حقوق الأنسان أداة لتقييم آدمية الدولة
نعم انه تقييم لأنسانية آدم الذي إحتضن حواء من وسطه، ولم يعطها من أي مكان آخر من جسمه، والا كان قد فقد هو أيضاً آدميته إن كان قد أخذ قطعة من رجله أو يديه أو رأسه، لأن أبو البشرية يعرف جيداً ما معنى المساواة، ما هي الحقوق والواجبات؟ ولكن الذي لم يكن يعرفه آدم ان هذه الحقوق والمساواة سوف تسحقت تحت أقدام الأفراد والحكومات والدين وأجهزة الدولة ومنظمات خاصة والحركات الارهابية ،،،، ماذا لو كان آدم قد أعطى أو أُخِذَ من رجليه لأستكمال العائلة البشرية! أَكُنا نرى أبشع مما نراه اليوم من إباحة لحقوق وكرامة الشخص البشري؟ وهذا يعني عدم وجود أسرة، أو عائلة، أو مؤسسة، أو مجتمع متكامل، أو حرية شخصية بمعناها الأنساني، لأن "الرْجلْ" تعني الأدنى، تعني سحق، تعني الدونية، عدم مساواة، السيطرة،،، وكنا نواجه جدار آخر آسمك من جدار الجهاد! ألا وهو آيات آدم، أو آيات حقوق الانسان التي تعطي كما أعطت سابقتها شرعية سلبْ ليس فقط حقوقهم وحريتهم وكرامتهم بل وصل الأمر الى سَلب أرواحهم.مما تقدم نرى مع الملايين معنا ان مسألة حقوق الانسان والحفاظ على كرامته هي من صنع الأنسان نفسه،أي انها أصلية نشأت منذ الخلق وتطورت مع تطور الحضارات، والناس جميعاً مسؤولين عن النضال من أجل حقوقهم وحقوق الآخرين، ولا نقدم طلباً من أحد مهما كان مركزه الوظيفي (ملك، قائد، زعيم، شيخ، سيد، أي رجل دين،،،،،) لكي يمنحنا الحقوق، كونها حقوق طبيعية ووضعية، أي هي إستحقاقات مثبتة في القانون الوطني والعالمي، بدآً من حضارة الأغريق التي عرفت المشاركة في الحكم دون الاعتراف بحرية الفرد الشخصية،وكان إختيارالحكام عن طريق القرعة!وهذه الطريقة كانت تحقق تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة، وكانت ملكية الارض عند اليونانيين جماعية بعدها تحولت الى ملكية القبائل، وتشريعاتهم تقتضي "باعتبار الانسان هو الاصل في كيان الدولة"(را/ د.ابراهيم أباظة ود.الغنام-تاريخ الفكر السياسي-دار النجاح-بيروت1973 ص11) وهكذا يستمر المسلسل التاريخي لحقوق الانسان بظهور الرواقية التي نادت بالأخوة والمساواة بين البشر، "وظهرت الى الوجود نواة مدرسة الحقوق الطبيعية للبشر والتي تسمو على القوانين الوضعية"(را/د.محمد علوان-حقوق الانسان- 1997 ص5)، وبعدهم الرومان التي كانت العدالة في نظرهم تتمثل في القانون الطبيعي، وكانت هناك مجالس شعبية تتكون من الاحرار الاثرياء لإختيار الحكام، وهناك تفاوت طبقي بين طبقة الاشراف والعامة في المجتمع الروماني، ولم تكن هناك مساواة أمام القانون بين الطبقتين، كما عرف الرومان الرق الذي يعملون في الإقطاعيات نهاراً، وفي الليل يكبلون بالسلاسل(را/راشدالبراوي-المذاهب الاشتراكية-1970 ص348) بعدها دخلت الاديان وكان هناك تفاوت بينها في الحفاظ على حقوق وكرامة الشخص البشري، انه تاريخ أسود وأبيض؟
وهكذا يستمر النضال من اجل انتزاع هذه الحقوق المهدورة على معطم المستويات، مثل إنتزاع "الميثاق الأعظم" من حكومة انكلترا عام 1215 حيث نصت وثيقته عن استقلال القضاء، منع توقيف أي مواطن حر، او سجنه او مصادرة املاكه الا بموجب القانون، وعدم فرض الضرائب بدون موافقة البرلمان(را/حقوق الانسان-المحامي فيصل الشناوي2001) وفي سنة 1628 صدرت عريضة الحقوق بعد صراع بين الملك والبرلمان، ومن اهم بنودها 1- ان يكف الملك عن طلب الهبات 2- لا يسجن شخص إلا بتهمة حقيقية محددة 3- احترام الحرية الشخصية، وتلاه قانون الحرية الشخصية الذي يعتبر ضمانة لحماية الحقوق والحرية الشخصية من تعسف السلطة،وقانون الحقوق الصادر سنة 1689 ومن اهم بنوده "انه ليس للملك سلطة ايقاف القوانين والاعفاء من تطبيقها،،(نفس المصدر السابق ص42) وهكذا تطورت فكرة الاعلان عن حقوق المواطنين بعد ان تشبث الشعب بحقوقه وحريته في امريكا منذ عام "1776" وفي فرنسا 1789"
