بمناسبة عيد المرأة العالمي في الثامن من آذار/متى تستعيد المرأة العراقية حريتها؟
الذين ينظرون للمرأة من منطلق ذكوري متخلف على أنها قاصرة عقل ودين!!، وأنها دون مستوى الرجل، وأنها خلقت للبيت، وإنجاب الأطفال وتربيتهم، والقيام بشؤون العائلة كافة، وتأمين طلبات الرجل، هم بلا شك المختلفون بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهم عدوانيون لا يقيمون وزناً للعلاقات الإنسانية، هم انانيون لا يحبون إلا أنفسهم ولذاتهم، وهم لا يفهمون من الثقافة غير قشورها ، وهم في واقع الحال أقل وزناً من المرأة في مختلف مجالات الحياة،هم الأقل تحملاً وصبراً، والأكثر تهوراً ورعونة، في تعاملهم مع زوجاتهم، ومع بناتهم ، أنهم يعيشون في القرن الحادي والعشرين، لكنهم يحملون ثقافة القرون الغابرة في نظرتهم وتعاملهم مع المرأة، وكأنها سلعة من سلع البيت دفع ثمنها مهراً بموجب الشريعة الإسلامية!!.
المرأة أيها السادة اكبر وأعظم وأقدس مما تتصورن ، أنها خالقة الإنسانية ، أنها هي التي ربتكم وعلمتكم وثقفتكم وحرصت عليكم أكثر من حرصها على بؤبؤ عينها، وضحت من أجلكم بسعادتها كي تسعدوا، وبصحتها كي تصحو، وبراحتها كي تنعموا بالحياة، ومع كل ذلك فهي تمارس العمل بكل جد في مختلف المجالات التي قد يعجز الكثير من الرجال القيام بها، العالمة الفيزيائية والكيميائية والمهندسة والطبية والقاضية والمحامية والصيدلانية والمعلمة مربية الأجيال، والعاملة في مختلف المعامل الإنتاجية، بل لقد تجاوزت أرقى سلم الثقافة والعلم، وتولت أعلى مناصب الدولة ليس فقط في البلدان المتقدمة ، بل حتى في العديد من دول العالم الثالث الاسلامية كالهند وباكستان وأندونيسا وبنكلادش دعك عن المانيا وبريطانيا والأرجنتين وتايلاند والعديد من الدول الأخرى، واغلب الذين يديرون دوائر الدول الأوربية هم من النساء، فأي ادعاء هذا الذي يدعونه أصحاب المجتمع الذكوري الذين خولوا أنفسم قوامون على النساء، وقد اتخذوا من الدين الذي جاء قبل 15 عشر قرناً وسيلة وحجة كي يستعبدوا النساء، ويفرضوا عليهن طاعتهم عنوة، ويمارسون العنف معهن بدعوة أن الدين قد اباح ضرب المرأة ، وهم يفرضون عليها اليوم سجناً رهيباً من خلال هذا الذي يسمونه الحجاب، وكأنما قطعة القماش هذه هي التي ستصون المرأة من الزلل، ثم لماذا لا يتحجب الرجل كي يصون نفسه الكثير من الزلات التي يمارسها كل يوم بحرية، ودون حساب.
أن الحجاب الذي يحمي الإنسان من الزلل هو في عقله وتفكيره وسلوكه وتصرفه، أنها الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة، أنها العدالة الاجتماعية بين بني البشر مهما اخلتفت أجناسهم وقومياتهم وأديانهم ومذاهبهم .
ومهما فعل الرجل، ومهما قدم وأنجز فهو عاجز أن يقارن نفسه بالمرأة التي تعمل وتعطي أضعاف ما يعطيه الرجل دون منة أو كلل، وبكل رحابة صدر، حيث تحس بمسؤولية كبيرة تجاه أبنائها وبيتها وزوجها من جهة، وتجاه بني شعبها ووطنها والإنسانية جمعاء من جهة أخرى .
لقد خاضت المرأة العراقية منذ مطلع القرن العشرين نضالاً دؤوباً من أجل استعادة حقوقها وصيانة كرامتها، ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات، وحقها في تلقي العلم والمعرفة، ومشاركة الرجل في كافة مجالات العمل والإنتاج من أجل تحررها الاقتصادي الذي يعتبر هو الأساس في تحررها الاجتماعي، وتخلصها من تبعية الرجل، وتصحيح العلاقات الزوجية التي ينبغى لها أن تقوم على أساس مكين من التكافؤ، ومن الاحترام المتبادل والمحبة والعواطف الإنسانية الخالية من الزيف والمصلحة، وعندما يسود هذا النوع من العلاقات بين المرأة والرجل عند ذلك تصبح العائلة بأسعد حال ، وتربي أبنائها خير تربية، وتغدو العائلة تغمرها المحبة والحنان والتعاطف، وتتعز العلاقات الأسرية بشكل لا ينفصم عراها.
لقد حققت المرأة خلال نضالها طفرات كبرى في الطريق نحو تحررها في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لكن الردة السوداء التي حلت على اثر انقلاب 8 شباط 1963 وتولي القوى الرجعية زمام السلطة في عهد البعث الأول وعهد الشقيقين العارفيين، ثم بلغت أوجها في عهد صدام المقبور من خلال حملته الإيمانية المزيفة، كانت تمثل مرحلة النكوص والتراجع بالنسبة لحقوق وحرية المرأة، وجاءت حروب صدام الكارثية والحصار الأمريكي الغاشم على الشعب العراقي، وانهيار البنية الاجتماعية للمجتمع العراقي، والتدهور الشديد للأوضاع المعيشية للشعب، وانهيار العملة وتضاؤل قيمتها الشرائية، لتوصل الشعب العراقي حالة من الفقر المدقع، والجوع والحرمان والإذلال الذي دام 13 عاماً كانت بحق اشد الحروب قسوة ووحشية، أوصلت المجتمع العراقي إلى حالة من اليأس، وتحملت المرأة العراقية العبء الأكبر في تأمين واستمرارية حياة العائلة، ولم يكن أمام العراقيين سوى التوجه إلى الله لينقذهم من المأساة التي حلت بالبلاد وبالعباد.
وذهب نظام صدام غير مأسوف عليه، لكن وعود الرئيس الأمريكي بوش بتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ما لبثت أن تبخرت، وحلت بالبلاد كارثة أبشع، وظلم للمرأة اشد وأقسى، بعد أن تسلمت قوى الإسلام السياسي الطائفي بشقيه الشيعي والسني الحكم في البلاد.
وكونت ميليشياتها المتوحشة لتعيث في البلاد فساداً وقتلاً وذبحاً للنساء بحجة مخالفة الشريعة!!، وفرض الحجاب عليها، ليس فقط المسلمات منهن بل المسيحيات والصابئيات والأيزيديات، فقد فرضت المليشيات إرادتها على المجتمع العراقي وكأنها مفوضة من الله، تفعل ما تشاء دون أن يوقفها أحد ، وهكذا عادت قضية حقوق المرأة وحرياتها إلى الصفر من جديد، وبات عليها وعلى كل عراقي مؤمن بحقوق المرأة وحريتها، وعلى وجه الخصوص المثقفين منهم النضال بلا هوادة من أجل التصدي لقوى الظلام والرجعية السوداء، وللوقوف بجانب المرأة والأخذ بيدها، واستعادة حريتها وحقوقها المغتصبة.
تحية نابعة من القلب للمرأة في عيدها الميمون والنصر لنضالها العادل والدؤوب من أجل التحرر والإنعتاق، ومن أجل المساواة والعدالة الاجتماعية .