باحث : محاربة الفقر في العراق تتطلب مكافحة الفساد الاداري والمالي والسيطرة على الانفاق الحكومي
24/05/2010شبكة أخبار نركال/NNN/الموصل/باسل طاقة/
أكد الباحث في جامعة الموصل غانم الليلة ان محاربة الفقر تبدأ بمحاربة الفساد المالي والاداري المستشري في جسد الدولة والسيطرة على معدلات التضخم ومن ثم محاولة ضبط الانفاق في القطاع الحكومي لتخفيض الهدر في هذا القطاع. واوضح الليلة لمراسل شبكتنا , انه من المستحيل التعرض لمشكلة الفقر في المجتمع العراقي " الذي بدأت تدخل فيه كل يوم قطاعات جديدة لدائرة الفقر بكل ما تحملها من تهديد ورعب سيتولد عنها أشكال غير أخلاقية للتخفيف من الفقر كطرق الكسب غير المشروع والجريمة بمختلف أنواعها "، من دون أن يتم إيجاد حلول لآفة الفساد المختبئة في كل أركانه، فمن الصعب تفسير تزايد عدد الفقراء المطرد واتساع الهوة بينهم وبين الاغنياء دون عامل الفساد "الاحصائيات الرسمية تشير الى 23% من الأسر العراقية تعيش تحت خط الفقر"،
وأشار الليلة الى ان الفساد أدى الى عدم بناء قاعدة اقتصادية وإدارية قوية حيث لم تستطع الدولة بناء أسس اقتصادية وصناعية متينة ونظام اقتصادي متماسك مما ابقى الاقتصاد في البلاد عرضة للتقلبات ولحالات الركود حيث يردها الكثير من الاختصاصيين الى انتشار مظاهر الفساد في مختلف مفاصل الدولة، فنشاط الفساد السري غير المعلن حرم الكثير من أبناء الوطن من خيراته ومن نصيبهم في الناتج المحلي الاجمالي لحساب عدد قليل من الفاسدين والمنتفعين والذين ارسوا قواعد فكرية والية عمل اداراية عرقلت أي حركة ممكنة في العجلة الاقتصادية خاصة في القطاع الحكومي.
وبخصوص التأثيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لتفشي الفساد على طبقات المجتمع قال الليلة: لقد كانت الطبقة الوسطى مثلا في العراق خلال العقدين الماضيين تشكل نحو70% ولا تزيد اليوم على 20% وهي تتناقص كل يوم حتى اصبحت طبقة مذعورة يفكر معظم ابنائها بالسفر والهجرة تحت ضغط وتهديد الفقر ويعد انزياح الطبقة الوسطى باتجاه عمودي نحو الاسفل من اخطر المؤشرات السياسية والاجتماعية، فهذه الطبقة تعتبر المحرك الاجتماعي الاول وهي التي تضمن عملية التوازن الطبقي في اي مجتمع ويقع على عاتقها انتاج العلم والفكر والثقافة باعتبارها الحامل القيمي والاخلاقي والقوة السياسية المحركة والصانعة للقرارات والاتجاهات السياسية والاخلاقية، فعادة لا يشكل الفقراء قوة سياسية باعتبار ان همهم يتركز بالدرجة الاولى على تأمين حاجاتهم اي ان سعيهم يكون باتجاه لقمة العيش بينما يكرس الاغنياء نشاطهم ومطالبهم لزيادة ثرواتهم وهم لا يشكلون سوى اقل من 10 % من عدد سكان العراق على ابعد تقدير، في حين ان الطبقة الوسطى التي تشمل الموظفين والمعلمين والاداريين والعمال والقسم الاكبر من المتعلمين واصحاب الشهادات, تمثل القوة السياسية التي لا تقبل التهميش ولديها مطالبها التي غالبا ما تصب في خانة المصالح العليا للبلد وان ابقاء هذه الطبقة فعالة امر ضروري جدا في حسابات اي عملية تطور او اصلاح اداري وسياسي واقتصادي، ويتابع الباحث، ان ما يحدث حاليا في العراق لا يبشر بالخير، فدخل العامل والموظف تراجع كثيرا خلال السنوات الماضية مع انخفاض قيمة الدينار وتدني قدرته الشرائية واغلقت الكثير من المصانع والمعامل وورش الخياطة والحدادة والنجارة وغيرها، وحول التهميش الذي تمارسه اغلب مؤسساتنا الحكومية مع الفقراء وتاثير ذلك اشار الليلة: مع الاسف يحيل الكثيرون مسؤولية الفقر على الفقير ذاته ويتناسون البعد الاخلاقي للفقر كونه شكلا من اشكال التجريد من القوة ببعده الاجتماعي والذي يعني النقص النسبي المتاح للفقراء من الموارد اللازمة لتحصيل نفقات المعيشة او بعده السياسي والمتمثل بانعدام ظهور صوت واضح ومسموع للفقراء وبعده النفسي في شعور الفقراء الداخلي بانعدام اهميتهم وخضوعهم السلبي، وبذلك تطال فقراء هذا الوطن عملية تهميش وعزل تجعلهم غير فاعلين في اي تغيير واحيانا غير شاعرين بحدوثه ما لم يكن له تأثير مباشر على مستوى حياتهم، فثقافة (الاحياء الفقيرة) تقوم دائما على الاذعان والرضى والايمان بالقدر اضافة الى عدم الانتساب الا لجماعة ضيقة والانسلاخ عن مسيرة باقي المجتمع وبذلك يصبح الفقر نقيضا لحق المواطنة، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل سنسمح بتكاثر طبقة الفقراء ؟ فكل يوم يخرج فرد جديد من دائرة القوى المؤثرة في بناء مجتمعنا لتصبح حركته ذاتية متمحورة حول البقاء على قيد الحياة ليس الا ؟!. واضاف الباحث، ينبغي التأكيد دائما على معالجة الفقر من خلال اصلاح الاوضاع الهيكلية في النظام الاقتصادي والاجتماعي في العراق التي ساعدت على ظهور تجاوزات في سوق العمل ونشوء حالة ازاحة واسعة النطاق لن تعود لطبيعتها دون التقليل من التناقضات وتحقيق المساواة في ظروف المعيشة والتوزيع العادل للموارد ومكافحة الفساد بكل صوره وأشكاله.