Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

جنادب وفـَراش - قصة قصيرة

الإهداء: لكل أصحاب الأقلام الحرّة

زهرتان كانتا ستلتقيان، إحداهما نامت منتظرة على عتبة قلقها ثم انتفضت جزعة لصوت طلق ناري، وأخرى ذات عبير ليلكي سقطت من يده على الرصيف المتآكل.

ولأن ليس بالمدن وحدها تزدهر الإنسانية، وما بالبارود فقط تتفجر المدن، كانت العاصمة قد ارتجت لمقاله الذي دفع به للنشر منذ أسبوع مضى، مثيرا من خلال نوافذه النارية احتدام النقاش والجدل.

كانت تؤرقه إيحاءات خياله وهي تصوره كناقة هزيلة تحمل هودج الأسياد، ولم يعد يحتمل الأساطير المبتدعة لذلك الوزير المتلوّن، وما تحدثه من ارتجاجات لروحه، وأدرك في الوقت المناسب أن المبررات الملائمة للتحفظ على جرائمه صارت تذوي بسرعة.

كان يشفق على ذاته لشعوره بالوضاعة كلما تذكر أنه أحد العاملين تحت إمرته ، خصوصا وهو مازال يواظب في إطلاق وعوده، ولا يتوانى عن قذف فقاعات الصابون في عيون متعبة تتسوّل الأمل، متوسدا على سحر سلطته ووجاهته، جاعلا من حديثه المُجتر طعاما للجياع.

تأكد من اختلاف وجوه الساسة، ولاحظ أنها تتشابه بأفواهها البوقيّة، وتيقن أن هناك من يعدّونها خصيصا للنفخ على ريش النعام في مقابر الصدى. شاهد بعينيه كيف يُرَتقون في الصباح ثوب الوطن بعد ان تهرّأ بين أيديهم وهم يمزقونه ليلا، هؤلاء من يـُفرطون في إعداد أتباع تتشـّكل أرقاما وحسب، منتزعين ما تبقى من آدميتهم، مكرّرين عليهم الخدعة التقليدية القائلة بانتمائهم لقبيلة ملائكة انحدرت من أفضل السلالات، هذه الأرقام ، وبعد حسابات بسيطة، ما أن تجمع مع بعضها تصبح فورا شيئا أشبه بالأرض البور.

لطالما مقت الجنادب النطاطة لأنه يعلم إنها لن تطرح يوما الفراشات الملونة، وهي تتمادى في صفيرها طامعة في إنجاب المزيد من سلالات الصراصير الدابة على هامش الحياة.

ثارت حمم الحقائق المدفونة في سراديب الوزير، وتجرأ بتسليحها بالأدلة القاطعة الجسورة، وما أن تقدمت ثورة القلم، تحتل الورق سطرا بعد آخر، حتى تلت بيان الثورة الأول، فكانت أسرار جميع المرائين بمتناول الفضيحة العلنية.

ضاق رئيس التحرير ذرعا فيما هو يصد حصاره، لكنه من جهة أخرى شعر بالأصالة، وابتهج بعودة إحساسه بها مجددا، بعد أن وجد من يطمئن ضميره، فدفع مقال صاحبه للنشر، رغم يقينه الحتمي بخسارة الصحيفة لإعاناتها الرسمية بعد ذلك. قال له: "أنها حماقة ستزعزع حياتك، أو في أفضل الأحوال ستهوي بمستقبلك إلى الجحيم!".

أجاب : "حياتي؟ اعتدت تكريسها خدمة للجسد، وما فتئنا كبشر نسخـّر العمر لتجميل مظهره الدنيوي، أما لو حشروا جسدي في الجحيم عقابا لحرية الحقيقة، فلابد لفكري أن ينطلق في غفلة منهم نحو الخلود".

رئيس التحرير: "حتى الفكر لن يسلم من تزوير أشرار الأجيال القادمة، سيبطلون خلوده".

أجابه:" هذا لا يمنع أن نحتفظ بآدميتنا، ألا تنبئنا الكتب السماوية أن ابن آدم أكثر قدسيّة من الملائكة؟ إذا كي يبقى الإنسان مقدّسا عليه أن يحتفظ بآدميته.

رئيس التحرير: " هو في الحقيقة يعجز عن اقتفاء اثر الملائكة وسلوكها، فكيف ستسجد له الملائكة؟!.

وافقه الرأي بإيماءة من رأسه، ثم قال له قبل أن يغادر مبنى الصحيفة:

مازلنا نرتكز على الانتظار، وهو أحط ما نملك لخداع أنفسنا، كم تلوى أملنا في تجلي ذكريات أزمنة الجمال مجددا؟ لذلك فمن المخزي الاستسلام لعادة الخذلان. تأكد يا صديقي لن يشاهد الإنسان الحرية من خلف الجبال إن لم يضع قممها تحت قدميه أولا.

