Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بلاك ووتر وتجارتها الرائجة في العراق

"مصائب قوم عند قوم فوائد"، مثل عربي مشهور يقال عندما تقوم جماعة بالاستفادة القصوى من مأساة تحل بجماعة أخرى. هذا المثل ينطبق على مأساة العراقيين منذ سقوط حكم البعث الجائر يوم 9 نيسان/أبريل 2003 وإلى الآن، حيث صار العراق مرتعاً خصباً لعصابات الجريمة المنظمة وتنظيمات الإرهاب من فلول البعث المنحل وحلفائهم من أتباع القاعدة وغيرهم من التكفيريين. كما وقد وفر هذا الوضع تجارة رابحة لشركات الأمن الخاصة الأمريكية وغير الأمريكية لتحقق أرباحاً خيالية من مصائب العراقيين.





في هذه المداخلة أود التركيز على فضيحة شركة الأمن الأمريكية الخاصة بلاكووتر (Blackwater) والتي طفحت على السطح مؤخراً بعد قيام عناصر من الشركة بقتل 17 مدنياً وجرح 24 آخرين في بغداد يوم 16 أيلول/ سبتمبر الماضي دون أي مبرر (تقرير صحيفة نيويرك تايمز 2/10/2007). ويبدو أن هذه الجريمة التي ارتكبها هؤلاء هي ليست الأولى من نوعها، بل هناك العشرات من أمثالها ولكن تم الإعلان عن الأخيرة بعد أن طفح الكيل، حيث بلغ استهتارهم واستهانتهم بحياة العراقيين إلى حد أنهم قتلوا حتى أحد أفراد حماية رئيس الجمهورية أيضاً.





ويبدو أن الإعلام الأمريكي على إطلاع بهذه الجرائم، لذلك وبعد إصرار رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي على محاسبة الجناة ووقف عمل الشركة في العراق، صارت فضيحة بلاك ووتر عناوين بارزة في الصحف الأمريكية والغربية الأخرى، مما دعا مجلس الكونغرس الأمريكي إلى دعوة رئيس الشركة للحضور أمام لجنة الاستماع التي شكلها لهذا الغرض. "وقد كشف تقرير أعد لجلسات الاستماع والذي أعدته لجنة المراقبة والإصلاح بمجلس النواب الأمريكي أن شركة بلاك ووتر تورطت في نحو 200 واقعة إطلاق نار في العراق منذ عام 2005... وأن في غالبية الحالات كان عناصر الشركة يطلقون النار من سيارات أثناء سيرها، دون أن يتوقفوا لمساعدة المصابين... كما واعترفت الشركة بأن موظفيها كانوا هم البادئين في إطلاق النار على عراقيين في 163 حالة من الحالات المذكورة. " (بي بي سي العربية، 3/10/2007).



والمعروف أن الحكومة الأمريكية كلفت شركة بلاك ووتر لحماية الدبلوماسيين والموظفين والزوار ورجال الأعمال الأمريكيين في العراق، وهي واحدة من عدة شركات خاصة تجند مرتزقة تقوم بهذا العمل مقابل رواتب مغرية جداً، وتحقق أرباحاً خيالية لها، حتى تحولت هذه العملية إلى تجارة (بزنس) رابحة. إذ تفيد التقارير أن الحكومة الأمريكية دفعت لشركة بلاك ووتر وحدها، نحو مليار دولار خلال السنوات الخمس الماضية. ولذلك يعتقد بعض النواب الأمريكان، أن عناصر الشركة تحولوا إلى جيش من المرتزقة يعمل في الظل تنافس الجيش الأمريكي، لا يخضع للحكومة الأمريكية وأن عناصرها يتبنون سياسة إطلاق النار أولا ثم طرح الأسئلة فيما بعد وفق مبدأ (نفذ ثم ناقش!!).



كما ويعتقد الآن أن هذه الشركة تعمل على تقويض الجهود العسكرية الأمريكية بالعراق لتحقيق الأمن، وذلك بخلق التوتر الأمني واستمراره في العراق بواسطة عناصرها من أجل تمديد فترة بقائها وضمان المزيد من الأرباح، فهي تجارة رابحة بالفعل، وتصاب بالكساد فقط في حالة القضاء على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العراق.



لا شك أن هناك مخاطر كبيرة ومرعبة تهدد أمن وسلامة الشعب العراقي إذا ما استمرت هذه الشركات بتقويض الجهود لتحقيق الأمن والاستقرار في العراق. لأن هذا يعني أنها تريد أن يبقى العراق مرتعاً خصباً لعصابات الجريمة المنظمة وتنظيمات الإرهاب من أجل ضمان بقائها في العمل لتحقيق أرباح طائلة لها ولشركات الأمن الخاصة الأخرى، وتوفير الوظائف واستمرارها لموظفيها على حساب أمن واستقرار العراق.



والخطر الآخر الذي يهدد العراق من هذه السياسة، هو أن استمرار التوتر وغياب الأمن في العراق سيؤدي إلى خلق حلقة مفرغة، فغياب الأمن سيجلب المزيد من المجرمين ليس من داخل العراق فقط، بل ومن الخارج أيضاً لممارسة الجريمة المنظمة في الخطف والنهب والسرقة. إذ تحولت الجريمة المنظمة في العراق إلى تجارة مربحة لكل من لا عمل له، تحقق لممارسيها أرباحاً خيالية وسريعة. واستمرار التوتر يشجع بقاء شركات الأمن الأجنبية الخاصة التي تساهم هي الأخرى في خلق المزيد من التوتر ونهب الثروات. وهذا الوضع المأساوي يعد من أحد أهم الأسباب التي جعلت شرائح واسعة من العراقيين يائسين من أي تحسن في الأمن ومتشائمين من المستقبل، ولذلك يبذلون كل ما في وسعهم لترك العراق وبالتالي تفريغه من خيرة أبنائه وبالأخص من أصحاب الكفاءات.



إن فضيحة بلاكووتر تحتم على المسؤولين العراقيين والأمريكان عدم التساهل مطلقاً مع المجرمين، ويجب فرض عقوبات مشددة عليهم، سواء من عصابات الجريمة المنظمة أو الإرهابيين أو من عناصر شركات الأمن الخاصة. كما ونطالب الحكومة العراقية عدم السماح لعودة عناصر شركة بلاك ووتر إلى العراق، خاصة بعد اكتشاف جرائمها وفضائحها للعالم وللمسؤولين الأمريكان أنفسهم، والرأي العام الأمريكي متعاطف مع العراقيين ضد المتاجرين بمأساتهم. Opinions