تذكار مار أدي الرسول
القراءات الطقسية:القراءة الأولى: أعمال الرسل 9 / 1 _ 19 أما شاول فما زال صدره ينفث . . .
القراءة الثانية: العبرانيين 10 / 19 _ 36 ولما كنا واثقين أيها الأخوة بأن . . .
القراءة الثالثة: يوحنا 21 / 1 _ 14 وتراءى يسوع بعدئذ للتلاميذ مرة أخرى . .
مار أدي الرسول: أصله من دفنيس[1] وهو أحد الاثنين والسبعين تلميذاً، وكان يرافق توما الرسول.
كان ملك أورهاي ( الرها ) أبجر[2] الخامس أوكاما ( الأسود ) مصاباً بداء الملوك " النقرس "، ويعاني آلاماً شديدة. ولما بلغه خبر العجائب التي كان يجريها يسوع، أرسل إليه وفداً وحمله رسالة يلتمس فيها أن يأتي ويشفيه. وقد تلقى يسوع رسالة الملك أبجر بفرح عظيم. وحمل الوفد رسالة جوابية للملك أبجر.
ويحدثنا تقليد كنيسة الرها عن هذه الرسائل، فبعد أن أرسل أبجر موفداً من قبله إلى أورشليم بشخص حنان أمين المحفوظات الرسمية في ديوانه، حاملاً رسالة ليسوع. نجد هذا الموفد بعد أن يقابل يسوع يحصل منه على رسالة جوابية إلى أبجر، وقد ذاعت شهرة هذه الرسالة، وأثبت منها أوسابيوس القيصري (263_339) م في تاريخه الكنسي مقتطفات واسعة، أخذها عن الأصل الآرامي المحفوظ في خزانة وثائق مملكة الرها، وسنوجز نص هاتين الرسالتين.
رسالة الملك أبجر أوكاما: " من أبجر أوكاما الملك إلى يسوع المخلص الصالح الذي ظهر في مقاطعة أورشليم سلام: لقد تناهى إلى سمعي ما يقال عنك وعن شفاءاتك وكيف تنجزها بدون عقاقير وأعشاب _ _ _ _ _ تجعل العميان يسترجعون أبصارهم، والعرج يمشون، وتطهر البرص، وتطرد الأرواح النجسة والشياطين، وتشفي الذين يتعذبون بمرض طويل، وتقيم الأموات. وعندما سمعت عنك هذه الأشياء كلها _ _ _ _ _ لهذا السبب اكتب متوسلاً إليك أن تسرع بالمجيء إلي، وتشفي العذاب الذي أنا فيه، وعلاوة على هذا فقد بلغني أن اليهود يضطهدونك ويطلبون هلاكك. ولي مدينة واحدة صغيرة حسنة جداً، لكنها تكفينا لنسكنها بهدوء وسلامة معاً ".
رسالة يسوع المخلص: " طوبى لك يا أبجر لأنك آمنت ولم تراني _ _ _ _ _ أما بخصوص ما كتبته إلي بأن آتي إليك فانه علي أن أكمل كل ما أرسلتُ لإنجازه، وبعد ذلك سأصعد إلى ذاك الذي أرسلني. وبعد صعودي سأرسل إليك أحد تلاميذي ليشفي عذابك، ويعطي الحياة لك وللذين معك ".[3]
ويتحدث تقليد الرها أن جواب يسوع للملك أبجر كتب بخط الرسول توما في قرطاس مصري، وكان محفوظاً في الخزانة الملكية، ويخرج منه في الأعياد ليتبارك منه المؤمنين.[4]
ويتحدث التقليد أيضاً أن يسوع أرسل مع الجواب صورته على منديل " ولعلمي بشدة اشتياقك إلي قد وجهت إليك بمنديل فيه صورة وجهي لتشاهده، فلما وصل الكتاب إلى أبجر فرح به، وجعل المنديل على وجهه، فارتاح قلبه وقال: أنا أشهد أن هذا أبن الله الحي الحليم. ووجد أبجر راحة عظيمة من كثير مما كان يتشكاه ".[5]
وقد احتفظت كنيسة الرها بصورة يسوع الغير مصنوعة باليد، ويتحدث تقليد الرها أن موفد الملك أبجر حنان كان رساماً ماهراً، فقام برسم صورة يسوع على منديل بألوان جميلة من نخبة الأصباغ العالية الجودة، " وعمد حنان إلى لوح مربع، وصور فيه صورة سيدنا المسيح بأصباغ حسنة أنيقة، وجعل ينظر إليه ويصور صورته في ذلك اللوح، وأتى به معه للرها إلى أبجر فقبله وجعله في خزانته، وهو هناك إلى هذه الغاية ".[6]
وتتحدث الروايات المتأخرة أن يسوع ترك تقاطيع وجهه بنفسه على المنديل وقد اعتبر هذا العمل سماوياً، لذلك دعيت ( الصورة الغير مصنوعة باليد )، وبعد عودة الوفد إلى الرها قدم المنديل إلى الملك أبجر، وعندما رآه تقبله بفرح عظيم ووضعه بتبجيل عظيم في إحدى غرف قصره، بعد أن كتب عليه العبارة التالية: " أيها المسيح الإله، لن يهلك كل من يثق بك ".
