تقسيم العراق ..وأنهيار المشروع الامريكي
لم يعد من مفر امام الاداره الامريكيه لتحسين الوضع العراقي الا من خلال ممارسه الغطرسه السياسيه والكشف عن الانياب الحقيقيه للسياسه الامريكيه واهدافها في العراق بعيدا عن الوجه الذي حاولت خداع العراقيين من خلاله طوال السنوات الاربع من احتلال البلاد والتصريحات التي لم تكن في اغلبها الا للاستهلاك الداخلي والدعايه الحزبيه التي تدخل في اطار التنافس بين الحزبين لتحقيق الاطماع التوسعيه على حساب شعب عانى المرارة من هذه الاداره ومواقفها حتى من قبل سقوط الدكتاتوريه ..وحتى تحديث الخطط العسكريه والزج بمزيد من الجنود في العراق لم ينقذ الولايات المتحده من شبح الهزيمه الذي بات يلوح في الافق حتى اصبح الكثيرون من المتابعين للحرب قادرين على الجزم بانه واقع لا محاله ، ان الدور الامريكي الحالي في العراق مر بعدة مراحل قبل ان يصل الى بداية نهايته بطرح مشروع غير ملزم يهدف الى تعبئة القوى المؤيده لواشنطن داخل العراق وخارجه من اجل تطبيق هذا القرار على ارض الواقع كمقدمه لتحويل الشرق الاوسط الى مجموعه من الدويلات الصغيرة العاجزة عن مواجهة اي تحدي قادم من الخارج وتكون أسيرة المشروع الامريكي في المدى البعيد للسيطرة على المقدرات الماديه والمواقع الاستراتيجيه لهذه البلدان ويجعلها تدور في فلك النظام العالمي الجديد الذي تميز ملامحه حرب الحصول على المزيد من الاسواق واحتكارها ..
قد لا يهتم العراقيون لما يريده المشروع الامريكي من بلادهم بقدر ما يهمهم الخروج من النفق المظلم الذي دخلوا فيه منذ احتلال الكويت وحتى يومنا هذا وشاركت الولايات المتحده بقوة في ادخالهم فيه ، فالشعب العراقي ارهقته الة الحرب الدمويه التي سحقت الكثير من شبابه ونساءه واطفاله والتي امتدت منذ اغتيال الرئيس عبدالكريم قاسم حتى اللحظه الراهنه ، الحاله العراقيه فريده من نوعها في تحمل الماسي والظلم لكنها لا تستطيع التحمل الى ما لا نهايه لان لكل شئ حدود ..
المشروع الذي تقدم به السيناتور جوزيف بايدن جزءا محوريا من السياسه الامريكيه في الشرق الاوسط وتقديمه بطريقه مخففه على الملئ كونه غير ملزم للاداره ما هي الا خدعه تم كشفها بسرعه لا سيما وان الموضوع لعب على وتر الطائفيه والمذهبيه ويشجع عليه مما يعطي كل الطروحات المناهظه للاحتلال المصداقيه ويدفع الشعب العراقي بأتجاه فقدان الثقه في الشخصيات العراقيه التي توالي هذا التوجه وتدعو له ..
في تاريخ العراق الطويل عاشت اللبلاد حالة شبيهه من المشاكل في عهد حمورابي الذي تقسمت مملكته بعد انتهاء حكمه وكذلك في عهد نبوخذ نصر الذي انقسمت ايضا مملكته لفتره من الوقت قبل ان تعود لتجانسها القديم مع مرور الزمن نظرا للمصالح المتبادله الاقتصاديه والاجتماعيه بين اجزاءها ، وكذلك تعرضت البلاد للتقسيم بعد موت الملك الاشوري سنحاريب لان ولايه العهد والحكم كانت النقطه التي تنطلق منها شرارة الحروب والصدامات في كل عهد من عهود الحضارة العراقيه القديمه ، اما اليوم فأن الوضع السياسي العام في البلاد لا يختلف كثيرا عن تلك الحقب التي تلت سقوط الممالك الحديديه وسيطرة حكومات ضعيفه على البلاد لفترة مؤقته وهو ما نراه اليوم على ارض الواقع والغريب في الامر ان هناك شخصيات سياسيه عراقيه تنتقد التدخل الامريكي الفظ في الشأن الداخلي العراقي في الوقت الذي يقف فيه على بعد خطوات من تلك الشخصيات العشرات من جنود الاحتلال الذين يفتشونهم في دخولهم وخروجهم من المنطقه الخضراء ، اذا لا نعرف ما الذي يعنيه المسؤولون بالتدخل ان لم يكونوا يسموا ما يحدث من حولهم تدخل ؟؟
