بعد نصف قرن من الغربة.. ابو جوزيف يتوسّد صدر مُرضتعه ويتدّثر تراب مولده
إنه مشوار نصف قرن أو ما يزيد من النضال المتواصل, إنها رحلة عقود طويله بعناقيد مثقله بالظلم والقهر والتشرد , فقد خلالها فلذة كبده منير ورفيقة دربه ألماس, وفرهدت السلطات الغاشمة ممتلكاته, وتشردت كامل عائلته, ولكن رغم هذا كله, لم يحن توما توماس قامته العراقيه الشيوعيه الشامخه لأي من هذه النوائب التي تهز الجبال العاليه , ولم تنل منه مغريات الحياة الفانيه, ظل حتى آخر لحظه من حياته التي ودعها في سوريا قبل أربعة عشر سنه وفيا لقضية شعب يسومه الحاكم الظالم كل انواع الضيم, ومن قامشلي كان قد نقل جثمانه الى مقبرة دهوك, وظل هناك ينتظر بالصبر الذي عرف عنه حتى نقل الى القوش التي وهبها ما لم يهبها إنسان قبله, ليعود الى الصدر الذي رضع منه أولا, وليتوسد تراب مولده في رقدته الأبديه الى جانب رفيقة عمره وشريكة عواديه التي رغم إشتداد النوائب ابت إلا ان تكون معه دائما.إذن إجتمع الخالد الذكربرفيقته وحبيبته أم أولاده ليكون اللقاء رمزا للحب المتجدد والتضحية والفداء, إجتمعا تحت شاخصة قبر لابد أن تشكل في ضمير الانسان العراقي عموما والقوش خصوصا وعلى مدى الدهر, مثابة محطة تستريح عند ظلالها بعض خطى المناضلين المتعبه لكي تستلهم من ذكرى تاريخ من يرقد تحتها: العزيمة والثبات.
حين نريد التحدث بحياديه وتجرد عن رجل بقامة وفكر توما توماس, فأنا ارى من الظلم أن ننسب تاريخ نضال الرجل وبجرة قلم غير مسؤوله وغير واعيه الى طائفه او كتله بشريه قوميه, وإن فعلنا ذلك على طريقة النافخين في قربة مثقوبه من خلف البحار البعيده, طريقة من بدلوا الوان جلودهم مرات ومرات كما الحرباء , فإننا لابد سوف نجني على تاريخ نضال هذا الرجل, فرسالة هذا البطل كونها تعني وطنا وشعبا برمته, على هذا الأساس لم يتردد في دعم ونضال الحركه الكرديه , كما لم يألو جهدا في دعم ومساندة مؤسسي الحركة الديمقراطيه الأشوريه في بدايات الثمانينات , إذن رسالته هي أشمل وأوسع من رسالة راهب متنسك عزل حياته من اجل قضية تنحصر بين اربعة جدران عاليه رطبه في دير عتيق.
إن الرجل توما توماس لا يليقه مطلقا أن ننسب نضاله سوى الى ما يستحقه, فالرجل حمل على كتفيه مدى ما يزيد على نصف قرن من رداءة الزمان, قضية شعب ووطن, وهذه القضيه كما نعرف جميعا تتجاوز سقف القومية والدين وتتسع مساحتها لتضم كل القوميات العراقيه, فالشعب العراقي يظل رغم كل الدعوات الطائفية والقومية الضيقة, بعضه شريك لبعضه في السراء والضراء.
بقدر إعتزازنا وفخرنا بعودة جثمان طيب الذكر ابو جوزيف الى حضن أمه القوش التي ولدته,إلا أننا نثق ان اي بقعه على ثرى العراق من شماله الى جنوبه ومن شرقه الى غربه ليست اقل طهرا ومعزة من الارض التي توسدها, ناهيكم عن ان الفكر(الشيوعي) الذي كان يتبناه الرجل يرفض بالمطلق بدعة النقاء العرقي ويتعامل مع الدين كقضية فردية محضه تخص صاحبها ليس إلا.
