بداية لتاريخ الشرق الأوسط
لا أبالغ ابدا حين اقول : ان الحضارة الانسانية بدأت اولي خطواتها علي سهول ارض ما بين النهرين، لأن الشواهد التاريخية تتواتر لتثبت صحة هذا القول. وما تزال محافل العلم وكتب التاريخ وقاعات الدرس في شتي انحاء العالم تشير باعجاب الي البداية تلك، والي الاثر الذي تركه العراقيون الاوائل لجيرانهم في مناطق الشرق الاوسط، فالابداع الهندسي كان واضحا في جنائن نبوخذ نصر، وقوة القانون كانت مرصوفة ومنحوتة علي مسلة حمورابي ومياه الاهوار، والقصب الذي يرتوي بها، لم تمنع السومريين من بناء حضارتهم المائية، حتي قيل أن سكان (الجبايش) هم احفاد بناة حضارة سومر العظيمة، والعمارة وهندستها لا تخفي علي علماء الآثار الذين ادهشتهم قدرة العراق علي بناء الحياة من خلال تشييد الدور والقصور والحدائق، وكل ما من شأنه ان يؤشر لرقي انساني رائع.وهكذا مضت الحضارة الانسانية تؤسس بنيانها العظيم في بقاع الارض دون تأخير،وظهرت بعد ذلك حضارات لشعوب حية، لم تستطع برغم كل ذلك الرقي أن تحجب حقيقة، ان العراق كان منطلقا للحضارة برمتها وأن (ابراهيم أبا الانبياء) ولد في مدينة أور بالناصرية، فكان الشاهد علي ان مشيئة الله تناغمت بحركة الانسان علي سفوح الرافدين فكان للسماء دورها في ارسال الانبياء واختيار نقطة البداية في العراق. وكان لروح الابداع البشري وجودها الفاعل حين اسست لحضارة مؤثرة ذات وجود متعدد الوجوه والتأثير.
وصلت الحضارة الانسانية الي ذروة تألقها في البناء التقني. لكن استعباد الانسان، وخضوع المجاميع البشرية لحكم الطغاة لايزال متجذرا في حياة الناس هنا وهناك. واصبح الانسان بحاجة ماسة الي التحرر والانفتاح والتخلص من قيود الماضي. وهاهو الشرق يعيش ازمته التاريخية، واذا كان (فوكوياما) اسس لفكرة (نهاية التاريخ)علي مستوي المجموع البشري، فإن بداية التاريخ تنطلق بخطواتها الاولي الآن، في العراق- تحديدا- بعد ان صار متاحا للمواطن العراقي ان يختار طريقه، وبدا كأنه الباعث لنهضة الشرق الاوسط وتحرره الجديد.