تعقيب حول كلمة المالكي في واشنطن بشأن تحديث نظام التعليم العالي
جاء تأكيد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في كلمته في مؤسسة التطوير التعليمي والاكاديمي في واشنطن خلال حفل توقيع مذكرة التعاون بين العراق والولايات المتحدة على رغبة العراقيين في التعليم وفق السياقات العلمية المتطورة في الجامعات العالمية على الدور المهم الذي تلعبه الدولة العراقية والاهمية البالغة التي تمنحها للتعليم العالي والبحث العلمي وبناء القدرات في هذا المجال.في هذا السياق من المهم الاشارة الى ما ذكره رئيس الوزراء حول تطوير الجامعات العراقية في اطار الجهود التي تبذل لبناء العراق ليكون دولة عصرية قائمة على أساس العلم والتطور وقوله بأن "مهمتنا اليوم هي إصلاحية وتغييرية، وفي هذا الاطارقمنا سياسيا بتغيير النظام السياسي ليكون بإتجاه الديمقراطية والعدالة والمساواة والتعددية والحفاظ على حقوق الانسان ، وهذا هو الوعي الذي تنمو في ظله العلوم". اننا نعلم جيدا ان وزارة التعليم العالي والجامعات العراقية تسعى لتحقيق هذا المبدأ من خلال دمقرطة التعليم والعمل من اجل تحقيق استقلالية الجامعات وضمان الحريات الاكاديمية وأذا كان هذا هو ما يتحدث عنه السيد رئيس الوزراء فأن اصلاح وتغيير التعليم العالي بما يضمن تكافؤ الفرص واستمرار التجديد لابد ان يترسخ ويتجذر ليكسب مناعة تمنعه من الارتداد نحو الخلف ما دامت القطيعة مع النظام الدكتاتوري السابق قد اعلنت نهائيا. واذا كانت المهمة اصلاحية وتغيرية فأنه من المهم ان تكون الافعال سريعة وجريئة وان تؤخذ المبادرات دون تاخير. ومهما يكن مهمأ في سياسة ارسال اعداد كبيرة من الطلبة الى الخارج والتي اعلنت عنها الحكومة العراقية فان غاية الاصلاح لا تقتصر على تأهيل الطلبة العراقيين وتدريبهم وانما يجب ان يمتد ليشمل تأهيل الجامعة لتصبح مؤسسة لانتاج القوى البشرية الملائمة لمجتمع المعرفة يطبعها طابع التنوع والانفتاح وقسط من الاستقلالية واللامركزية تتناسب مع التحولات الجديدة في عالم الاقتصاد والانتاج وان تشمل على الصعيد العملي طرق التدريس وتحسين جودة التعليم العالي.
ان تحقيق الطموحات في هذا المجال يلزمها خارطة طريق وبرنامج عمل وهذا يعني ان تكون ضمن استراتيجية شاملة لتطوير التعليم العالي ولاننا بحاجة ماسة الى اعداد كبيرة من التدريسين والباحثين في الجامعات العراقية فأن ارسال طلبة للدراسة في الخارج يبدو امرا منطقيا الا انه قد يؤدي الى سقوطا سريعا في فخ الاحلام التي تتعدى جدلية الطموح والواقع. اني اعلم جيدا ان وزارة التعليم العالي تدرس الان مشروع استراتيجية شاملة للتعليم العالي والبحث العلمي للسنوات الخمس القادمة وهي استراتيجية فيها كثير من الاصلاح والتطوير وبرغم شموليتها لا تشمل موضوع بعثات التعليم العالي. السؤال الذي يحتاج الى اجابة وافية هو هل يمكن ان تكون سياسة ارسال البعثات منفصلة عن سياسة التعليم العالي؟ اننا مع ارسال اعداد كبيرة للخارج لغرض اكتساب المعرفة العلمية ولكن 10000 بعثة لكل عام ولفترة الخمس سنوات القادمة تبدو غير واقعية وغير منسجمة مع سياسة الاصلاح والتغيير لسببين:
