Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

جذور الفقر والفساد والديمقراطية الاقتصادية مصر مثالاً

محمد علي جواد تقي/
عندما يكون النظام السياسي بعيداً عن الاطر الديمقراطية وعن أي شكل من اشكال الحكم العادل، وتكون ارادة الشعب مصادرة، فلا غرابة من ارقام الثروة في حسابات الرئيس وعائلته، او ارقام اعداد منتسبي الشرطة وضابط الأمن واساليب مكافحة الشغب، ولا غرابة ايضاً في ارقام عدد الجياع والعاطلين عن العمل.

وبالتالي لا غرابة من الانتفاضة الجماهيرية على هذا الحاكم المستبد او ذاك. لأن بكل بساطة فان هكذا حاكم بالأساس ومن حيث المبدأ يحمل معه عوامل سقوطه، وفي جيب سرته بطاقة الرحيل، لكنه يخفيها الى حين، وهذا كان حال رئيس جمهورية مصر حسني مبارك وسلفه (زين الهاربين بن علي)، يكفي ان نسلط الضوء على قاعدته الفاسدة التي يقف عليها ليُذل ويخزى أمام العالم، والحقيقة عندما نلاحظ ان عمر هذه القاعدة تمتد الى ثلاثين عاماً كما حصل مع صدام ومع مبارك، نشعر بالكثير من الأسى والأسف على اوضاع شعوبنا.

الثروات والقدرات المهدورة

تحظى مصر بموقع استراتيجي وحيوي على الارض، فهي جغرافياً تقع شمال القارة الافريقية، وتطل شرقاً على البحر الاحمر وشمالاً على البحر الابيض المتوسط، وتسيطر على أهم ممر بحري في العالم وهو (قناة السويس)، الذي يختصر لاوربا وامريكا الشمالية الطريق البحري المؤدي الى الشرق الاوسط والشرق الاقصى من العالم. لكنها تنتمي حضارياً وثقافياً الى العالم الاسلامي. وأهم ما في مصر هو (النيل) العظيم الذي يشقّ اراضيها من الجنوب الى الشمال، ليشكل إحدى العجائب والغرائب في هذا البلد العريق، وهو ايضاً يعد العامل الأساس في حياة هذا الشعب الكبير. وحسب المصادر التاريخية فان وجود هذا المصدر المائي العظيم جعل المصريين القدماء يبتكرون نظام الري منذ 4000 سنة قبل الميلاد، الامر الذي نجد اليوم ازدهار الزراعة وخصوبة الارض التي تهب المصريين المحاصيل الغذائية الرئيسية مثل القمح والخضار والفاكهة والتمور، الى جانب المحاصيل الصناعية مثل القطن، وهذا مكّن مصر من امتلاك ثروة حيوانية لا يستهان بها.

إذن، فالاقتصاد المصري يعد الأكبر بين البلاد العربية والشرق اوسطية لكنه غير معتمد على النفط حيث تعتمد مصر في اقتصادها على الزراعة والصناعة والسياحة وقليل من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية، الى جانب تحويلات العمالة في الخارج. وحسب الاحصائيات فان الناتج القومي لمصر يصل الى 200 مليار دولار سنوياً، وهو رقم يفترض انه يبعث على التفاؤل والغبطة لتحسين مستوى معيشة المواطن المصري.

واذا عرفنا ان معظم سكان مصر البالغ عددهم 76 مليون نسمة يقطنون حول مصدر حياتهم وعيشهم هو نهر (النيل)، سنعرف ان ثمة مشكلة في الحسابات وثغرة كبيرة في النظام الاقتصادي سببته السياسات الفاسدة والجائرة طوال السنوات الماضية. إن مصر تضع نفسها بين أعلى الكثافات السكانية في العالم، حيث يعيش 63 نسمة في كل كيلومتر مربع في (وادي النيل)، ويرتفع هذا الرقم الى 900 نسمة في (دلتا النيل)، بمعنى ان 98 بالمئة من الشعب المصري يعيش على حوالي اربعة بالمئة من مساحة اراضيه، أما الباقي فهي صحراء قاحلة غير مستثمرة.

