Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حانة أم معتوك

 

توفيت السيدة (أم معتوك)  صاحبة أقدم حانة غير مرخصة في البصرة عن عمر زاد على السبعين في اغلب الظن.

وقال  الحاج ( سالم عبد المجيد )  المحسن الذي تولى مراسم دفنها  على نفقته الخاصة:(أن السيدة فارقت الحياة داخل بيت عتيق،آيل للسقوط يعود إلى يهودي غادر البلاد  قبل عقود،اتخذته منذ سنين محلا تقيم به لوحدها ،يقع في البلدة القديمة ،بعد امتهانها التسول منذ سنين عدة.  

تعود معرفتي بالسيدة إلى حقبة الحرب العراقية الإيرانية. ولقائي الأول والأخير بها يعود إلى احد أيام تلك الحقبة.

 كانت أمام حانتها في الجانب الآخر من الشارع مساحة خالية من الأبنية، كانت فسحة كبيرة، اجتازها مرة كل أسبوع ماشيا إلى  المكتبة الأهلية،اكبر مكتبة في المدينة.

  لم يكن بعلمي أن ثمة حانة تقع قبالة ذلك الفراغ الواسع لولا أنها نادت علي بصوت عال في إحدى الأيام التي كانت البصرة قد شهدت هجمات إيرانية  بالمدفعية الثقيلة طالت معظم ألأحياء.

 صاحت علي في ذلك اليوم الدامي، ملّوحة بيدها، تدعوني  أن ألوذ بسدها : ( يا ولد... يا ولد تعال الى هنا...اركض)،كان ذلك خلال محاولتي اجتياز الساحة الخالية تحت نيران القصف العنيف.

بعد وصولي إليها راكضا وبعد مضي دقائق استراحة حتى ضربت انفي رائحة الخمر،وإذا بي أمام غرفة كبيرة نسبيا، ينبعث منها صوت( فؤاد سالم) ،جدرانها مبنية من الآجر ذو قالب قديم،مسقفة بأعمدة خشبية عليها سعف النخيل مرصوصا و مغطى من الأعلى بالطين، إنها حانة أم معتوك.

وأم معتوك لها بشرة هندية، متوسطة القامة،صوتها جهوري، تتحدث كما لو أنها مديرة ولها صوت قريب الشبه إلى صوت الرجل .

أما حانتها فهي لا تشبه الحانات،إنها مختلفة وغريبة، لا موائد ولا كراسي،إنها مفروشة بواسطة بارية منسوجة من السعف يجلس عليها الزبائن، صار لونها رماديا لقدمها، و بضعة أقداح بلاستيكية ملونة مرمية هنا وهناك.

الملفت أن زبائنها في تلك الساعة العصيبة كانوا في منتهى الهدوء والانضباط ،يحتسون الخمر غير مبالين ولا مكترثين بما كان يدور خارج الحانة مع إن دوي الانفجارات كان يسمع عن قرب، كأن الأمور تسري على نحو اعتيادي أو كأن شيئا مقلقا في الخارج لم يحصل.

 زبائنها أشخاص على الغالب لا عائلات لهم ، أو ممن تعرضوا لتجارب زواج فاشلة وأكثرهم يمارسون المهن الحقيرة .

 بالنسبة للذين يتناولون جرعات كبيرة من الخمر لا يمكنهم الوصول إلى منازلهم ، تسمح لهم السيدة بالنوم داخل الحانة، و من ينام هناك لا ينام على وسادة.

 بعد أن ساد هدوء نسبي مشوب بالحذر، وقبيل مغادرتي للمكان ، اطل على السيدة رجل يرتدي بدلة أنيقة حاملا بيده حقيبة،ما أن تحدث إليها حتى مدت يدها في جيبها مانحة إياه مبلغا من المال إضافة إلى قنينة خمر كبيرة  .

التفتت إلي تقول : ( هذا المحامي جاء يأخذ حقه) قلت لها كيف ؟ قالت :( هل ترى تلك المرأة...  أشارت إلى امرأة جالسة في نهاية الشارع يبدو أنها تبيع الحلوى البسيطة للصغار.. ابنها حبسوه، و أعطيت لها كلمة أن أطلق سراحه بواسطة هذا المحامي ، ماذا افعل أعطيتها كلمة...وعدتها ) .

لم يكن إيفاء السيدة لوعدها يثير اهتمامي إلا في السنوات القليلة الماضية ، فحين  كانت تخطر على بالي لا أتذكر إيفاءها، أتذكر أشياء أخرى. شكلها ،حانتها وذلك اليوم العصيب ، كانت هذه هي الأشياء الأقوى التي  تطفو على سطح ذاكرتي ، حتى إذا جاءني نبأ وفاتها أقدمت  على الكتابة عنها ،  لفرط إيفاءها واحترامها للمواثيق ليس إلا .

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
سر البطولة جاسم الحلفي/ السر الذي يكمن وراء صمود مدنية آمرلي، هو ما كان غائبا عن القوات التي سلمت مدنية الموصل بتلك الهزيمة السريعة، التي خلفت القرارات المتعثرة لغلق المخيمات ومدارس النازحين بكردستان.. تحركات بدوافع سياسية ضحيتها النازحون القرارات المتعثرة لغلق المخيمات ومدارس النازحين بكردستان.. تحركات بدوافع سياسية ضحيتها النازحون تشعر أم هديل، التي تقيم في أربيل، بقلق بالغ إزاء المستقبل الدراسي لأطفالها الثلاثة، إثر قرار إتخذته وزارة التربية في بغداد، بغلق الممثليات التابعة لها في اقليم كردستان حين غنى العالم بلي يابلبول هادي جلو مرعي/ في العام 1936، وكان الحدث الكبير في ألمانيا العظيمة ،وكان هتلر زعيم الرايخ الثالث يحضر مؤتمر الكشافة العالمي، في يومهم العالمي.. أطفال العراق في عين العاصفة و في يومهم العالمي.. أطفال العراق في عين العاصفة و"التغيرات المناخية" تضيف أزمة جديدة بينما يحتفل أطفال العالم باليوم العالمي، يواجه اقرانهم في العراق جُملة من التحديات والمشاكل الأساسية التي تفاقمت مع تداعيات الأوضاع الاقتصادية والبطالة وارتفاع معدلات الفقر
Side Adv2 Side Adv1