- الرئيسية
- تقارير وبحوث
- حرائق حقول القمح...
حرائق حقول القمح تجهض الآمال بتحقيق الإكتفاء الذاتي
المصدر: وكالة يقين للأنباء
في العاشر من أيار/مايو الجاري، وبعد أيام من إعلان وزارة الزراعة عن امكانية الوصول إلى الاكتفاء الذاتي من محصول القمح هذا العام، شب حريق كبير في الحقول بقرية الزنجيلية الواقعة في قضاء طوزخورماتو جنوب محافظة صلاح الدين ليلتهم كميات كبيرة من القمح، أعقبه حريق آخر في حقل للشعير في قضاء مخمور جنوب شرق الموصل.
ولم يكن هذا هو الحريق الأول، كما لم يكن الموسم الحالي أول المواسم التي تشهد حرائق كبيرة في حقول القمح، في صلاح الدين ونينوى وغيرهما من المحافظات، مما يطرح تساؤلاً يتكرر كل عام في مثل هذا الوقت، عما اذا كانت هذه الحرائق بفعل فاعل ومن المستفيد منها، خاصة مع إضافةٍ “نوعية” جديدة حدثت هذا العام، هي منع جهات رسمية المزارعين من حصاد المحصول.
وذكرت مصادر صحفية إن الجيش الحكومي منع المزارعين في ناحيتي الرياض والرشاد بمحافظة كركوك من حصاد مئات الدوانم المزروعة بالقمح، وذلك بعد يومين على حريق صلاح الدين. ونقلت هذه المصادر عن شيوخ عشائر في المنطقة قولهم، إنهم توسطوا لدى الحكومة المحلية والجيش للسماح للمزارعين بجني محصولهم. ولم تذكر المصادر سبب إقدام الجيش على مثل هذه الخطوة، لكنها ألمحت للعديد من الممارسات التي تقف خلفها جهات متنفذة وميليشيات، من بينها منع أو عرقلة عملية الحصاد وإشعال الحرائق بحقول القمح ليستمر استيراده، خدمة لأجندات خارجية.
الأمن الغذائي في خطر
وطوال القرون الماضية كان موسم الحصاد يمثل فرحة كبيرة للفلاحين، حيث تتواصل الإحتفالات خلال الموسم الذي يبدأ في العراق من منصف نيسان/أبريل حتى بداية حزيران/يونيو، لكن شهر نيسان أصبح بالنسبة لهم موعداً مع القلق والترقب والخوف من قيام عناصر الميليشيات بإحراق حقولهم، مما دفع فلاحين في محافظة كركوك للتناوب على المبيت في الحقول لحراستها.
وبينما حمّل المزارعون إيران وميليشياتها مسؤولية إشعال الحرائق في حقولهم، عزت بيانات الدفاع المدني أسبابها حيناً إلى التماس الكهربائي، وحيناً إلى شرارة النار، وعبث الاطفال، وغيرها من الأسباب التي رفضها المزارعون، مؤكدين أنهم خسروا حقولهم بفعل فاعل. وجاءت حرائق هذا العام بالتزامن مع تقليص استثمار الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 50% بسبب الجفاف وتناقص موارد المياه، لتزيد من خسائر المزارعين.
حوادث حرق المحاصيل ليست إرهابية، بل تقف وراءها جهاتٌ مدفوعٌ ثمن أفعالها، ومرتبطة بأجندات وجهات إقليمية تسعى للهيمنة على الاقتصاد العراقي
والتهمت الحرائق منتصف أيار/مايو الجاري حقول القمح بدءاً من محافظة النجف، فالمثنى، ثم ميسان وصلاح الدين وديالى والتأميم، وفق ما أورده تقرير تلفزيوني. وجاء في التقرير أن الحرائق تزامنت مع بشائر بتحقيق الفلاح العراقي الإكتفاء الذاتي هذا العام، بما يوفر 2.3 مليار دولار لاستيراده وفق تقديرات البنك الدولي، حيث تصل الحاجة الفعلية للبلاد من الحنطة سنوياً إلى حوالي 5 ملايين طن.
إحصائية مرعبة
وشهد عام 2019 زيادة كبيرة في أعداد وأماكن الحرائق، حيث اُحصي نحو 272 حريقاً، وتلف نحو 134 الف دونم زراعي، أما عام 2020 فقد شهد 170 حريقاً وتلف 100 الف دونم من الأراضي الزراعية والمناطق المحيطة بها، وسجل عام 2021 أكثر من 50 حريقاً، فيما تلف نحو 800 دونم زراعي، ولم ينقض عام 2022 إلا بتسجيل 20 حريقاً. ورغم أن الموسم الحالي مازال في منتصفه، الا أنه سجل احتراق 55 دونماً من الحنطة ومخلفاتها خلال يومين فقط في صلاح الدين، فيما قال الدفاع المدني إنه أخمد 8 حرائق في 6 محافظات خلال 24 ساعة.
وشهد عام 2020، ألذي اندلع فيه أكبر عدد من الحرائق سجالاً نيابياً في البرلمان، حيث طالب نواب بالكشف عن المسؤول عن اضرام هذه الحرائق. ونشرت وسائل الإعلام آنذاك، بياناً أصدرته النائبة “ناهدة الدايني”، حملت فيه “الأجهزة الأمنية مسؤولية الحرائق لغياب الإجراءات الرادعة وضعف التحوطات الكفيلة بتأمين وحماية الحقول الزراعية من عبث المخربين”. وأضافت الدايني في بيانها إنّ “حوادث حرق المحاصيل ليست إرهابية، بل تقف وراءها جهاتٌ مدفوعٌ ثمن أفعالها، ومرتبطة بأجندات وجهات إقليمية تسعى للهيمنة على الاقتصاد العراقي”، وأنّ “تلك الحرائق تسبّبت بخسائر فادحة للمزارعين”، مطالبةً بـ”تعويض المزارعين المتضررين من جرّاء الحرائق المنظمة”.
إيران وروسيا على الخط
وفضلاً عن محاولات سابقة، بدأت إيران بخطط جدية للهيمنة على سوق القمح العراقي عام 2018، عندما اتفقت مع الجانب الروسي على استيراد القمح لتشغيل مطاحنها، وبذلك يصبح لديها فائض للتصدير إلى العراق. وقال الأمين العام لاتحاد شركات الغذاء الإيرانية “كاوه زرجران” في تصريح سابق لوكالة “رويترز”، إن بلاده تتفاوض مع روسيا لاستيراد 100 ألف طن شهرياً من القمح الروسي لتشغيل المطاحن الايرانية، حيث سيتراكم لديها فائض يسمح بزيادة صادراتها للعراق. وحول تلك المفاوضات، أكد رئيس اتحاد منتجي الحبوب الروسي “أركادي زلوتشيفسكي” للوكالة، إنها كانت جزءاً من مفاوضات أوسع نطاقاً بشأن التجارة الحرة بين إيران وروسيا.
ومنذ الإعلان عن تلك المفاوضات بدأ محللون الربط بين تاريخ الاتفاق، وبداية انتشار الحرائق في الحقول العراقية، حيث تضاعفت بشكل لافت في موسم عام 2019 الذي تلا الإتفاق، والذي قد لا يبقى نافذاً اذا استمرت الحرب الروسية الاوكرانية.
ووسط نيران الحرائق اضطرت لجنة الزراعة النيابية عام 2019 لاتهام “جهات خارجية وداخلية” بإشعال الحرائق “لمنع العراق من الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي من محصولي الحنطة والشعير”، لكنها لم تجرؤ على تسميتها، فيما لاذت بالصمت في الاعوام اللاحقة.