تنظيم الموارد المالية في العراق الفيدرالي
إن التشريع المالي في الدولة يتولى بيان النشاط المالي الذي يتمثل في كيفية حصول الدولة على إيراداتها وأوجه إنفاقها والموازنة بين الإيرادات والنفقات.وهذا الأمر ينطبق على الدول البسيطة والمركبة ولكن الأمر قد يتعقد في حالة الدول المركبة ومنها الدول الفيدرالية ذلك إن هذه الأخيرة يتم صنع القرار الاقتصادي فيها على مستويات مختلفة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية.
وتختلف الدول الفيدرالية بدرجة كبيرة في اختياراتها بالنسبة لطبيعة الفيدرالية المالية بصورة محددة في كيفية تقسيم الصلاحيات المالية بين المركز والأقاليم.
إن أحدى الميزات العامة لتخصيص السلطات المالية في جميع الأنظمة الفيدرالية تقريباً هي جعل مصادر الإيرادات الرئيسية بين الحكومة الفيدرالية وحتى عندما تكون بعض المجالات الضريبية مشتركة مع الحكومات المحلية فإن الحكومات الفيدرالية تميل إلى السيطرة عليها.
إن تركيز القسم الأعظم من الإيرادات والنفقات بيد الحكومة الفيدرالية يعتبر أمراً هاماً لكي تتمكن من القيام بالدور المتوقع منها عادة وهو إعادة توزيع الموارد المالية وهناك مجموعة من الاتحادات الفيدرالية (النمسا واستراليا والبرازيل والهند وألمانيا والولايات المتحدة) تقوم فيها الحكومة المركزية بجمع ما بين ثلثي وثلاثة أرباع إجمالي الإيرادات كما تقوم الحكومات الفيدرالية في معظم الدول الفيدرالية بتولي مسؤولية الإنفاق الحكومي إذ تقوم الحكومات المركزية بعمل تحويلات مالية للوحدات المحلية لتمكنها من الوفاء بمسؤولياتها بشكل أفضل هذا وقد تمنح بعض الدول الفيدرالية قسم من وحداتها الاستقلال المالي الذي يسمح لها بتطبيق برامجها في حقول مسؤوليتها الخاصة وإن كان هذا الأمر يختلف حسب ثروة هذه الوحدات حيث تتعامل الحكومة الفيدرالية مع هذه الفروق في الثروة بين وحداتها من خلال تحويلات أكبر للوحدات الأفقر أي إنه يجب وجود آليات للتوزيع العادل للإيرادات المتاحة بين حكومات الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي.
وتحدد معظم الأنظمة الفيدرالية في دساتيرها سلطات جميع الإيرادات وصرف النفقات الخاصة بكل مستوى من مستويات الحكم في المركز والإقليم.
ويعتبر تخصيص الموارد المالية لكل مستوى من الحكم ضمن النظام الفيدرالي أمراً هاماً لسببين رئيسيين:-
السبب الأول:- إن هذه الموارد تمكن الحكومات أو تعينها فيما يتعلق بممارسة مسؤوليتها المنصوص عليها في الدستور.
السبب الثاني:- إن سلطات فرض الضرائب والإنفاق هي بحد ذاتها أدوات مهمة لضبط الاقتصاد والتأثير عليه.
وعليه نجد إن دساتير كل من استراليا والهند وماليزيا واسبانيا تمنح الحكومة المركزية حق الإنفاق في مجالات تتعدى صلاحيتها وفي كندا يكون لكل منتسبي الحكومة في المركز والأقاليم سلطات انفاقية غير محددة ولا يسمح الدستور السويسري بشكل عام بالإنفاق المركزي في المجالات الحصرية لصلاحية الكانتونات وتتميز ألمانيا بوجود مجالات كبيرة من الصلاحيات المالية المشتركة بين المركز والأقاليم.
إن المضطلع على وضع العراق الاتحادي الفيدرالي يجد إن هذا البلد يعاني من مشاكل اقتصادية عديدة أبرزها البطالة والفقر والتضخم والمديونية مع أزمات الخدمات والتعليم والصحة وغيرها ومن ثم فإن بناء النظام الفيدرالي على أسس اقتصادية ضعيفة يعني فقدان أهم أسس البناء الصحيح للدولة.
لقد كان موضوع توزيع الثروات بين العراقيين ولاسيما ثروة النفط والغاز من أكثر المواضيع حساسية وربما كانت سبباً لرفض الفيدرالية أو المطالبة بها على حد سواء فامتلاك بعض الأقاليم للثروات دون الأقاليم الأخرى يؤدي إلى خشية الأقاليم التي لا تمتلك هذه الثروات من استئثار تلك الأقاليم بها وحرمانها منها وبالتالي فهي ترفض الفيدرالية لهذا لسبب كما إن التوزيع غير العادل لهذه الثروات وحرمان الأقاليم التي تمتلك هذه الثروات من الحصول على حصة عادلة منها يدفعها إلى المطالبة بالفيدرالية للحصول على توزيع عادل لتلك لثروات.
وعند مراجعة الدستور العراقي النافذ لعام 2005 حول هذه المسألة نجد إن المادة (111) منه نصت على إن (النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي وكل الأقاليم والمحافظات) وأشارت المادة (112) أولاً إن (تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون) كما نصت المادة (106) على أن تؤسس بقانون هيئه عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية وتتكون من خبراء الحكومة والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها تضطلع بالمسؤوليات الآتية:-
أولاً:- التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.
ثانياً:- التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المالية الاتحادية واقتسامها.
ثالثاً:- ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم وفقاً للنسب المقررة.
يتضح من النصوص المتقدمة أن المشرع الدستوري أشار إلى ثروة النفط والغاز باعتبارها تشكل 90 % من واردات الدولة العراقية وجعل ملكيتها لجميع أفراد الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات وكذلك حصر إدارة تلك الثروات بالحكومة الاتحادية كما بين الدستور إن الواردات الناشئة عن هذه الثروات توزع بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد.
والذي يمكن ملاحظته على النصوص السابقة إنها غابت منها الصياغة الفنية الصريحة في بعض العبارات مثل عبارة (الحقول الحالية) و(الأقاليم المتضررة).. الخ مما يفسح المجال أمام التكهنات والتغيرات المختلفة وكل ذلك في ظل غياب إصدار قانون النفط والغاز ولذلك فإننا نأمل من لجنة تعديل الدستور أن تتقدم بإعادة صياغة بعض النصوص الدستورية طالما إنها تتعلق بموضوع حيوي لأبناء الشعب وهو الجانب المالي الذي طالما عانى الشعب من إساءة توزيعه.
كما يجب على الحكومة المركزية ومن خلال وزاراتها المتعددة أن تفكر جدياً بمصادر أخرى للإيرادات غير النفط كالتركيز على الجانب الزراعي والصناعي والسياحي وأن تضع الآليات المناسبة لتفعيل هذه الجوانب من أجل تعزيز هذه الإيرادات وكل ذلك من أجل دعم المواطن العادي الذي يحتاج إلى الخدمات المباشرة من سلع ومنتجات أو خدمات غير مباشرة من قبيل السلف والقروض الميسرة التي يستطيع من خلالها مجابهة ظاهرة ارتفاع الأسعار ويمكن تحقيق ذلك الهدف من خلال وضع الدراسات الاقتصادية المتخصصة التي تضع الحلول الآنية والمستقبلية في ظل بلد يزخر بكم هائل من الطاقات والإمكانات البشرية والمادية.
* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
http://fcdrs.com