اولا، بعثات التعليم العالي يجب ان تتوفر للمتفوقين والموهوبين والمتميزين وليس لكل من هب ودب من حملة الشهادات، كما انها يجب ان تمنح للشباب من حديثي التخرج لاكثار الفائدة. واذا ما نظرنا الى واقع الجامعات والتعليم العالي لعرفنا محدودية اعداد من يستحقون هذه البعثات. من اين لنا بخمسين الفا من المتميزين والمتفوقين في خمسة سنوات؟ هل ان السياسة خاطئة او هل ان الرقم غير دقيق وقصد به عدد البعثات على طول فترة الخمس سنوات او ان الدولة سترسل من يتوفر لها ارساله وعلى امل ان الاجواء العلمية في الجامعات الغربية ستفجر وتصقل المواهب الكامنة عند المبعوثين مهما كانت قابلياتهم العلمية؟ وهل تعتقد الدولة ان الجامعات الغربية ستستقبل اي من المبعوثين بدون النظر في مستوياتهم العلمية؟ ام ان الدولة لا يهمها مستوى الجامعة طالما كانت في العالم الغربي؟
ثانيا، توجد في الجامعات العراقية الالاف من التدريسين ممن يحتاج الى تدريب واعادة تدريب في الجامعات الغربية بسبب العزلة العلمية التي مر بها العراق بسبب الحروب والحصار. هل ان ارسال طلبة للحصول على شهادات علمية عالية هو افضل من اعادة تدريب هؤلاء؟ ولماذا لا يرسل 10000 منهم كل عام للتدريب وللحصول على شهادة عالية كالدبلوم العالي او الماجستير او الدكتوراه حتى وان كان المبعوث قد حصل على مثل هذه الشهادات في الماضي. اليس تدريب هؤلاء من الاولويات عند الدولة العراقية ليصبح التعليم العالي متميزا والبحث العلمي بمستوياته في العالم الغربي؟ ان الجامعات العالمية سترحب بتدريب هؤلاء التدريسين اذا ما دفعت الادارة العراقية اجور تدريبهم بما يعادل اجور الطلبة او حتى بنصف هذه الاجور او اقل، وفي مثل هذا الاجراء تناسق كبير مع السياسات الحالية للتعليم العالي وستراتيجيته في تحسين الجودة.
ما يبدو لي ان الدولة العراقية بسياستها التي تخص البعثات قد اندفعت بدافع الحرص على ضمان "شئ ما" من دون الاعتبار لدرجة المردودية ومن دون الاهتمام باولويات التدريب واعادة التدريب ضمن استراتيجية شاملة لتطوير التعليم العالي. ويبدو ايضا ان الدولة العراقية بوعي وبغيره قد سمحت للجامعات الغربية بالتأثير على سياساتها في هذا الخصوص حيث ان هذه الجامعات تسعى لتعزيز امكانياتها المالية وذلك بجذب اعداد اكبر من الطلبة الاجانب لتمويل دراساتهم ولا يهمها كثيرا مسائل اعادة التدريب بدون شهادات لانها لا تدعم قدراتها المالية بنفس الدرجة التي يوفرها الطلبة المسجلين رسميا للحصول على شهادات عليا.
يبدو انه لازال وقت كاف لاعادة النظر بمذكرة التعاون بين العراق والولايات المتحدة وفي اطار المبادرة التعليمية التي اطلقها رئيس الوزراء وذلك بالطلب من الجانب الامريكي بادخال موضوع تدريب التدريسين العراقيين في الجامعات الامريكية كموضوع حيوي واساسي ليس كبديل لارسال طلبة تعليم عالي وانما كجزء من التعاون العلمي بحيث على الجامعة ضرورة توفير مقعد تدريبي في مقابل كل بعثة دراسية واقتراحي ان يتم تحويل نصف المبالغ المالية المخصصة للبعثات الدراسية الى عملية اعادة التدريب.