البرقية المتغطرسة وصلته بعد أيام، رفض قبلها استلام برقيات شهيّة سخّرت على مائدتها أطباق المجد، وعجز الثراء أن يُهدهد خياله، رغم انه سحر كل من حوله.

لكن البرقية البربرية الأخيرة باغتت فيها لغة البارود لغة الورود، تأرجح واصطكت ركبتاه ، فهوى على وجهه.

في لحظة صمت مطبق، وبينما جسده المرتعش يتكوّر كالجنين، رفع رأسه عن مستنقع دمه، نظرة أتاحت له رؤية نظـّارته والزهرة والقلم ، ولفافة التبغ التي ما زالت تطلق أنفاسها، أصغى لأنينهم يؤبنون صبر سنوات حياته المبددة، أعواما من الكفاح لخصها في تلك الممتلكات.

أحس بلمسة الموت تمر على جسده، وشاهد بعين خياله اللفافة تنتحب: استنفذ كل هوائي وهو يُقـّبلني منذ دقائق، إنه يُفضّل أنفاسي على الهواء الفاسد الذي يملأ الأجواء.

وخيّل له أن قلمه يتحدث كمن يشعر بالذنب: جرت عادته على أن يُلهب سخونة جسدي حتى أحوّل كلماته إلى جذوات مُجمّرة، يطوّعني كرفش حبري، طامرا على الورق كل نتانة تصادفه. لأنه حر، كان قادرا على تحريك العالم فوق السطور، محولا إياها إلى خرائط معتمدة.

قالت الزهرة: لم يعد لي مكان إلا في أكاليل الموتى، إنهم يضعون الإنسانية تذكارا مع معروضات المتاحف، كنت رمزا للحب، ثم أوشكت على الكساد وسط كل هذا الترهل الفكري.

قالت النظـّارة: أرى بريق يقين في عينيه - وقد دارتا في محجريها في هذه الأثناء- كان لا يبعدني عن حدقتيه إلا حين يلامس الخيال. لم يحترف استخدام ورقة التحفظ الآمنة أمام ما يكرهه، هي سقطته الدفاعية الدائمة، ورغم اكتشافه المبكر لهذا الخرق التكتيكي، لكنه لم يسع للاندماج مع جحافل المتلونين.

رن هاتفه النقال، منحته موسيقى نشيد(موطني)جرعة من الأمل وسط لهاثه الكبير في الشارع المقفر.

استعان بما تبقى من قواه، وفي تيقظ شديد، دس يده في جيبه، انتزع الهاتف بصعوبة بالغة

سمع صوت رئيس التحرير يهتف فرحا:

- أين أنت؟! مقالك اسقط الوزير.......

رفع بصره نحو السماء وجدها صافية الأديم، وفي تلك اللحظة تهاوى نجم واضمحل بسرعة، شعر بالامتنان للقلم، وابتسم ابتسامة فوز حانية قبل أن يغشي الظلام عينيه.

amir.ramzi1@yahoo.com
Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
وفاة فتاة مسيحية بحادث سير مروع قرب بيجي شبكة اخبار نركال/NNN/مجلة عشتار/ أفادت مجلة عشتار في خبر لها، بوفاة فتاة مسيحية بالقرب من بيجي بحادث مروع وهي عادة من سوريا في رحلة علاجج. رحمها الله واسكنها فسيح جناته ولاهلها الصبر والسلوان. وفيما يلي نص الخبر: مقتل واصابة 11 شخصا بانفجار سيارة مفخخة في الموصل وارتفاع ضحايا انفجارات سنجار وفرض حظر التجوال فيها نركال كيت/الموصل/ انفجرت سيارة مفخخة اليوم الاربعاء جنوب الموصل مستهدفة دورية للشرطة العراقية وأسفر الانفجار عن مقتل مدني واحد أمريكا والتجربة العراقية المرٌة: من الدولة العظمى إلى الدولة الأعظم قال الصحافي الفرنسي المعروف تييري ميسان صاحب كتاب " الخدعة الرهيبة " الشهير عن أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 في محاضرة له مؤخراً عن كتابه الجديد " الخدعة الرهيبة2 " المكرس لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط وأسرار علاقتها بإسرائيل ومناوراتها حيال إيران وسور وزارة البلديات والاشغال العامة تبدأ بتنفيذ خطة لتطوير الواقع العمراني شبكة اخبار نركال/NNN/بولس تخوما/ أعلن وزيرالبلديات والأشغال العامة رياض غريب عن البدء بتنفيذ خطة ميدانية واسعة لتقديم الخدمات الحيوية للمواطنين
Side Adv1 Side Adv2