أما تعليم أدي فيقول أن يسوع مسح وجهه بمنديل، فانطبعت عليه صورته. " وحنان المصور الذي أرسله أبجر رسولاً إلى سيدنا، اجتهد في أن يأخذ صورة للمسيح ولم يتمكن، وأن سيدنا أخذ المنديل الذي كان مع حنان، فمسح به وجهه، فحصلت فيه صورته وأنفذه إلى أبجر ".[7]
كما تتحدث قصة القديسة وارينا _ فيرونيكا[8] التي مسحت وجه يسوع بمنديل وهو حاملاً صليبه على طريق الآلام، فانطبع وجهه على المنديل.
وبعد صعود الرب دفعت نعمة الله الرسول توما لكي يرسل إلى مدينة الرها واحداً من الاثنين والسبعين تلميذاً اسمه أدي. ولما وصل هناك حل في بيت رجل يدعى طوبانا " سعيد " وشرع يصنع العجائب. وسرعان ما انتشر خبره في المدينة كلها.
ولما بلغ الخبر الملك أبجر استدعى طوبانا وقال له: " بلغني أن في بيتك رجلاً قديراً فأتني به ". وفي الحال ذهب الرجل وأتى بأدي، فمثل أمام الملك أبجر الذي كان يحيط به جمع غفير. ولدى دخول أدي شاهد الملك منظراً عجيباً على وجهه، فسجد أمام أدي. فأعترى العظماء الحاضرين في البلاط الدهش الشديد، من أن رجلاً لابساً ثياباً رثة أثر في الملك هذا التأثير كله، ولم يعلموا أن يسوع أظهر مجده في الرجل الذي أقبل عليه. فقال أدي للملك: " لماذا استدعيتني؟ ".
فقال له الملك: " بلغني أنك تقوم بأمور عجيبة، وتجري قوات خارقة. وعرفت أنك تلميذ يسوع الذي كتب إليَّ في رسالته: إني بعد قيامتي سأرسل إليك واحداً من تلاميذي. فقد أتيت إليَّ الآن لكي تشفيني ".
فقال له أدي: " إن تؤمن تنل مرامك. إذ أن كل شيء مستطاع لمن يؤمن ".
فقال له الملك: " إني آمنت به إلى حد إني لولا خوفي من مملكة الرومان، لأرسلت جيشاً لأبيذ اليهود الذين صلبوه ". فوضع أدي يده عليه وتعافى بقوة يسوع من جميع أمراضه. وتعجب أبجر وأنذهل أمام تلك الآية البينة التي جرت له بشفائه من داء الملوك. وشفى أدي أيضاً أحد عبيد الملك، وآخرين عديدين من سكان المدينة.
ولما عاين الملك وعظماؤه الآيات التي صنعها أدي، شرعوا يقولون له: " إننا نلتمس منك أن تشرح لنا من هو يسوع، وماذا علّم، وماذا صنع؟ ".
فقال أدي للملك: " إن الوقت الآن متأخر، وإذا شئت أن أشرح لك ذلك، فأدعُ عساكرك، وأنا في الغد آتي واشرح لك قصة يسوع ".
وقبل الملك كلامه بفرح، واستدعى جميع أعيانه. وفي صباح الغد جاء أدي وشرع يحدثهم عن العناية الإلهية، وكيف أبدع الله الكون وخلق البشر، وكلّمهم عن الوعود التي أبرمها للأولين، وعن مجيء المسيح والعجائب التي صنعها، وعن قيامته وصعوده إلى السماء، وعن الموهبة التي منحها للأنبياء والرسل لكي يبشروا الأمم. وكان الملك يستحسن كلام أدي، والروح القدس يؤيد تلك الأقوال بالعجائب.
وأمر الملك بأن يُعطى أدي فضة وذهباً. فقال له أدي: " كيف نستطيع أن نأخذ ما ليس لنا؟ فإننا قد تركنا ما كان لنا، إذا أوصانا الرب أن نكون بغير أكياس ولا حقائب، وأن نحمل الصليب على أكتافنا ونعلن بشارته في المسكونة كلها ".
وانضمت المدينة كلها وجميع البلدان المحيطة بها إلى الإيمان المسيحي، حتى أن منطقة ما بين النهرين برمتها كادت تنظم إلى الإيمان الصحيح، بسبب العجائب التي كانت تجري على يد مار أدي. وكان الذين آمنوا يتنافسون في الفضيلة والأعمال الصالحة.