لا يمكن فهم ابعاد اي مشروع تطرحه الولايات المتحده الامريكيه الا من خلال فهم وادراك الخيوط التي تؤطر السياسه الامريكيه منذ بداية تسلطتها على العالم من خلال استخدامها لاسلحة الابادة الجماعيه في اليابان وفيتنام والصومال ويوغسلافيا وافغانستان واخيرا العراق ، ففي السابق كانت الواجهه السياسيه لا تعكس حقيقة النظام السياسي الامريكي لان منظري هذه السياسه كانوا يعملوا خلف الكواليس حتى نهاية الحرب البارده لكن بعد انتهاء تلك الحرب ظنت هذه الطبقه ان العالم بأسره اصبح خاضعا لها وراحت تكشف عن نفسها وتعبر عن اهدافها بكل وضوح ، فهي تمتلك وكالة للمخابرات اشبه باله اخطبوطيه شاذه في ممارساتها لا تعير للقانون الدولي ولا للكرامه الانسانيه اي اعتبار او بالاحرى غير موجودين في قاموسها ، وتتغلغل في الكثير من البلدان تحت يافطة شركات وهميه وسيطرت على تجارة المخدرات في العالم لعقود طويله قبل ان تنتبه دولا كثيرة للطريقه التي تمول من خلالها الادارة الامريكيه انفاقها العسكري المرعب الذي يتجاوز في اضعف حالاته الثلاثمة مليار دولار وهي هذه التجارة وكذلك تمتلك الكثير من الوكالات التابعه لها باسماء منظمات انسانيه وهميه وتم اكتشاف ذلك ايضا في نهاية حرب فيتنام فلم يعد من مفر امامها سوى الاعتماد على الشركات التي أسستها وجعلتها خارج اطار المحاسبه القانونيه اسمتها بشركات الحمايه الخاصه التي ترتكب كل يوم في العراق مجازر عديده تنسب في بعض الاحيان للقاعده وفي احيان اخرى للحكومه كي تقوم بتمرير المشروع سئ الصيت وهو تقسيم العراق واحداث الفتنه بين ابناءه ..
وللأسف فأن الشعب العراقي ارهقته الحروب واصبح عاجزا عن كشف الطريقه التي تدير بها الولايات المتحده العراق ، بعد المجزرة الاخيره التي ارتكبتها شركة بلاك ووتر في بغداد ارسل الرئيس الامريكي جورج بوش رساله الى رئيسها طالبا منه عدم الادلاء باي تصريح دون اذن مسبق منه او الاتصال به
وهي اعتراف علني وصريح بتبعية تلك الشركه وغيرها للادارة الامريكيه وانها لا تمارس اي عمل دون اذن منها اي ان الارهاب الذي تمارسه تلك الشركات والذي لا يقل تدميرا وفتنه عن شركة الحمايه التي يديرها بن لادن هو الاخر والتي تسمي نفسها القاعده مصدرهما واحد وهو الادارة الامريكيه فمن اين يطلب العراقيون اذن الامن اذا كانت الدوله المحتله والحكومه والعصابات الارهابيه كلها تعمل في اطار واحد وبوسائل مختلفه ؟؟
ان الولايات المتحده الامريكيه لا تنطلق في ممارساتها هذه من مصدر قوة وسيطرة على العالم بقدر ما تنطلق من شعورها المتعاظم تدريجيا بقرب هزيمتها في العراق وفشل مشروعها القائم على استعباد شعوب الحضارات الاولى في العالم وهي عقده مرضيه لا يمكن معالجتها الا من خلال المزيد من الجهود لتعريه اهداف المحتل ايا كان شكله ولونه ، ان شركات الحمايه هذه ليست شركات مستقله بل هي مؤسسات تابعه للجيش الامريكي او كما سماها جيرمي سكايهيل انها اكبر جيش للمرتزقه في العالم وهو جيش بلا اخلاق ...
الفضائح التي تلاحق القواعد الامريكيه في اليابان وكوريا الجنوبيه لا تزال في المحاكم في هذين الدولتين من عمليات اغتصاب الى ترويج المخدرات الى تزوير نتائج الانتخابات والكثير من المسؤوليات الاخرى الواقعه على عاتق هذه القواعد في تلك الدول اذا كيف يمكن للعراقي ان يقبل على نفسه تواجد قواعد عسكريه طويلة الامد لجيش بلا اخلاق اقترب موعد طرده من اغلب الدول وستكون تركيا في القريب العاجل احدى الدول التي ستمنع بقاء هذه القواعد على اراضيها ..
