حقنة علمانية تؤلم ولكنها تنفع ولا تضر
كل المراقبين للوضع في العراق يجمعون بان البلد قد دخل منعطفا خطيرا بعد إحداث سامراء وتفاقم أعمال العنف الطائفي خصوصا في بغداد0 والجميع أيضا متفقون على إن الحل للخروج من الأزمة ليست بزيادة الإنفاق على الأمن ورفع قدرة قوات الشرطة والجيش العراقي لتمكينه من التصدي للإرهاب الذي استشرى في كل مكان بل بإتباع جملة من الإجراءات بدأ البعض منها بالفعل مستهدفا لم شمل الكتل السياسية المشكلة للبرلمان وتفعيل الحوار بين نواب هذه الكتل لحشد جهود الأغلبية فيه لمساندة خطط الحكومة وعدم نقل صورة سلبية عن ما يحدث من انقسامات في البرلمان إلى الشارع العراقي لان هذا له انعكاسات كبيرة تزيد من تفاقم الفوضى الأمنية في البلد وبالفعل هذه الأيام شهدنا نجاح تلك الجهود ونرجو من الله إن تستمر0 وكذلك من الأفكار المطروحة للحد من قوة الإرهاب تفعيل خطط التنمية الاقتصادية ومد شبكة الخدمات الأساسية لتصل إلى كل مكان وزيادة الإنفاق الحكومي على برامج الإعانات الاجتماعية وهذا سيترتب عليه بالطبع زيادة دخل الفرد العراقي والحد من ارتفاع معدلات البطالة خصوصا بين الشباب والذين يشكلون اعرض قاعدة اجتماعية في العراق وهذا لو تحقق فعلا سيسهم في تسريع معدلات النمو الاقتصادي واستشعار الرفاهية على الأقل في المدى القصير فيحول دون توجه الناس إلى الجماعات المسلحة أو السطو والسرقة والاختطاف وهذه الأشكال تمثل النسبة العظمى من أعمال العنف في العراق ولكن هذا الباب ضيق جدا لأن عملية التنمية وتحسين المستوى الاقتصادي لكل فرد عراقي يحتاج إلى موارد مالية هائلة وخطط تنموية وطنية طموحة تطبق في أجواء أمنة بعيدا عن الفساد الإداري وهذا لن يتحقق منذ عدة سنوات وبعد تناوب سلسلة من الحكومات على السلطة .لذا فان اغلب العراقيين لا يعولون الكثير على هذا الاتجاه بسبب الفساد الإداري المستشري في دوائر الدولة وعدم توفر الأمن والاستقرار كشرط أساسي ترتكز عليه أية عملية تنموية . ولكن بالرغم من ذلك فنحن بحاجة إلى أية جهود في هذا المجال مهما كانت متواضعة .
إن الوضع المعقد في العراق يحتاج اليوم إلى جهود سياسية جبارة أكثر من أي شيء أخر . نحتاج إلى سياسيون في مراكز الحكم ينكرون كل شيء أوصلهم إلى سدة الحكم ويثبتون للناس بان الوطن للجميع حريصين ليل نهار على إظهار عراقيتهم بإبراز الجانب الوطني من شخصيتهم السياسية . عباقرة يضعون الطائفية والحزبية الضيقة على الرف ولن يلومهم مناصريهم ولا أي عراقي على ذلك لأن الشعور الوطني والإخلاص للشعب لا يمكن أن يعارضه أي إنسان ينتمي في جذوره وتطلعاته إلى هذه المساحة المحصورة داخل حدود خريطة العراق وإذا ظهر شاذون عن هذه القاعدة فهم بذلك يكشفون أنفسهم أمام هجوم الشعب عليهم .