لكن في المقابل نجد الاقتصاد المصري معروف بانفتاحه، وهو ما فتح ابواب الاستثمارات على مصراعيها. فربما يجد المتابع من بعيد او السائح ملامح التقدم الاقتصادي من خلال البنايات الشاهقة ومترو الانفاق والطرق والجسور والخدمات وغيرها، ولكن كل ذلك لا ينعكس بشكل صحيح على المستوى المعيشي للفرد المصري، لاسيما اذا عرفنا ان نسبة الشباب تشكل غالبية السكان، بمعنى ان خريجي الجامعات والمراكز الاكاديمية بحاجة الى منهجية متكاملة للاستيعاب وتحويل هذه الخبرات والقدرات الشابة الى وقود محركة للاقتصاد المصري، بحيث يتقدم الاقتصاد مع المواطن في خط واحد، لا أن يتقدم الاقتصاد ويبقى المواطن، فالانسان محروم من فرصة العمل والعيش الكريم، ويضطر للعمل من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من الليل لسد نفقات أسرته.

وهذا ما حصل في مصر ويحصل في معظم بلادنا الاسلامية، والدول الغنية غير مستثناة من هذه المعضلة الخطيرة، ومن نافلة القول، أن خبيراً غربياً قال ذات مرة معلقاً على عهد الملك السعودي الراحل فهد بان الشيء الذي ينجح فيه هو عدم تشجيع المواطن السعودي على أن يكون ثرياً بجهده الشخصي، فهو غني ما دام النفط السعودي يضخ من تحت الارض ويباع في العالم. وهذا ما يفسر وجود شريحة الفقراء بنسب لا يستهان بها في هذا البلد الاسلامي أو ذاك.

من هنا يمكن التعرف على جانب مهم من الساحة المصرية التي انفجرت بالتظاهرات والاحتجاجات في القاهرة وسائر المدن، فدمّر الشعب المصري جدار الصمت بعد ثلاثين عاماً من الحكم الديكتاتوري الفاسد، وانتصر لكرامته وحقوقه المهدورة باسقاطه حسني مبارك من قمة السلطة. فقد (طفح الكيل) و (بلغ السيل الزُبى) كما هو المثل العربي، ولا يمكن السكوت على طغيان مبارك وأفراد أسرته المقربين منه واصحاب رؤوس الاموال الذين اثقلوا كاهل الاقتصاد المصري وجعلوا من الشعب المصري أدوات تحرك عجلة هذا الاقتصاد وليس لهم سوى الفتات لسد رمقهم.

وفي الآونة الاخيرة تم رصد فجوة غذائية كبيرة في مصر جعلت الشعب المصري يقترب من عنق الزجاجة، فبدلاً من تشجيع وتقوية القطاع الزراعي والصناعي وتشغيل اليد العاملة، ذهب الاقتصاد المصري بعيداً جداً في استيراد معظم احتياجاته من المواد الغذائية. وكما هو المعهود، فان الحكومة المصرية البائدة كانت دائماً تلقي بالمشكلة الغذائية في مصر على شماعة الكثافة السكانية والتزايد المستمر في عدد نفوس مصر. لكن الارقام تقول ان العوامل الأساس لزراعة مصر قادرة على إنعاش الاقتصاد بوجود حصة مائية من (النيل) تبلغ 55.5 مليار متر مكعب عند السد العالي، وبإضافة مياه الآبار الجوفية (الصرف الزراعي والصناعي والصحي) والأمطار يبلغ إجمالي الموارد المائية المصرية من المياه العذبة نحو 69 مليار متر مكعب سنويا.

وأدت سياسات الري الفاشلة الى تراجع مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 14.1% سنوياً، وهذا مما أدى الى بروز فجوة كبيرة جداً في الغذاء بلغت نحو 50% من السلع الغذائية الضرورية. هذه الفجوة أدت بشكل قسري لأن تعتمد مصر في سلة غذائها على الخارج، وبدلاً من ان يكون القمح المصري صاحب الكلمة الاولى في الحاجة المحلية، اصبحت مصر تستورد 12.2 مليون طن من القمح لتكون ثاني دولة في العالم تستورد القمح منذ عام 2005، فيما بلغ حجم إنتاجه 7.4 ملايين طن، وهو ما يمثل حوالي 40% من حجم الاستهلاك العام، وهذا ما ينطبق على كثير من السلع الغذائية الأخرى.

الفساد الاداري.. آفة الاقتصاد

جاء في البرنامج الانتخابي للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم لانتخابات مجلس الشعب لعام 2010: (إننا نخوض الانتخابات القادمة وأعيننا على هؤلاء...! ونطرح برنامج الحزب للسنوات الخمس المقبلة من أجل هؤلاء...! نطرحه من أجل المزيد من النمو وفرص العمل وتحسين الدخول. نطرحه من أجل المزيد من التصدي للفساد).