وشيد أدي كنيسة في الرها، وزودها بكل المستلزمات، ورسم كهنة وشمامسة في المدينة وما يجاورها. بعد ذلك غادر أدي هذا العالم بسلام، في يوم الخميس الموافق الرابع عشر من أيار ( ؟ )، مختتماً جهاده المجيد بالنصر والغلبة. ودفن في قبر كبير في الكنيسة ذاتها، وكان المؤمنون يتوافدون لزيارة ضريحه ويحتفلون بتذكاره كل سنة.[9]
" وانتشرت النصرانية فيها وفي أطرافها انتشاراً سريعاً عجيباً، حتى سميت الرها المقدسة، والرها المباركة، ومدينة أبجر محب المسيح ".[10] وفيها ابتنى أدي أول كنيسة مسيحية باسم ( المخلص )، وقد توفي فيها سنة 49م ودفن في ( الكنيسة التي شيدها ).[11] وهناك من يقول إنه دفن في ( مقبرة ملوك الرها ).[12]
ويقول المطران أدي شير في كتابه سيرة أشهر شهداء المشرق: " في هذه السنين الأخيرة، وجد تحت ردم كنيسة مار كيوركيس في خارج بلدة كرمليس صندوق فيه ذخائر مار أدي الرسول. فنقلت ووضعت في الكنيسة التي في وسط البلدة، وبني لها هيكل فاخر على اسم هذا القديس ".[13]
وقبل أن يغادر أدي هذا العالم دعا أجي أمام جماعة الكنيسة كلها وأقامه خلفاً له في تدبير الكنيسة. وكان أجي قبل انضمامه إلى أدي يصنع ثياباً حريرية وخوذاً للملك، فتخلى عن مهنته هذه، وصار مدبراً ورئيساً لكنيسة الرها خلفاً لمعلمه أدي.[14]
وقد تواجدت المسيحية في الرها في أواخر القرن الأول الميلادي، وأخذ عدد المسيحيين بالازدياد والنمو فيها. ومع تنصر الملك أبجر التاسع ( 179_ 214 ) م، اهتدى شعب مملكة أورهاي كله إلى الإيمان المسيحي، وأضحت المملكة الأولى التي اعتنقت المسيحية كدين رسمي في العالم، وهذا مدعاة افتخارها.
وتحتفل كنيسة المشرق بتذكار مار أدي الرسول في الأحد الخامس من سابوع القيامة.
--------------------------------------------------------------------------------
1_ دفنيس: أو دفه أو بيت الماء. مكان بالقرب من أنطاكية يعرف اليوم بـ " حربية ". غني بالينابيع. أصبح في عهد السلوقيين مركز راحة ولهو وتهتك. شيد عليه هيكل لإبولون أقيمت له أعياد سنوية حافلة. المنجد في الأعلام ص 286.
2_ أبجر: اسم عدد كبير من ملوك الرها. ويقال أن كلمة أبجر تعني بالآرامية " أعرج ". والكاتب الروماني تاسيتوس يكتبه " أكبر ". بينما يكتبه كلوتارخ " أجبر و أبجر ". وقد وجد اسم أبجر في الكتابات المنقوشة التدمرية. وكذلك فأننا نعثر على شكل أبجر في الكتابة الآرامية المنقوشة في نيراب التي ربما نقشت في القرن 7 ق . م. الرها المدينة المباركة ج . ب سيغال ترجمة يوسف جبرا ص 22.
3_ تاريخ الكنيسة أوسابيوس القيصري ترجمة القس مرقس داود الكتاب الأول ص 59_ 60.
4_ أخبار بطاركة كرسي المشرق ماري بن سليمان ص 2.
5_ مختصر الأخبار البيعية حققه ونشره الأب بطرس حداد ص 29.
6_ مختصر الأخبار البيعية حققه ونشره الأب بطرس حداد ص 29.
7_ أخبار بطاركة كرسي المشرق ماري بن سليمان ص2.
8_ فيرونيكا: امرأة يهودية. يذكر التقليد المسيحي أنها مسحت بمنديلها وجه المسيح وهو سائر إلى الجلجلة. المنجد في الأعلام ص 535.
9_ شهداء المشرق الأب ألبير أبونا ج 1 ص 12 _ 14.
10_ تاريخ الكنيسة السريانية الخور أسقف اسحق أرملة ص43.
11_ ذخيرة الأذهان الأب بطرس نصري ج1 ص 36.
12_ سيرة أشهر شهداء المشرق المطران أدي شير ج1 ص 13.
13_ سيرة أشهر شهداء المشرق المطران أدي شير ج 1 ص 12.
14_ شهداء المشرق الأب ألبير أبونا ج 1 ص 15.