نحن العراقيون شعب متعدد ومتباين وربما على الحكام تجاوز انتمائهم الطائفي كشرط أساسي لكسب احترام الجميع والحصول على الدعم المطلق وفي سبيل ذلك لن تضرهم حقنة علمانية بسيطة مضادة لكل ما يحدث اليوم في العراق حقنة تساعدهم على كبت مشاعرهم الدينية والاحتفاظ بها لأنفسهم كجزء من حريتهم الشخصية والدينية فالعراق وأن كان الطابع الإسلامي يغلب عليه يظل بلدا فريدا في نسيجه الاجتماعي المتشابك ولعل تاريخه الطويل أسهم في خلق تنوعات مذهبية وطائفية بين اقل الأديان تعدادا وليس في الإسلام فقط . لذا فالأفضل للسفينة أن تكون عائمة على وجه الماء والقبطان هو من يهمه أمر بقائها على ذلك الوضع مستقرة في طريقها نحو هدف معين مهما كان انتمائه الطائفي . فالبلد ليس بحاجة إلى سماع تأكيدات على ذك الانتماء بمناسبة أو بدون مناسبة بل الجميع ينتظر من السياسي العراقي إنجازات ملموسة أو حجج مقنعة تخدم قضية البلد وتقنع الشعب على ضرورة السير على نهج جديد يقوم على أساس الحرية والديمقراطية حتى لو كان صاحب الصوت علمانيا يكفي أخلاصه للبلد وأبنائه كنقطة انطلاق إلى قلوبهم والعلماني هنا ليس بكافر أو ملحد كما يفهم الكثيرون بل هو مجرد إنسان يعترف بالاختلاف ويحترم حقوق من يختلف معهم ويقر بأن البلد يجب أن يكون ساحة مفتوحة للجميع ليعبر كل حي عن ما يشاء بفرص عادلة دون تمييز . وحتى لو كانت هذه الكلمات عسيرة الهضم على بعض المدافعين عن جمالية الخلط بين الدين والسياسة تبقى معبرة عن احد المخارج المطروحة أمام السلطة الحالية وخيارا أساسيا يبعد العراق عن شبح الحرب الأهلية علما بأن المرونة مطلوبة لمن يحكم هذا البلد الصعب وإذا وجد السياسيون عملية اعتناق مبادئ علمانية أمرا مستحيلا لأنهم وصلوا إلى السلطة بعناوين طائفية ومن خلال أحزاب دينية فما عليهم سوى التأكد من حقيقة متأصلة بين الشعوب تنص على انزعاج الناس من سماع كلمات عن مذاهب وطوائف وطرق دينية هم غير مقتنعين بها أصلا من أفواه حكامهم.
والتزام المبادئ العلمانية هنا ليس مصادرة لحرية احد بقدر ما هو دواء ناجع يحافظ على وحدة أبناء البلد ويصون حريتهم ويحترم معتقدات الجميع دون استثناء . فلا ضير مثلا من أن يكون الوزير أو رئيس الوزراء من طائفة معينة ويحاول التعبير عن مشاعره الطائفية في حدود حزبه ومؤتمراته الداخلية إذا كان ذلك الحزب يسير على الدرب المقصود ولكن نفس الشخص يجب أن يلقي كل ذلك قبل أن يخرج من أبواب حزبه ليظهر أمام الجميع بوجه وطني خالص ويعمل في وزارة عراقية أو في أعلى سلطة عراقية بعيدا عن الرموز الدينية التي تشد مئة وتبعد خمسين ويضيع بسبب النقاش حولها الملايين والقاعدة الأهم التي تطرح نفسها أمام جميع السياسيين هي استبعاد كل نقاط الخلاف والاتفاق على عدم التناقش في أمور أصلا نحن كعراقيين غير متفقون عليها ولمصلحة الجميع يجب أن نلقيها خلف ظهورنا والأمثلة الدينية خير دليل على ذلك وإذا تألمت من حقنة علمانية لأنك على افتراض (( متدين )) حتى النخاع فلا تنسى إن بلدنا اليوم مريض والحكيم هو من يبحث عن جميع أنواع الدواء ولا يدير ظهره لكل الاستشارات الطبية متشدقا بان القوة هي من ستحل المشاكل وهذا غير صحيح لأن الكي هو فعلا أخر العلاج ولكنه في أحيان كثيرة يكون بداية لنهاية المريض ونحن جميعنا لا نريد الموت للعراق لا سامح الله .
عصام سليمان – تلكيف.