ولو لم تصل الفساد المالي والاداري والمحسوبية ذروتها لما كان الحزب الحاكم يطلق هكذا وعود لتهدئة الشارع الغاضب من الحجم الهائل من الفساد والمحسوبية في الدولة، وقد باتت القضية منتشرة على صعيد دولي، ولم تقتصر على حديث الشارع او الاعلام المعارض أو غير ذلك، مثال ذلك (منتدى دافوس) الاقتصادي الدولي الذي فسّر تأخر مصر اقتصادياً بانتشار الفساد. وقد حصلت مصر على 3.1 من 7 درجات لقياس مكافحة الفساد، ويوضح مقياس الحكم الجيد للبنك الدولي أن قدرة مصر على السيطرة على الفساد تتراوح ما بين 30% و48%. أما مؤشر الحرية الاقتصادية فيذهب إلى أن قدرة مصر على التحرر من الفساد تصل إلى 29%. كما أن نتائج المسح الميداني الذي أجراه مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في عام 2009، أشارت إلى أن 90% من أفراد عينة المسح اعتبروا دفع الرشوة أمرا مألوفا يقوم به الجميع. وذكر 56% من أفراد العينة أن الموظف العام طلب منهم الرشوة مباشرة. كما ذكر 70% منهم أنهم دفعوا الرشوة من أجل إنجاز أعمالهم بسرعة.

وبسبب تجذّر ظاهرة الفساد في مصر فانها باتت تضم مؤسسات متعددة معنية بمكافحة الفساد وعلى صُعد مختلفة، ما بين أجهزة رقابية، وتشريعية، تشمل الجوانب الإدارية، والمالية، ومع ذلك فالفساد واصل انتشاره وامتداده مثل الخلايا السرطانية، فالرشوة تبدأ من صغار الموظفين، مروراً ببعض كبار المسؤولين، ورجال الأعمال وحتى البرلمانيين. فالتقرير الثالث للجنة الشفافية والنزاهة التابعة لوزارة الدولة للتنمية الإدارية الصادر عام 2010 يوضح أن قضايا الفساد على صعيد الجهاز الإداري للدولة، الذي يضم نحو 6.1 ملايين فرد، تبلغ 70 ألف قضية سنويًا، يحفظ منها 40 ألف قضية، ويُحكم في أقل من ألفين قضية.

وتعكس النتيجة الخاصة بالتعامل مع قضايا فساد الجهاز الإداري، مدى اطمئنان القائمين على أمر الفساد، وتراخي المساءلة تجاههم، مما يشجعهم على الاستمرار في الفساد، وعدم الاكتراث بعقوبة أو قانون. فكون 57.2% من القضايا يتم حفظها أي كأن شيئًا لم يكن!!، ويظل نحو 40% أخرى من هذه القضايا معلقًا بلا حسم، ولا يكون الحكم إلا في نسبة 2.8% من القضايا، فمعنى ذلك أن ما يتم ضبطه، ويدرج على جدول أعمال الأجهزة الرقابية، ليس إلا استكمالا للشكل الإجرائي، دون الاقتراب الحقيقي من عملية مكافحة الفساد. وبالتالي فان من يحاسب هم الصغار وليست الاسماك والحيتان الكبيرة.

ولهذه المشكلة جذورها، فمنذ تولي حكومة أحمد نظيف الأمور عام 2004، برز دور رجال الأعمال في السلطة بشكل أكبر، من خلال إسناد المناصب الوزارية إليهم، على الرغم من تعارض المصالح الناتج بين توليهم هذه الحقائب الوزارية، وأنشطتهم الاقتصادية الخاصة التي كانوا يمارسونها قبل تولي الوزارة. ومن أبرز هؤلاء الوزراء، أحمد المغربي وزير الإسكان، ومحمد منصور وزير النقل السابق، وزهير جرانة وزير السياحة.

وقد برزت مؤخرًا ملفات فساد تتعلق ببعض هؤلاء الوزراء لحصولهم على أراض مملوكة للدولة، أو لشركات قطاع الأعمال العام، بأسعار تقل عن قيمتها الحقيقية، على الرغم من اعتراضات الجهاز المركزي للمحاسبات على هذه الصفقات.

