اورفوار عراقنا الجديد
ربما أهم تساؤل قد يطرحه أي إنسان على نفسه يلخص فيه عن حالة متقدمة من المعاناة الإنسانية والألم والمرارة التي يكابدها أي واحد منا هو "كم سنة استطيع البقاء فيها دون وطن ...؟" كم سنة سأتحمل الحياة كغريب لا يحق له شيء حتى لو وجب عليه كل شيء وهذه الحالة معروفة بين المهاجرين فتراهم يتجولون بين بلد وأخر بحثا عن ارض تقر بحقوقهم وعن وطن يعترف بهم كحقيقة حتى يتم الاستقرار في مكان معين مع حقوق شبه كاملة أو منقوصة المهم هو الحصول على وطن . ولكن أن يسال المقيم هذا السؤال لنفسه سيكون الأمر صعبا للغاية وربما اليوم اغلب العراقيون يرددون ويكررون ذلك التساؤل أو ما يماثله لان الحالة الصعبة التي يعيشها البلد ككل تعصب عيون أبنائه أمام أية بارقة أمل وتجعلهم يترجمون حياتهم الجهنمية إلى واقع يطاردهم أينما يتوجهون فتراهم يودعون كل شيء وكل حلم راودهم حول بلد جميل ومستقر ومرفه ويفرون هاربين إلى الخارج أو يتمنون التخلص من كل أعباء الواقع ومرارته بالتخلي عن الكثير من المنجزات المتحققة والعودة إلى حالة أشبه ما تكون عليه بدكتاتورية الماضي وأمانه المفقود وشبه استقرار يته واشتراكيته .المقيمون في العراق اليوم أكثرهم ودع العراق الجديد وفضل آما الماضي أو انزوى خلف هذه الجهة أو تلك بغض النظر عن نزاهتها لكي يستمر فلا يمكن للحياة أن تستمر في عراق اليوم أذا كانت خالية من كل مظاهر الفساد والأنانية بمختلف صورها وأقبح أساليبها . ففي العراق لن تحصل على شيء إذا لم تدفع مقابل ذلك ولن تعود إلى البيت محملا إذا انتظرت ضمير المانحين والموزعين والقائمين على المصالح فهو لن يصحو أبدا ألا إذا ساعدته أنت في ذلك بواسطة أو بصلة دم أو قربى أو برشوة أو بهدية طبعا ليست من النوع المعنوي أو... الخ ورغم هذا تجدنا في الشارع نتفاخر بتديننا وننتقد انحراف الغرب وكان ما سبق ذكره من أمور منحرفة عن الخط الأخلاقي المستقيم لا يعتبر مخالفة أو معصية لأنه لا يتعارض مع نصوص الكتب المقدسة بشكل مباشر فلا يوجد تشريع ديني صريح يطلب من الإنسان أن لا يميز بين الواقفين في طابور للحصول على سلعة ما مثلا أو لا يمكن اعتبار الالتفاف على القوانين وسرقة أموال الدولة من كبائر المعاصي فالدولة تأتي اليوم بتعريف ضعيف جدا في محل غير مرئي لا يدافع عنها احد لذا فاسرق منها ما شئت وتجاوز على أملاكها ما استطعت فلن يحاسبك في ذلك الله ولا العباد . هذه الأمور ليست سوى نقاط صغيرة في كلمات الانحراف الأخلاقي والاجتماعي الذي يغزو بلدنا وينبغي أن نعيد التفكير في صياغتها ونتخذ مواقف جديدة حيالها كان نعيد تعريف الفساد لان الدارج عنه بيننا اليوم حول بلدنا إلى أكثر الدول فسادا في العالم ونحن لا نبصر ذلك ولا نعترف به ولكن هذا لا يمنع من وجود الكثير من العراقيين المخالفين لهذا الواقع المزري البعيدون عن الأنانية والكذب على الدين المستصعبين للالتفاف حول المثل العليا ولا يمكنهم الاستمرار في هذه الحالة الشاذة وربما ستدفعهم هذه الأوضاع الصعبة إلى البحث فعليا عن وطن بديل حتى لو خلي من الحرية وكان غريبا عن الديمقراطية . يبقى المطلوب هو وطن لا يكون شبيها بالغابة يتمتع فيه الضعفاء بفرصة للعيش أيضا أسوة بالأقوياء وطن قوي يلجم الوحوش الاجتماعية والاقتصادية المفترسة التي كثرت اليوم من عنف وجريمة وفرق واسع بين الطبقات الاجتماعية يستحيل عليها التعايش معا دون افتراس أو مطاردة ولان الكثيرين منا غير قادرين على أية واحدة من الاثنتين سيقولونها مودعين كل أمل لهم ببلد مرفه ومستقر حر وديمقراطي مطابق للمواصفات الإنسانية وفي مسك الختام سيخاطبون بلدهم بلغات أنيقة ورقيقة ملقين صوره الزاهية خلف ظهورهم بحثا عن وطن بديل . عصام سليمان - تلكيف.