ان الوعي السياسي يلزمنا طرح الموضوع بكل واقعيه وصراحه والدور الامريكي في العراق لا يزال يراوح في نقطة ستقوده حتما الى نهايته لا سيما بعد تأكيد منظمة العفو الدوليه عبر تقريرها السنوي الذي تناول دراسة اكثر من خمسين عقدا من عقود شركات الحمايه ان هذه العقود لا تلزم الشركات بمراعاة حقوق الانسان او حتى عمليات الفساد او سرقه الممتلكات الشخصيه للعراقيين او حتى مقتنيات المؤسسات الحكوميه وفي مقدمتها المتحف العراقي وكذلك المكتبه الوطنيه !!
ورغم ان الطار العام لعمل هذه الشركات يقوم على القتال النظامي وخوض المعارك الا ان هناك اهدافا للادارة الامريكيه يتم تحقيقها من خلال هذه الشركات كما اثبتت الكثير من التحقيقات في بغداد ان هذه الشركات تقف خلف تفجير وقصف الكثير من المواقع السنيه والشيعيه لتعميق الفتنه بين الطرفين ..
ان فكرة تقسيم العراق هي ذروة الافكار التي تخرج بها الادارة الامريكيه لتعبر عن فشلها في احتلال العراق وتدميره ولم يتبق امامها سوى اعادة عزت الدوري ونظام البعث الفاشي الى السلطه كي تعبر عن مودتها للشعب العراقي وتكمل محاولاتها القضاء عليه لكنها على الاغلب ستفشل لان علامات الانهيار تهدد الاقتصاد الامريكي في السنوات القادمه وسنرى تقسيما للولايات المتحده وتفكيكها الى خمسين دوله قبل ان نرى العراق مفككا منهارا وقارئ تاريخ هذه البلاد جيدا يدرك للوهله الاولى صحة ما نذهب اليه فيكفي ان جميع الامبراطوريات التي مرت على هذه البلاد كانت نهايتها فيه واخرهم بريطانيا التي تصاعدت المطالب الايرلنديه والاسكتلنديه بالانفصال بعد الهزيمه في العراق عام 58 ..
ورغم كل الاموال التي تنفقها بريطانيا على التعتيم الاعلامي بهذا الصدد الا انها فشلت ووصلت المطالبات ذروتها في الحرب الدائرة في ايرلنده بين البروتستانت والكاثوليك والتي ساهمت الادارة البريطانيه في تعميقها وصب الزيت عليها ، وعملية طبع الدولار الامريكي بدون رصيد مواز من الذهب سيقود الكثير من الولايات الامريكيه الغنيه الى الانفصال عند اول انهيار للبورصه في نيويورك بعد حرب العراق كي لا تتحمل تبعات المديونيه الخرافيه التي دخلتها امريكا والتي تهدد وجودها ككيان ووصلت الى استعمال الاحتياط الاستراتيجي لها منذ سنوات
وهي ايضا حاله تتحكم في بقاء الولايات من عدمه مع هذا الاتحاد الفدرالي الهش الذي تم السيطرة عليه بقوة السلاح ...
المشكله الحاليه في العراق ليست وليدة هذا الطرح بقدر ما هي نتاج لسيطرة الاسلام السياسي الذي يسلك سلوكا فاشيا شبيها بالدكتاتوريه والذي جاءت به الولايات المتحده الى السلطه عمدا ، مشروعا الاحتلال والاسلام السياسي يلفظان انفاسهما الاخيرة في هذه المرحله ولن تكون العمليه السياسيه قادرة على الاستمرار في ظل وقوعها تحت سطوة عصابات شركات الحمايه والتبعيه لحكومه الاحتلال التي تتخبط في انتاج مشاريع قد تكون من نصيبها قبل ان تصيب العراق بأذى ..
ما لا تدركه الادارة الامريكيه هو ان الشعب العراقي يتمتع بقدرة على التخلص من ضعفه في لحظه واحده من الزمن قد تطيح بكل ما بنته امريكا من نفوذ في العراق عبر سنوات الاحتلال وقبله وثورة تموز تعطي المثل الساطع لمن يعمل وفق اجنده اجنبيه اامريكيه كانت ام ايرانيه ، ويعبر عن نفسه وهويته الحقيقيه من خلال تلك ا
القدره على احداث التغيير والانتقال بالمجتمع الى حاله اخرى ...