برازيلي رئيساً للحكومة العراقية .. أنه مجرد اقتراح
إن كان وطننا غارقاً في جحيم الأرهاب والعنف الدموي ، وكل الجهود التي تبذلها القوات الأمريكية والعراقية لا تستطيع أيقاف العمليات الأرهابية ، والحكومة العراقية مقيدة بتجاذباتها وتقسيماتها الطائفية ، والسيد رئيس الوزراء نوري المالكي يحاول ترضية كل الأطراف بموجب الحصص الطائفية ، والرجل رغم اخلاصه وخبرته السياسية إلا انه لا يحل ولا يربط في مسالة حل العقد العراقية المستعصية منها :الأمنية والخدماتية والسياسية والأقتصادية ، وكل يوم تتردى الأوضاع ويزداد الوضع سوءاً ، وتتنوع عليه الضغوطات إن كانت من الميليشيات الشيعية او المسلحين المجاهدين من السنة او من الأحزاب الدينية والطائفية التي لا تنظر الى المصلحة العراقية ، ناهيك عن الضغوطات الخارجية من الجيران وغيرهم ، والرجل عاجز عن تغيير الواقع المأساوي ، لأن الأشكالية تكمن في ان الحكومة نفسها مبنية على اسس طائفية .
إن حال رئيس الوزراء يشبه الى حد كبير حال أي مدرب عراقي نهض بمهمة تدريب المنتخب العراقي ، فهو يقع تحت تأثير السلطات التي عينته مدرب الفريق ، وهو معني بتنفيذ أوامرها ، وليس له استقلالية وحرية اختيار اعضاء الفريق ، وهكذا كان الفشل من نصيب الفريق المتكون اصلاً بحسابات الوساطة والمحسوبية وغيرها من التأثيرات التي لا تصب في مصلحة الرياضة .
في العراق اليوم من المدربين العراقيين افضل من المدرب البرزايلي فييرا ، لكن العراقي مقيد بقيود سياسية ومحسوبية واليوم بقيود طائفية ايضاً . وكان المدرب البرازيلي المغمور في حل من كل تلك الألتزامات ، فجمع اللاعبين حسب كفاءتهم وليس حسب انتمائهم الديني او الأثني او العرقي ، شرطه الوحيد ان يكون اللاعب عراقي كفوء ، وتحت سارية الراية العراقية بعيداً عن كل الأنتماءات الأخرى استطاع هذا المدرب ان يقود الفريق العراقي الى الفوز المؤزر ، بقطع النظر عن المعوقات الكثيرة التي كانت تعتري سبيله .
لو فرضنا ان تدريب المنتخب كان داخل العراق ، وإن المدرب عراقي ، فهذا المدرب ملتزم ان ينفذ أمر وزير الرياضة والشباب ، وكما هم معلوم فإن كثير من الوزراء جعلوا وزارتهم معقلاً ومقراً لأحزابهم ، وبما ان الأحزاب من اسمائها وأفعالها هي احزاب دينية ومذهبية أي لا علمانية فدأبت كل وزارة تعكس الطائفة التي تنتمي اليها ، فالفريق العراقي في هذه الحالة كان ينبغي ان يراعي هذا التوزيع الطائفي ، كأن يعطي خط الدفاع للسنة والهجوم للأكراد والوسط للشيعة وحارس المرمى من الأقليات القومية والأحتياط من الأقليات الدينية من المسيحيين والمندائيين واليزيدية الذين يهّجرون من العراق . من المؤكد إن هذه الخرافة كانت قد مزقت الفريق وسببت في فشله الذريع في اولى مباراته .
لكن من حسن الصدف ان المدرب الأجنبي سخر واستهجن هذه التقسيمات ،فاختار فريقاً عراقياً يحمل الراية العراقية ليس غير ، وتحت الراية العراقية فقط استطاع هذا المدرب ان ان يخلق لحظة سعادة للعراقيين وأثبت ان الهوية العراقية هي قادرة على كل شئ فيما عجز المالكي بكل امكانياته من تحقيق مثل هذه اللحظة للعراقيين .