وكانت الصورة الأخرى لفساد رأس المال في مصر، من خلال وصول رجال الأعمال إلى مجلس الشعب بأعداد كبيرة، في مجلسيْ الشعب والشورى،، حيث وصل عددهم في برلمان عام 2005 إلى 68 عضوًا، تولى بعضهم رئاسة لجان مهمة، تتعلق بشأن المال والاقتصاد، مثل لجنة الخطة والموازنة التي كان يرأسها المهندس أحمد عز، ولجنة الصناعة والطاقة التي كانت بيد رجل الأعمال محمد أبو العينين!! وصدرت تشريعات اقتصادية تم توجيهها لصالح رجال الأعمال، كما حصل في قانون تنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، إذ تم التلاعب في تجريم الاحتكار وإسناد تحديد الغرامة إلى الوزير المختص، وتم إلغاء عقوبة مصادرة السلع محل الاحتكار، وأيضًا إلغاء إعفاء المحتكر من العقوبة في حالة إبلاغه عن ذلك. كما صيغ قانون الضرائب الجديد لصالح رجال الأعمال لتخفيض الضرائب من نسبة 32% إلى 20%.

وكانت هناك حوادث فساد ضخمة ارتبطت برجال الأعمال أعضاء مجلسيْ الشعب والشورى، مثل غرق العبارة لرجل الأعمال الشهير ممدوح إسماعيل عضو مجلس الشورى، وفساد عقد (مدينتي) لرجل الأعمال وعضو مجلس الشورى هشام طلعت مصطفى، الذي يشغل شقيقه طارق عضوية مجلس الشعب.

طبعاً؛ كل ذلك هو بالحقيقة غيض من فيض، او لنقل صورة مصغرة للاقتصاد الفاسد في مصر والذي كان يعتمد عليه الشعب المصري طيلة العقود الثلاث الماضية، وخلق في هذا البلد المعطاء والغني طبقة واسعة من الفقراء لحساب طبقة من الاغنياء والمتنفذين. وجعلت الشعب على حافة المجاعة والفقر بسبب تفشي البطالة. لكن هذا لايعني إن الشعب المصري يتجه الى المجهول باحتجاجاته وتحصنه في ميدان التحرير بالقاهرة وسائر المدن المصرية، إنما يبحث عن البديل الافضل والاحسن الذي ينقذه من مأزقه الذي يعيشه.

الاقتصاد.. إسلامياً

من يقرأ العنوان، تتراكم في ذهنه الصور السلبية عن البديل الاسلامي المشوه الذي قدمه بعض الجهلة والمتطرفين في بعض البلاد والذين اصبحوا نقمة على الاسلام بعد أن كانوا لا شيء وهم لايشعرون، ولو كان يعيشون كافراد عاديين لكان خيراً لهم وللناس أجمعين. لكنهم تسنّموا كراسي الحكم مستفيدين من ظروف سياسية اقليمية ودولية، فقدموا الصورة المعكوسة للنظام الاسلامي الى العالم، حتى كاد العالم اليوم يستبعد ان يكون للإسلام نظاماً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بالأساس. في حين ان تراثنا الضخم من بحوث ودراسات ومؤلفات تؤكد ان الاسلام له نظام اقتصادي متكامل، لانقص فيه ولا شائبة، لكن المشكلة نفسية بالحقيقة، فقد بات من العسير جداً تصحيح مسيرة طولها قرون من الزمن خلال سنوات معدودة، فـ(هل يصلح العطّار من أفسده الدهر)؟

وفي طليعة من قدموا البديل المتكامل للإسلام في حقول متلفة خصوصا حقل الاقتصاد هو سماحة المرجع الديني الراحل آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، ففي كتابه (فقه السلام والسلام) يقول: ان القوانين الوضعية المخالفة للاسلام والعقل تعد من عوامل ظهور وانتشار الفقر، كما عبر عن السياسات الاقتصادية التي تتبعها بعض الانظمة في العالم بانه (ارهاب اقتصادي) يمارس ضد الشعوب. بل يعد إن الاقتصاد بالأساس أحد عوامل استتباب الأمن والسلم، لذا جاء في أول مسألة في الفصل الثالث من الكتاب تحت عنوان (السلم والسلام في الاقتصاد): (يحثّ الاسلام على السلم والسلام الاقتصادي ويمنع التطرف والارهاب في هذا المجال). بمعنى ان الاقتصاد السليم الذي يدعو اليه الاسلام هو الذي يكفل للفرد السعادة والاستقرار وللمجتمع السلم الأهلي والتقدم. والعكس بالعكس.

وفي هذا الكتاب يقدم سماحة الامام الراحل خطوات أساس لحل المشاكل الاقتصادية جذرياً:

1- التكافل الاجتماعي

2- ذم التطرف في جمع الثروة والاموال.

3- العدالة في في حق الملكية الفردية.

