها تعمم هذا التشكيك على كل الجامعات. بعض التدريسيين يحاضرون باللغة الإنجليزية، وآخرون باللغة العربية، ترى بأي لغة ستكون الأسئلة الوزارية؟ من المعروف أن هناك مفردات في الجامعة إلا انه لا توجد كتب مقررة كما هو الحال في المدارس الثانوية، مما يعني وجود اجتهادات مختلفة لدى التدريسيين تنعكس على عرضهم للمقرر، وإن كان ذلك جزئياً، ولكن لابد من وجود اختلاف بين الجامعات كما هي عليه بين التدريسيين، فالتمايز والاختلاف ضروري لتحقيق الجودة.
أنا متفائل بالتطوير والإصلاح فالوزير أكد في أول بيان له على ضرورة احترام التدريسي، ومن ذلك نستشف تحسنناً في سياسة الوزارة تجاه الجامعات وأساتذتها وان دل هذا على شئ فإنما يدل على أن احترام الحريات الأكاديمية سيكون عنوان العلاقة بين الوزارة والجامعات.