إن توما توماس لم يمارس النضال مجرد هواية كمخاض لعقده نفسيه حاشاه او ترف فكري يستجدي منه تحقيق مكسب شخصي على طريقة من صاروا يتخبطون كما المصاب بحمى الهذيان وسط شوارع المدن التي تستر عريهم الفكري وتخبئ عوراتهم وراء مسميات وتشكيلات وهميه خلقوها للتلاعب بعواطف البسطاء, إنما مارس النضال كناموس إنساني إستمد بنوده من أنين المحرومين نتيجة السياسات الظالمه التي مارستها الانظمه المسلطه على رقاب الشعوب بقوة الحديد والنار, ويوم بدل المطبلون والمزمرون لون جلودهم,إزداد إيمان الرجل ضراوة بتمسكه بلون جلده الموبوء بجراحات التشرد ونتوءات الصخور التي تعود ان يتوسدها واصبعه على الزناد دفاعا عن قضايا الشرفاء المظطهدين والمسلوبي الحقوق, ويوم ساوم المطبلون على شرف انتمائهم القومي والفكري الذي يتشدقون به اليوم , أصر الرجل على أنه إنسان عراقي كلدواشوري وهب نفسه للعراق كله, وهذا ما تحكيه لنا وثائق مؤتمرات الحزب الوطنيه وعن لسان رفيق دربه دنخا البازي.
ل
لملم يكن توما توماس يوما عضوا في منظمه وهميه تضم مجموعة من الجهلة والأميين جعلت لها من صفحات الانترنيت مقرا يدار بفارة الحاسوب,أنما كان قائدا في تنظيم سياسي قدمّ الالاف من أعضائه أرواحهم رخيصة من أجل قضية الفقراء والمسحوقين والوطنيين الشرفاء, إذن لتسكت الأصوات الفاهيه ولترتفع أصوات المنشدين بالمجد الذي يستحقه توما توماس ورفاقه الشهداء الأبطال.
لم
بوركت سواعد الذين إستقبلوا نسر بلدتهم العائد, ولكي يقوى عود القوم أمام العاتيات يتوجب التحسّب والانتباه دائما من خلال إستذكار مواقف هذا الرجل الذي لم يفرط يوما بأهله ولم يألو جهدا في دعم ما يوحدهم ,رحل عنا الرجل بجسده لكنه عاد بروحه المبتهجه الى مثواه بعد ان ترك لنا إرثا متميزا من عطاء الأشداء المحنكين, ورث ٌ لا يقبل الحكر ولا التقسيم البتة ً, ورثٌ أممي ووطني ثم قومي , فيه من الثراء بما لا يقبل التفريط به بأي شكل من الاشكال , والذي يصون هذا الورث ويأتمنه, له الحق ان يتباهى به وبأسم صانعه ,شريطة العمل على تحقيق تلك الرساله التي توالى وستتوالى على حملها الأجيال مثلما حملها المرحوم بدمه وعقله وتضحياته.
أهلا بشيخ المناضلين و قرة الأعين بمقدمك أبتهج الحشود ونطقت الألسن
لن نودعك بعدٌ طالما عدتم الينا وإن أطللتم فقط بالروح ففي ظلها النفس تأتمن
من زادك الفكري سيبني لها البنون سورا تتهاوى أمامه الشرور وتخيب الظنن
أبشري يا ألقوش بعودة سيّد الفرسان ففي عودة الليث للعريـــــن يكتمل الإحسان
كُف ّ النحيب يا قبلة الأمم والأزمان ألا يكفيكِ عود العريس لعشه من برهان
خــُيـِرتَ يا سيدي ففازبصوتك الوطن ألم يرتفع نعشك و ازدان بالأحمر الفــَتِنُ
هلموا بحب نخب كأس هذا الفطن نسقي الزؤام لمن في صدره عشقا للفِتنُ
نــَم هانئ البال يا تاج زينة الفرسان فالعقم ليس له في ذرية الشجعان عنوان
للشهيد الراحل ورفاقه الابطال الراحة الابدية وللشعب والوطن الصبر والسلوان.
الوطن والشعب من وراء القصد