وخلال بحثه هذه الخطوات العملية، يؤكد سماحته أن القضية عملية مائة بالمائة، مستشهداً بذلك من التجربة الناصعة للدولة الاسلامية في عهد الرسول الأكرم وفي عهد أمير المؤمنين صلوات الله عليهم. وبين ما آل اليه من اكتنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله، وبين من أنفق وقدم، وكيف انه كسب الدنيا والآخرة، وايضاً الذكر الطيب والحسن.

عن التكافل الاجتماعي يذكر سماحة الامام الراحل (ملاحظة مهمة وهي ان انها تنبع من ضمير الانسان وأعماقه ولا يفرض عليه من الخارج عبر قوانين وضعية كما هو الحال في الغرب، وذلك لانه تربى على هذا النمط من المسؤولية، وهنالك مئات وربما الآلاف من الآيات القرآنية والاحاديث النبوية وروايات العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، ترشد الانسان الى البذل والانفاق وتحثه على الكرم والعطاء، سواء في الحقوق الشرعية او التي ندب اليها الاسلام).

وفي الخطوة الثانية يضيئ سماحة الامام الراحل زاوية مظلمة في تاريخنا وثقافتنا، وهي مسألة جمع الثروة، ويعيد جذورها الى الثقافة اليهودية الميالة الى المال منذ قديم الزمان. ويستشهد سماحته بقصة كعب الاحبار – اليهودي المستسلم بعد وفاة الرسول الأكرم- الذي كان في مجلس عثمان – الخليفة- وقد سأله عن مسألة جمع الثروة في حال أدى صاحبها كل حقوقه الشرعية، فقال: لا شيء عليه، وإن واتخذ لبنة من ذهب ولبنة من فضة، فرفع الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري عصاه وضرب بها رأس كعب الاحبار زاجراً إياه: يا ابن اليهودية...! ما انت والنظر في احكام المسلمين، قول الله أصدق من قولك: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة /34). يقول سماحة الامام الراحل بان هذه احدى الروايات الكثيرة التي تتحدث عن تأثر بعض الصحابة باليهود في أمر جمع الثروة وعدم الانفاق في سبيل الله.

وفيما يتعلق بالملكية الفردية يقول سماحة الامام الراحل: ان الحديث عن الملكية اثار انتباه الفقهاء والمجتهدين في العصر الحاضر فكتبوا فيها المؤلفات التي بينت النظرية الاقتصادية في الملكية الفردية والقائمة على الاعتدال، فهي ليست ملكية جماعية كما يذهب اليه الاشتراكيون، وليست مطلقة وبلا حدود كما ذهب الرأسماليون. ويوضح سماحته بان الملكية الفردية في ظل الاسلام لا يكون للفرد على حساب الجماعة ولا للجماعة على حساب الفرد.

وحتى لا نجانب الحقيقة، فان معظم الثورات الكبيرة في التاريخ وقفت ورائها اسباب ودوافع اقتصادية، من قبيل الفقر والطبقية. نعم؛ ربما يكون العامل السياسي مهم ومحرك، لكنه ليس كل شيء وليس هو الاساس، لأن الناس يعيشون واقعهم اليومي القائم على عجلة الاقتصاد، ولا يعنيهم دائماً الوضع السياسي والنظريات الموجودة المطبقة وغير المطبقة واسباب ذلك. حتى النظام الديمقراطي فان شعوبنا الاسلامية انما ترجو منه التوزيع العادل للثروة وتوفير فرص العمل واعطاء الأولوية لليد العاملة المحلية اكثر من الاجنبية وغير ذلك.

وعليه فإن ما جرى في مصر يجب أن يكون درساً لسائر الشعوب الاسلامية، وايضاً جرس انذار لسائر الحكام الطغاة الذين ما يزالون ماضين في نهبهم ثروات شعوبهم متجاهلين كرامتهم وحقوقهم. لكن أي تغيير او هدم لبنيان متهالك، لابد ان يعقبه بديل جاهز و(خارطة طريق) ليتم تشييد البناء الجديد، وإلا بقيت الارض قاعاً صفصفاً والناس حيارى أمام المجهول. والاسلام دائماً يحذر من هكذا وضع ومآل، ويطالب دائماً بالنظام والانضباط والحذر من الفوضى.

وربما تكون هنالك شعوب اسلامية في طور التغيير والتحوّل وقلب المعادلة على رؤوس حكامها، تكون جديرة بمطالعة النظام الاقتصادي في الاسلام بكل فروعه وابعاده، لتجد التكامل والشمولية في هذا النظام وكيف ان يضمن سعادة ليس فقط الانسان المسلم بل كل انسان منصف و ذو عقل نيّر في العالم.

* مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm






Opinions