"بين حانه و مانه"
تأتي محاولات القوى المتنفذة الرامية الى إيهام الرأي العام العراقي، عبر اختصار المشاكل التي تواجه الشعب، والتحديات التي تعترض استقرار العراق، بقضية الأحقية في تسنم منصب رئيس الوزراء.. تأتي هذه المحاولات في نفس السياق الذي تم فيه تحويل هدف الانتخابات الأخيرة، من نشر الوعي عبر اختيار أفضليات البرامج الواقعية التي تستجيب الى ما يصبو إليه المواطن من أمن واستقرار وخدمات واحتياجات حياتية ومستلزمات معيشية، الى صراع على كرسي رئيس الوزراء.وهكذا يدور الصراع اليوم على السلطة والنفوذ، في وقت تزداد فيه معاناة المواطنين من اشتداد الأزمة ومخاطرها التي تنذر بما هو أسوأ، دون ان يشعر المتنفذون بواجبهم تجاه ناخبيهم الذين صوتوا من اجل رؤية حلول سريعة لمعاناتهم. بينما تعبث القوى الإرهابية في الأمن، وهي تنفذ عمليات نوعية وصلت الى المعامل وعمالها، وهذا اخطر ما وصلت إليه لغاية هذه اللحظة، ولا تعرف الحكومة الأهداف الجديدة التي تنوي قوى الإرهاب تنفيذها. هذا فضلاً عن الفسح في المجال للقوى الدولية والإقليمية للتدخل في شؤون البلد الداخلية والعبث بمصالحه، دون رادع او مراعاة لاية اعتبارات.
ان المحاولات التي تهدف الى صرف اهتمام المواطنين عن أسباب الأزمة الحقيقية، واختزالها الى صراع على منصب رئيس الوزراء، رغم أهمية هذا الموقع، هي محاولة لتغييب إرادة الناس ومشاركتهم في التأثير على مجريات الأمور، التي لا يمكن رؤية أفق لها، دون تأمين مشاركة فعالة من المواطنين أنفسهم في الشؤون العامة. فيما يشكل الالتفاف على قوت الشعب وتقليص مفردات البطاقة التموينية التي ما زال المواطن يشكو من عدم وصولها إليه، ورداءة موادها، إضافة الى نقص الخدمات وتلوث مياه الشرب، وزيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي عن البيوت في ظل حر لاهب لا يطاق. ان تلك المحاولات لن تمر بسهولة، كما الوعود التي مرت سابقا، حيث ايهام المواطن بانه سيحصل على مردود ملموس، مباشرة حال انتهاء الانتخابات.
الغريب في الأمر هو السرعة الفائقة التي ينتج فيها السياسيون أسباباً جديدة لزيادة الوضع تأزماً، تصاحب ذلك قدرة كبيرة على إيجاد مبررات تخفي أدوارهم في تفعيل عوامل الأزمة، وعجزهم عن إيجاد حلول لها. وها هم قد وجدوا أخيرا سببا آخر لإشغال المواطنين وإلهائهم، وذلك في الحديث عن اللقاء المرتقب بين السيدين المالكي وعلاوي، وتصوير هذا اللقاء وكأنه طوق النجاة الوحيد، المرتقب، الذي سينقذنا من الوضع الذي أوصلونا إليه.
ان حرف أنظار المواطنين وإلهاءهم بأمور ثانوية وعدم طرح الأسباب الحقيقية للازمة بوضوح وتسمية مسببيها، والتهرب من تحمل المسؤولية عن استعصاء الحالة التي يمر بها بلدنا، هو أسلوب لن يكتب له النجاح. فالشعب الذي أريد له ان يضيع بين "حانه ومانه" سرعان ما سيتعرف على مسببي معاناته وستكون له معهم وقفه جدية.