وفي القرن التاسع عشر وبدايات عصر النهضة كثر الحديث عن حقوق الانسان وخاصة أثناء الحرب الباردة "1945 - 1990"، وأصبح الموقف يأخذ أداة تقييم إنسانية الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وما يهمنا هنا هو حقوق الانسان في الوطن العربي بشكل خاص والعراق بشكل أخص كونه كزء من هذا الوطن من جهة ويمر بظروف ذاتية وموضوعية تختلف عن باق البلدان والاقطار الاخرى، للنظر الى بدايات الموضوع في وقت الاغريق، أي القرن العاشر قبل الميلاد ولحد الان، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : لماذا سبقنا الغرب في هذه المسألة الرئيسية؟ ونحن نطبل ونزمر باننا أصحاب الحضارات القديمة، والشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، لماذا لم نستفد من قوانين حمورابي مثلاُ؟ الجواب هو في وضعنا الحالي وما وصلت اليه الامور من إنتهاكات لحقوق الانسان، والغطاء في معظم الاحيان هو الدين، وبعده سلطة الملك، أو القوانين الاستثنائية والخاصة، نعلم انه حتى في وقت الحروب هناك قوانين تحفظ حقوق البشر(حقوق الاسرى، والاطفال، والمرأة،،،،،)، إذن إنتظرنا الى يوم إنشاء جامعة الدول العربية (سبع دول فقط!) في 1945 /القاهرة ولم يشر ميثاقها صراحة الى "حقوق الانسان" بالرغم من ان ميثاقها يحتوي على 20 مادة وثلاثة ملاحق! وانتظرنا الى سنة 1968 بتشكيل لجنة دائمة لحقوق الانسان، ولكن نقولها "مع الاسف" انه لحد الآن لم يتخذ جامعة الدول العربية قرار شامل لحماية حقوق الانسان في الوطن العربي، بالرغم من من وجود هناك قرارعلى مشروع في آذار/ 1979، مع إنعقاد دورتين لهذه اللجنة في 1983، وتم تقديم ملاحظات على المشروع في 1984 و1985، "وأهم ما قامت به هذه اللجنة الدائمة هو تحضيرها لصك الميثاق العربي لحقوق الانسان الذي اعتمده مجلس الجامعة العربية في 14/ 9/ 1994،" را/ نفس المصدر السابق ص164 سطر6) هل تعرفون لماذا؟ لان معظم الملوك والرؤساء لهم حساسية عندما يطرح عليهم مشروع لحفظ وحماية حقوق الناس، والا تنقص أرصدتهم في البنوك الأجنبية! ويذهب ريع تجارتهم الحرة الى أصحابها الاصليين، وهم الشعب.
مما لا شك فيه ان من حق أي شخص أو دين أو طائفة أو مذهب أن يتباهى بأُمته وبدينه ومذهبه أن يقول: بانها أحسن أمة، وأحنف دين، وأنقى مذهب، وأبهى طائفة، ولكن ليس من حق أحد (شخص، رجل دين، ملك، سياسي، صاحب قرار،،،) أن يتباهى بأي شيئ مما طرحناه "إن كان في دينه أو مملكته أو بلده أو مذهبه أو طائفته --- إنتهاك لحقوق الانسان"، الذي يتباهى عندما يكون وطنه أو بلده هو الاول في الحفاظ على حقوق بني قومه، وليس الاخير! وكيف يتباهى بدولاراته وشعبه جوعان، وبقصوره ونفطاته وشعبه عطشان، وبديمقراطيته ومثقفيه في السجون، وبمحبته للآخرين ويصدرهم الموت والمفخخات، وبحرية الرأي ويذبح معارضيه بحد السيف، ألا نتعض ونقف متأملين ونفحص ضميرنا عندما يصدراعلان لحقوق الانسان نكون نحن أصحاب الديانات، أصحاب الحضارات، مصدري الاخلاق والقيم والقوانين والعلوم والحساب والفلك،،،،،، كل هذا ونكون في قعر القائمة لمنتهكي حقوق الانسان؟ أين الخلل؟ هل الخلل في الشعوب؟ هذا مستحيل طبعاً، إذن الخلل في الحكام والحكومات والمؤسسات التي تؤمن بالفكر الواحد، وطريق واحد، ودين أوحد، وقفل واحد مغلوق دائماً، جنس واحد، نوع وحيد، لون واحد،،، أين آدميتكم، أين إنسانيتكم، ماذا قدمتم لشعوبكم منذ أن أصبحتم أصحاب القرار ولحد الآن؟ نجاوب ونقول : إن كانت إنكلتره قد بدأت في سنة 1215 قد انتزعت "الميثاق الاعظم" لحقوق الانسان وتلتها دول العالم التي سُميت بالمتحضرة لاعطائها وحفاظها على حقوق وكرامة شعبها، نقول: هناك حساب بسيط - نحن الآن في سنة 2008 فإن طرحنا منها 1215 وهي سنة الميثاق الاول في التاريخ الحديث يكون الناتج 793 عام الفرق بيننا وبينهم في موضوعنا الاساسي الا وهو "حقوق الانسان" وهذا يعني اننا نحتاج الى هذه المدة لكي نصل الى ما هم عليه، بشرط أن نبدأ من الآن في تطبيق وتشريع قوانين وإعلانات تضمن حقوق الانسان وحرياته الاساسية، أي 8 قرون من أجيالنا اللاحقة ستمر بنفس الظروف التي نمر بها الان إن لم نقم بخطوات نحو الامام، والا سيبقى الفرق وتزداد المدة كما يحدث في موضوع فصل السلطات والحريات والديمقراطية والعدالة والمساواة، والنتيجة هي : آدمية الدولة تقاس بحقوق الشعب الأساسية
ك2 / 2008