تحـوّل سـياسي لبيان الأسـاقفة الكلدان
المفـروض بقـرارات أي كنيسـة ، أن تكون ممثلـة لرغبة رعاياها إذا تجاوزت الأمور الدينية ، وهـذا بالتأكيد يشـمل كنيسـتنا الكلدانية ، التي اتخذت قرارا سـياسيا يتجاوز مهماتها الدينية ـ بحسب البيان الصادر في 5 / 5 / 2009 عن اجتماع أساقـفتها في عنكاوا ، بمطالبتها إدراج القومية الكلدانية في دستور إقليم كردستان ، مستندة في ذلـك على مـا هـو مدون في الدستور العراقي الإتحادي المادة 125 ، علمـا أنه ليس خافيا على المتابعين بـأن محتوى هـذه المادة دخـل الدستور بتأثيـر كبار رجال الدين في الكنيسة الكلدانية على المسؤولين في الدولة الذيـن حـالوا دون تضمين الدستور العراقي اسـما موحـدا لشـعبنا ( الكلداني السـرياني الآشـوري ) .نحـن لسـنا مـن حيث المبـدأ ضـد القوميـة الكلدانية والمطالبة بادراجهـا في أي مجـال ، إذا قـامت بذلـك الأحـزاب السياسية التي تتخـذ الكلدانية قومية ضمـن مبادئها الأساسية ، فهـذا مـن حقها ، كما هـو حـق أي فـرد مـن شـعبنا في تبني الإسم القومي الموحد ( كلداني سـرياني آشـوري ) قومية لـه أو الكلدانية أو الآشورية أو السريانية أو العربية أو الكردية أو التركمانية . . ألـخ ، ولكنـنا نـرى أن ولوج الكنيسـة في هـذا المجـال الشـائك غيـر الديني سـيثير البلبلـة ويضـر بالإلتـفاف حـولها كخيمة دينيـة ، خصوصا أن مسـألة المعتـقد القومي لايـزال غيـر مستـقر داخل شـعبنا ، فـأنا ـ مثلا ـ أعـرف أشـخاصا في قريتي تللسـقف تحولوا بيـن ثلاث تسـميات قومية خلال السنوات الخمس الأخيـرة ، وهـذا بالتأكيد لايقتصر على تللسـقف وإنـما بحسـب معلوماتي يشـمل بلدات وقـرى أخـرى .
والحقيقـة ، أن تصرفات دعـاة القومية الكلدانية السـائر على نهج أهـل الخارج ، ومنهم رجال الدين ، الذين قـال عنهم أحد الكتاب في موقع عنكاوا أخيـرا " . . . ومـع ذلك ماذا كانت جدوى تدخل هولاء المطارنه ( يقصـد مطارنة أميركا ) وغيرهم من رجال الدين بالشان السياسي بعد سقوط الدكتاتور في 2003 ماذا حققوا لشعبنا في تدخلهم هذا .؟؟ سوى زيادة بؤرة الانشقاق والخلاف والتباعد بين ابناء شعبنا ليس الا .. لانهم بعيدين عن واقع شعبنا ومعاناته وهم يعيشون في امريكا في بحبوحة من حياة مترفة وسعادة ومال وووو.... فلماذا لا تدينوا هذا التدخل ؟؟ اليس المطلوب من رجال الدين بشكل عام الابتعاد عن السياسة وماربها الدنيئة ، لكي يحافظوا على تقديرهم ومكانتهم واحترامهم وقدسية كهنوتهم ..؟؟ ..؟ اليست السياسة كما تقولون خط احمر لا يحق لرجال الدين تجاوزه .. ام ان مطارنة امريكا مباح لهم ان يصولوا ويجولوا في مقدرات شعبنا ومستقبله .. "
هؤلاء الدعـاة اتجهوا نحو اختراعات لاوجود لها في التأريخ منـها : العلم الكلداني والشـعار الكلداني واللغة الكلدانية والتقـويم الكلداني ويوم الشـهيد الكلداني . . وفي ظاهرة تتواصل فيها نتاجات الإختراعات الآتية من الخارج وخصوصا أميركا في مزايدة مع ماهـو متداول حاليا مـن هـذه الأمور . . واللافت أن غالبية دعـاة القومية الكلدانية يجاوبون بصورة مبهمة حيـن سـؤالهم ، فمثلا حينما كنت في تللسـقف أخـذ أحـد دعاة هـذه لقومية يشـدد على التـزامه بهـا لأنـها الأصل ، فسـألته : وكيف عـرفت أن القومية الكلدانية هي الأصل ، فأجاب : منـذ كنت صغيرا كنت أسمع مـن والدي أنـنا كلدان ، فقلت لـه : وأنـا كذلك كنت أسمع مـن والدي أنـنا كلدان . . لأن والدك ووالدي كانا يقصدان المذهب المسيحي الكلداني الكاثوليكي حيث أنـهما لـم يكـن قـد تطرق إلى سـمعهما أن الكلدانية تعني شـيئا غير المذهب الديني لكل أهـل تللسـقف . . ومـا كنّـا نسـمعه مـن آبائنا يؤكد أن الكلدانية مذهب ديني لاغيـر . .
