تقاليد عيد الميلاد
إن شجرة الميلاد هي عبارة عن شجرة السرو، أو الصنوبر التي تبقى دائماً خضراء في الشتاء، وهي رمز لاستمرارية الحياة، وتشير الأنوار التي تضيء الشجرة إلى نور المسيح الذي غمر البشرية كلها بميلاده. ترتقي عادة إقامة الشجرة إلى القرن الثامن الميلادي حيث إن راهباً إنكليزياً اسمه بونيفاس رأى في المانيا في إحدى ليالي كانون الأول مجموعة من الأشخاص تحت سنديانة كبيرة، وقد ربطوا بها طفلاً صغيراً ينوون تقدمته ذبيحة لارضاء إلههم، فهرع الراهب في الحال إلى ذلك الطفل وحل وثاقه ثم قطع السنديانة، ورأى صنوبرة صغيرة فقلعها وسلمها لهم رمز الحياة التي تدوم وتستمر لانها دائمة الخضار. وان ذكر شجرة الميلاد كان في شمال اوربا سنة 1521م وفي انكلترا نصب زوج الملكة شجرة كبيرة في داخل القصر وهكذا جرت العادة في كل انحاء العالم بنصب الشجرة.بطاقات التهاني :
يتبادل الناس تهاني من خلال البطاقات التي يرسلونها إلى الأهل والأصدقاء، وان أول من بادر وأرسل بطاقة التهنئة بمناسبة عيد الميلاد هو هنري كول مؤسس متحف فكتوريا في لندن، إذ بعث عام 1843م بطاقة تهنئة إلى صديقه جون هورسلي، وكانت هذه البطاقة مزينة بصورة عائلة مسيحية محتفلة بعيد الميلاد، وهكذا ومنذ ذلك التاريخ جرت العادة بتبادل بطاقات التهاني بمناسبة الأعياد.
بابا نوئيل :
يمتاز هذا العيد عن الأعياد الأخرى بعادة لطيفة، ألا وهي تقديم الهدايا للأطفال، ويقال لهم إن بابا نوئيل يجلبها إليهم، إذ يحضر إلى المنزل ليلاً دون أن يراه أحد ويضع الهدايا.. يرمز بابا نوئيل إلى شخصية تاريخية يدعى القديس نيقولاوس الذي كان أسقفاً في مدينة ميرا اسيا الصغرى ( تركيا الحالية )، عاش في القرن الرابع الميلادي كان هذا القديس سخياً يحب مساعدة الآخرين من دون أن يراه أحد، وكان يقدم الهدايا للأطفال وخاصةً للعوائل الفقيرة، فانتشرت عادة تقديم هدايا بابا نوئيل، أو هدايا الطفل يسوع. ولكن نسأل ونقول :
لماذا تعطي الهدايا بالميلاد ؟
تعطي لتذكرنا بان المجوس قدموا الهدايا ليسوع، بل ان الله أعطى للعالم يوم ميلاد المسيح هدية عظيمة، وهي ابنه يسوع معطي الخلاص للبشرية.
مغارة الميلاد :
ترتقي عادة صنع المغارة إلى سنة 1223م حيث قام بعملها القديس الاسيزي، إذ طلب من صديقه أن يذهب ويجلب من الغابات في منطقة غريشيو بايطاليا مغارة طبيعية، ويحضر تماثيل من الخشب وينصبها فيها وكذلك شجرة الميلاد، لانه كان يريد ان يرى بعينيه كيف ولد المسيح، ودعى اخوته الرهبان ولفيف من الناس، فجلبوا شموع وحضروا مذود وفيه بعض الحيوانات ورتلوا تراتيل الميلاد، وهو خدم القداس، بعد ان طلب من أحد الكهنة أن يقدس في المغارة وتكلم عن يسوع في المغارة، واراد ان يفهم الناس بان ولادة المسيح تكمل بالقداس لانه يحضر بيننا كما في بيت لحم. اراد ان يبين بان القداس هو اعادة ميلاد المسيح. ومثلما فرح مار فرنسيس وفرح الاخرين في عمل المغارة كذلك علينا نحن أيضاً أن نفرح ونفرِّح العالم، لان الله صار مثلنا، لان المسيح حاضر دوماً معنا، وما عيد الميلاد إلا ذكرى لهذا الحضور الدائم، وهكذا : ومنذ بدء المسيحية انتشرت عادة بناء مغارة في كل مكان، وفي الكنائس كانوا يبنون مغارة الميلاد عوض مغارة العذراء لورد التي يبنونها حالياً.
جوهر العيد :
هو ظهور قوة الله للخلاص، بهذا أضاء الله ايماننا، بهذا الطفل الذي تسبّحه الكنيسة بنشيد الملائكة القائل :
" المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وللناس المسرة ".
عن عظمة طفل المغارة لا تبدو ظاهرة لعيون الانسان ولا لتفكيره، ولا ينكشف له إلا بنور فوقي. وليس يعرف الابن إلا الاب، ولا أحد يعرف الأب إلا الابن، ومن يريد الابن يكشف له.
ان الوحي الآتي بواسطة الملائكة هو علامة حضور عمل الله في هذا العالم، ودخول الرعاة في نور مجد الله المُشرق هو علامة سماوية لاهل الأرض، وكان في تلك النواحي رعاة يبيتون في البرية يسهرون على رعيتهم في هجعات الليل وإذا بملاك الرب فاجئهم ومجد الله اشرق حولهم فخافوا خوفاً شديداً فقال لهم :
" لا تخافوا فها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب إنه ولد لكم اليوم مخلص وهو المسيح الرب في مدينة داود وهذه علامة لكم انكم تجدون طفلاً ملفوفاً مضجعاً في مذود "
ان اعلان الميلاد هذا يساوي ما معناه :
ان الله بكلمته الأزلي الذي صار جسداً، قال كلمته الأخيرة الأكثر عمقاً والأكثر جمالاً إذ أدخله في قلب العالم، ولا يمكن أن يتراجع فيما فعل، لأنه فعل نهائي من لدن الله، لأن الله ذاته صار في العالم، وهذه الكلمة ليست شيئاً اخر إلا قوله :
يا أيها العالم اني احبك، يا ايها الانسان أني احبك فهل هذا ممكن ؟ مع ذلك هذه الكلمة نطقها الله بصورته إنساناً مولوداً كواحد منا، وكلمة الحب الذي صار جسداً تعني بانه تم بين الله الازلي ونحن شركة أشخاص حيث عُمقها يجعلنا مع الله وجهاً لوجه وقلباً لقلب، فإذا كان الميلاد أهمية بالنسبة الينا فانه يحمل نتائج رائعة وهو يحثنا على الصعود دائماً نحو الكمال المسيحي ..
هنا إن الم المسيح تعلمنا المعاني السامية، إذ كانت : تحفظ هذا الكلام في قلبها بمعنى نغصب نفسنا حتى تحقق هذه الكلمات في حياتنا بالعمل، نغصب نفسنا لنفهم أكثر تجسد ابن الله، ونتعمق في هذه الحقيقة أكثر فأكثر.
الميلاد هو نور لا يجب أن ينطفأ فينا، فهو نور الحياة الباطنية الشخصية، لا بالانطواء على الذات ولكن يجب أن نمارسه بالحوار الحبي مع الله بالصلاة التأملية هذه المحاولة الحياتية تحثنا على مواصلاة التأمل، وأن نحيا الميلاد على هذه الصورة التي تصير لكل واحد منا اختباراً جديداً متواضعاً وعجيباً.
الراهب آشور ياقو البازي