Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

بين الفتحة والكسرة فضيحة

 

في أحد الأيام كان هنالك رجل دين بسيط غير معروف إعتاد أن يُلقي محاضرة إرشادية من على منبر مسجدٍ وسط أحد الأحياء السكنية الفقيرة بعد أداء صلاة الجماعة.

صادف في ذلك اليوم وجود رجل دين كبير معروف ذو هيبة ماراً بالمدينة فسمع الآذان فتوجه لمسجد الحي الفقير للصلاة ولدى دخوله وقف له الجميع ليتخذ مكانه في الصف الأول شاقاً الصفوف حيث إمام المسجد وخطيبه كان قد بدأ بمقدمات الصلاة بمحراب المسجد.

إنتهت الصلاة فتوجه رجل الدين الصغير ليؤدي تحية السلام لرجل الدين ذو الهيبة الذي بقى جالساً ومن ثم تلقاء المنبر جنب محراب الصلاة لألقاء المحاضرة كما جرت العادة، فتحرك رجل الدين ذو الهيبة إلى جنب المنبر الأيمن ليتخذ مكانه جالساً. 

جرت العادة أن يُفتتح المجلس بآيةٍ من القران الكريم أما تبركاً بها أو لأنها مورد بحيث سيأتي شرحه وتفصيله بصورة مبسطة للعامة من الحاضرين، فتلى يومها الآية الثانية من سورة فاطر: (مَا يَفتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

فنسي رجل الدين البسيط وربما لتوترٍ من جلوس رجل الدين ذو الهيبة تحت منبره فأخطأ بقرائته بأن قرأ كلمة (يفتحِ) حيث الحاء مكسورة في الآية ولكنه قرأها بالفتحة (يفتحَ) وهذا خطأ ممكن تلافيه عند الخوض في الموضوع ولربما سقطت سهواً من عنده، وحتى عامة الناس من الجالسين لا يعرفون ما الفرق بين الفتحة والكسرة ولا يعرفون معناها ومغزاها كما لا يعرفون اللغة الفصحى أصلاً فهم ينتظرون المحاضرة التي يلقيها الرجل بصورة مبسطة وبلهجتهم وبطريقة يفهمونها.

على الفور دوى صوت عالي من أسفل يمين المنبر أربك الحاضرين مرة وأربك راقي المنبر مئة مرة...!

كان ذاك صوت رجل الدين ذو الهيبة صارخاً فاغراً فاه بأعلى ما عنده من صوتٍ وهبه الله، ليسمع القاصي والداني مقاطعاً صاحب المنبر دون إستئذان أمام الناس قائلاً بالفصحى: (الله يكسر وأنت تفتح)...! -أي أن الكلمة في الاية بالكسرة فكيف تقرأها بالفتحة-.فما كان من رجل المنبر البسيط وسط الإحراج أمام الناس والإنكسار إلا أن يجيبه بنفس الوزن وبالفصحى أيضاً ولكن بهمس: (والله يستر وأنت تفضح)...!

كان جواب رجل المنبر البسيط الغير معروف أكثر حكمة وصواب مئة مرة من رياء وشكليات وإحراجات وسوء تصرف رجل الدين ذو الهيبة المعروف.

هذه الهيبة التي أصبح الكثيرون يعدونها للأسف من لوازم الدين ورجاله، حيث المظاهر والهيبة والمجلس المتميز والأحترام الواجب تقديمه يجب أن تأخذ مكانها بعناية عند تواجد رجل الدين وليس لفكرٍ وعبقرية ونباهة وإصلاح تميز به رجل الدين هذا، بل لأنه على الأغلب يرتدي زياً دينياً ويعرفه الناس أنه رجل دين من لباسه أو لكثر أتباعه.

متى تكون النصيحة فعلاً نصيحة وليست فضيحة...!

ومتى يكون البحث عن أثر الأصلاح بالنصيحة بدلاً من البحث عن فضيحة...!
من أساسيات النصيحة وهذا إسمها إجتماعياً وفقهياً تسمى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) عدم الأحراج والحط من شأن الشخص المنصوح وتوخي الحذر بأن لا تكون النصيحة إهانة أو تعتبر إساءة على المستوى الشخصي والأجتماعي، ومن أساسياتها أيضاً إحراز أن يقبل المقابل النصيحة وأن تكون ذات ضرورة منطقية أو ستدفع ضرراً قد يقع لو لم يقدم النصيحة، وكذلك وهو المهم أن تفكر جيداً بحكمة نصيحتك ومدى أثرها وتأثيرها وهل هي فعلاً نصيحة أم كلام فارغ لا محل له من الأخلاق...!
يجب أن لا تكون النصيحة تدخلاً فيما لا يعنيك وما لا تعرفه وأن لا تكون فضول وحشر الأنف في أمور خاصة وحتى عامة هي ليست من شأنك. 

كتبت مقالة قبل عدة أشهر بعنوان (حرية الرأي والحياة الشخصية والحشريون) تناولت فيها من يبحث عن التسقيط والتشهير بخصوصيات الناس أو حياتهم الشخصية وعيوبهم للتسقيط الأجتماعي لمجرد خلاف في الرأي.

ينبغي أن تكون النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سترٌ لا فضيحة، وأن تكون توجيه لا جبر وغصب وعصبية وتجاوز على الاخرين.

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
التحالف الكوردستاني...أخطاء تتكرر جاسم الحلفي/ ليس من المستغرب أن تطالب الكتل التي استحوذت على أصوات الناخبين الذين لم يصوتوا لها وفق القانون المنقوض بإعادة إنتاجه مرة أخرى، أصبحت وسيلة خصوم المالكي لإضعافه هادي جلو مرعي/ رئيس مركز القرار السياسي للدراسات مشكلة الأمن في العراق لن تحل لأنها أصبحت وسيلة خصوم المالكي لإضعافه تصدير التقسيم.. ولو بعد حين! عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث (...إذا لم يسفر الاحتلال الأميركي للعراق عن تقسيم هذا البلد فإنه يمكن اعتبار الحرب الأميركية ضده فاشلة من اساسها ولم تحقق أهدافها...) من الهول إلى الجذعة .. حكاية أطفال ونساء سقطوا في حبائل داعش من الهول إلى الجذعة .. حكاية أطفال ونساء سقطوا في حبائل داعش حلقت الطائرة العسكرية من قاعدة الشهيد محمد علاء الجوية قرب مطار بغداد الدولي، تحث السير باتجاه قاعدة القيارة جنوب الموصل، صخبها العالي يشوش الحواس، لكنه لم يمنعنا من التفكير بالزيارة المزمعة الى مركز الجذعة، حيث يقيم النازحون القادمون من مخيم الهول السوري
Side Adv2 Side Adv1