وكثيرا مـا نقرأ في بيانات دعاة القومية الكلدانية أنهم يؤمنون بأن الكلدان والسريان والآشوريين شعب واحد وأنهم يعملون من اجل تقوية الاواصر بينهم وتمتـينها وتوحيد الصفوف والعمل من اجل تحقيق مصالح شعبنا العليا عامة ". . ويقرون تسمية ( الكلداني السرياني الآشوري ) كتسمية سياسية توافقية مرحلية و ليست تسمية قومية لضمان دعم الحقوق القومية لشعبنا . . ويؤكدون في الوقت نفسه على تثبيت الهوية القومية للكلدان في مشروع دستور إقليم كوردستان اسوة بدستور العراق الدائم . . والسؤال : أي شعب في الدنيا يتكون من قوميات منفصلة في القوانين ؟ وكيف يعملون على تقوية الأواصر وهم يشتـتون كل شئ وحدوي بما في ذلك الرموز التأريخية ؟ وكيف وأين يقرون تسمية كلداني سرياني آشوري مرحلية وهم في المرحلة الحالية يتجاوزون هذه التسمية ويصرون على تثبيت اسم مذهبهم الديني الذي يعتبرونه قومية ؟
وأيضا ، نحـن لايهمنـا مـاجـرى بين الأسـاقفة مـن نقاشـات وتحفظات بخصوص موضوع القومية الكلدانية ، لأن الذي نتـناوله هـو البيـان الصادر عـن اجتماع الأساقفة ، إذ مـن المعلوم أن موضوع قومية شعبنا هـو قضية سياسية حاليا ، ولهذا فهو موضع خلاف بين أتباع المذهب الكلداني ، فهـل استطلع اسـاقـفتنا مواقف أتباع أبرشياتهم مـن هـذا الموضوع الحسـاس قبل اتخاذ قرارهـم ؟ أم أنـهم اكتفوا بتأثير عـدد محدود مـن الأساقفة القادمين مـن أميركا واستراليا ومـن يسـير على منوالهـم . . لكن الذي يقتضي ذكره أن كنائسنا المسيحية عموما في العراق ، ومنها كنيستنا الكلدانية ، تسلك منذ نحو نصف قرن نهجا لنيل رضا الحكام مهما أضـرّ ذلك بأتباعها ، وخصوصا في زمن الطاغية صدام حسين حيث كانت تسكت عن جرائمه تجاه أتباعها لقاء ما يمنحها من أموال ، وهي ، الكنائس نفسها ، متهمة بالمساهمة في الهجرة الكبيرة لأتباعها إلى الخارج .
ومـن المعلوم ، أن هؤلاء الأساقفة الذين يروجون منـذ مدة للقومية الكلدانية ، عـرفوا بتدخلاتهم في شؤون ( الكلدان السريان الآشوريين ) داخل العراق ، على رغم أن غالبيتهم تنتمي إلى بلدة لـم يعـد لسـكانها الأصليين وجود في العراق ، وهـم قطعوا صلتهم بالعراق باستثناء تدخلات باعثة على التشتت والفرقة ، ليس بين مسيحيي الداخل جميعا وإنما بيـن أتباع مذهبهم بالذات ، ما يجعل تدخلاتهم أمرا غير مقبول البتـة ، إذ أن الأهمية السابقة للبلدة كانت وفرت للعديد مـن أبنائها الذين انخرطوا سابقا في سلك الكهنوت مكانة رفيعة في مجال المناصب الدينية . . وزادوا مـن تأثيرهم بعـد مغادرة العديد منهم إلى الخارج أسوة بسكان بلدتهم ، وذلـك نتيجة ماتوفر لهم مـن علاقات وأموال . .