نعود الى المشهد السياسي العراقي وإمكانية استقدام رئيساً للوزراء من البرازيل او من الصين او من من اليابان ، او يكون أحد الخبراء او المستشارين في الأمم المتحدة . وحتماً هذا الشخص سيختار حكومة من التكنوقراط من التنوع العراقي ، ولا اعتقد في الأمر انتهاك او إساءة للسيادة العراقية ، فإذا أخذنا بمفهوم الديمقراطية ، فإن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والوزراء وكل العاملين في الدولة العراقية هم موظفين ، وكل يؤدي واجبه من موقعه الوظيفي ، إن كان وزيراً او موظف استعلامات فجميعهم موظفون في الدولة ويستلمون رواتبهم من الخزينة العراقية في نهاية الشهر .
نحن نستقدم موظفين وخبراء في شتى الأختصاصات ، ومن جملتهم استقدمنا مدرباً لفريقنا الوطني من البرازيل ، فما هو المانع من استقدام موظف خبير ويعمل تحت عنوان رئيس للوزراء ، ومن المؤكد فإن هذا الخبير الذي يأخذ راتبه من الدولة العراقية سيصرف كل وقته من أجل إعادة البنية التحتية المنهوكة العراقية ، ويعمل من اجل توفير الكهرباء وماء الشرب وتصريف المجاري وتبليط الطرق وتوفيرالوقود من البنزين والكيروسين والغاز . والرجل سوف يجمد مطالب جبهة التوافق والكتلة الصدرية والأئتلاف الشيعي وكل مطالب المتعلقة بمصلحة الأحزاب الأنانية البعيدة عن المصلحة العامة للشعب العراقي .
بقيت امور بسط الأمن والأستقرار وهذا هو المهم ، من المؤكد ان هذا الرجل الذي يعمل بمهنية عالية سيعين مدراء الأمن والشرطة ومدراء المراكز الحساسة من الكفوئين دون النظر الى انتمائهم الطائفي وحصة هذه الطائفة او تلك ، وهو سيختار حسب المقدرة والكفاءة ، إن كان المنصب سيشغله كردي او عربي ، سني او شيعي ، مسلم او مسيحي . المهم المقدرة والكفاءة وأن يكون عراقي الجنسية لا أكثر .
لقد عُين الأمير فيصل ملكاً على العراق في مؤتمر القاهرة في 23 أذار 1921 وفي 23 آب 1923 تم تتويجه على عرش العراق ، والأمير فيصل كما هو معروف ليس عراقياً ، واستطاع هذا الشخص من بناء الدولة العراقية بعد ان كان العراق تنازعه التقسيمات العشائرية بالدرجة الأولى .
فماذا يمنعنا اليوم بالأستعانة برجل خبير وليكن أجنبياً من اجل ترتيب الأوضاع في العراق .
إن العراق لا تستقيم اموره بإسقاط هذه الوزارة وعودة الجعفري أو بأتيان رئيس وزراء يملك الأكثرية في البرلمان العراقي ، لأن البرلمان نفسه يشكل مركز استقطاب طائفي كئيب .
إن كان الأصرار ان يكون رئيس وزراء عراقي فلابد ان تكون الشخصية التي تقوم بهذا الواجب شخصية علمانية ليبرالية لا تأخذ المشورة من رجال الدين ، او من الكتل التي توجه بوصلتها السياسية نحو المذهبية والطائفية مهما كان لونها . ولكن يبقى ترأس اجنبي للحكومة العراقية افضل من غيرها لأخراج العراق من نفقه المظلم والمدرب البرازيلي مثال حي على هذه الفرضية التي تبدو لأول وهلة غريبة .
ولكن إذا جاء خبير من الأمم المتحدة وشغل هذا المنصب ، وتعاون الجميع معه من المؤكد سيقلب المستحيل الى ممكن كما فعل المدرب البرازيلي .
habeebtomi@yahoo.com