ويؤلمنا مـاكنّـا نسمعه بأن أهل البلدة المعنية كانوا قبل مغادرتهم يبيعون أملاكهم في بلدتهم لغيـر المسيحيين لأسباب قيل أنها الحقد والجشع في الحصول على المبلغ الأكبر ، وذلك على رغم وجود عشرات الآلاف مـن أبناء شعبنا مشردين أثناء البيع نتيجة هدم نظام البعث المقيت لـ 183 قرية لشـعبنا ، وكان كثير من هؤلاء المشردين يتوقون للسكنى في هذه البلدة ، ولكن عـدم قدرتهم على منافسة غير المسيحيين في الشراء حال دون رغبتهم ، وكانت المعلومات تشير إلى أن هؤلاء رجال الدين أنفسهم الذين غادروا العراق ، يساهمون في توفير مجالات الهجرة لأهل بلدتهم ، ولكنهم لم يطلبوا من أهل بلدتهم مقابل مساعدتهم أن يبيعوا أملاكهم للمشردين المسيحيين ، كما أنهم لم يساهموا ماديا في مساعدة المشردين على شرائها أسوة بدعمهم المادي للأحزاب المسيحية الإنعزالية لتشجيعها على التشـدد .
يبـدو أن بيان الأساقفة لـم يأخذ درسا من نهج ( المرجعية السياسية ) الذي سلكه قسم مـن رجال الدين غير المسيحيين والذي تصاعدت المعارضة عليه ، وفي هذا المجال يهمنا أيضا طلب حكومة اقليم كردستان من وسائل الإعلام عدم نشر خطب المساجد ، وما أشار إليه الرئيس مسعود البارزاني خلال اعلانه عن موعد الانتخابات في اقليم كردستان في جلسة مجلس النواب الكردستاني ، بعـدم استغلال المساجد ودور العبادة كدعاية للأحزاب المشاركة في الإنتخابات ، ما يعني بقـاء رجال الدين ضمن إطار مهماتهم الدينية وعدم الإنجرار إلى الصراعات السياسية .
ولو أخذنا واقع البلدات والقرى التي تتبع المذهب الكلداني الكاثوليكي ، سواء في سهل نينوى أو مناطق اقليم كردستان ، لرأينا أن الأحزاب التي تطالب بالقومية الكلدانية تشكل أقلية سياسية فيها ، في حين أن الأحزاب الداعمة لوحدة شعبنا واسمه الموحد ( كلداني سرياني آشوري ) تمثل الغالبية ، وأن نتائج الإنتخابات البلدية في محافظتي نينوى وبغداد دليل على ذلك . . إذن ، هل من الصواب أن يتضمن بيان الأساقفة الكلدان قرارا غير ديني لاتقبله الغالبية من أتباع مذهبـهم ؟ . . إننا ، باعتبارنا أتباع المذهب الكلداني ، نمقت انعزالية أي طرف مسيحي على أشقائه ، وندعم الإسم الموحد لشعبنا ، لأننا ندرك أن التسمية الكلدانية برزت كاسم لمذهب مسيحي منذ نحو 500 سـنة ولاعلاقة لها بالشؤون القومية .
وإزاء هـذا يهمنا انصراف كافة رجال الدين لمذهبنا إلى واجباتهم الدينية التي توحد الشمل نحو الفضيلة والصلاح وأن تكون قراراتهم ولقاءاتهم مع المسؤولين الحكوميين منحصرة أحاديثها ضمن شؤون المسيحيين العراقيين الدينية التي هي موضع اجماع كل المذاهب المسيحية . . وإزاء هـذا إنني كأحد أتباع المذهب الكلداني الكاثوليكي ، ومع اعتزازي بتبعيتي الدينية لـه ، فإنني أرفض ما جاء في بيان الأساقفة من تدخل سياسي ، لأنني أريد من قيادة كنيستنا أن تكون موضع وفاق وانسجام بين كل المسيحيين داخل العراق ، وأؤكد التزامي الدائم بكل مايصدر عن القيادة الكنسية الكلدانية من قرارات دينية ، ولكن في الوقت نفسه سأعارض أي قرار غير ديني لايحظى باجماع أتباع المذهب الكلداني ، لأن فهمي لديني ومذهبي يحتم علي الأخذ فقط من رجل الدين مايتعلق بالدين ، وفي غير ذلك لا التـزام تجاهه دينيـا .