Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حول التعقيبات على بيان رؤساء الكنائس الأرثوذكسية بشأن محاضرة قداسة البابا

طالعت على موقع عنكاوا الموقر خلال الأيام القليلة الماضية تعقيبا للسيد منصور توما ياقو، وقبله تعقيبا آخر للسيد جميل قرياقوس تناولا فيهما بالنقد والرفض بيان رؤساء الطوائف المسيحية الشرقية الأرثوذكسية في العراق حول ما ورد في محاضرة البابا بندكتوس السادس عشر في إحدى الجامعات الألمانية مؤخرا واعتُبر مسيئا للإسلام وما أدى ذلك إلى توترات دينية جديدة كنا نحن مسيحيو الشرق في غنى عنها.
وأود هنا أن أدلو بدلوي فأبدأ بالتأكيد على أنني لست بصدد الدفاع عن بيان رؤساء الكنائس الشرقية الأرثوذكسية الذي أعرب عن الأسف والألم لما جاء في كلام البابا مطالبا الفاتيكان بتقديم التوضيح.
لكنني في ذات الوقت لا ألوم السيدان الفاضلان أعلاه لسببين بسيطين، الأول هو أنهما ربما بعيدان عن الشارع العراقي وما يشهده من احتقان وتوتر، بمعنى أنهما حتما يعيشان خارج العراق، أو على الأقل لا يعلمان بخلفيات الأمر وكواليسه وتداعياته في الشارع العراقي.
والثاني هو أن من الواضح إنهما انطلقا في تقيبيهما هذين من أسس مذهبية، ويبدو أن التوتر الطائفي قد أصابنا نحن المسيحيون أيضا.
قداسة البابا ألقى محاضرته يوم الأربعاء الثالث عشر من أيلول الجاري، وبدأت التفاعلات وردود الأفعال في اليوم التالي.. وهنا أسأل: هل يعرف السيدان الموقران، وأبناء شعبنا المسيحي في العراق، أنه ومنذ طلوع صباح الجمعة الماضية الخامس عشر من أيلول الجاري توالت المكالمات الهاتفية على رؤساء الطوائف المسيحية في بغداد من مكاتب المراجع الدينية الإسلامية الشيعية والسنية على حد سواء مطالبين بتفسيرات لأقوال البابا؟.
هل يعلم الأخوان أعلاه أن المتصلين من مكتب أحد رجال الدين المعروفين اليوم في العراق وله ثقله السياسي والعسكري قالوا أن (جماهيرنا غاضبة وتنوي بعد صلاة الجمعة الخروج في تظاهرات حاشدة أمام الكنائس ونحن لا نستطيع السيطرة عليهم ولا نضمن ما سيحدث).
هل يعلم السيدان الفاضلان والقراء الكرام أن ما زاد الأمور تعقيدا هو أن هؤلاء الأخوة المتصلين من مكاتب المرجعيات الإسلامية الموقرة أكدوا لباقي رؤساء الطوائف المسيحية أنهم اتصلوا بغبطة سيدنا البطريرك مار عمانوئيل دلي بهذا الشأن، وإن إجابته لهم كانت (أن البابا رئيسي الأعلى ولا يمكنني معارضته)، وهو رد سليم ومنطقي رعويا وكهنوتيا بالنسبة إلينا، لكن هل كان يتفهمه هؤلاء الأخوة الغاضبون؟؟؟. وهل يمكن للغاضبين التمييز بين مسيحيي العراق الكاثوليك من الأرثوذكس من الشرقيين من البروتستانت وغيرهم؟؟.
هل يعرف السيدان الموقران أعلاه أن كنيسة للسريان الكاثوليك في بغداد قامت فور انتشار أخبار محاضرة قداسة البابا بتعليق يافطة على جدارها تستنكر فيها ما جاء على لسانه بشأن الإسلام؟، نعم تستنكر (نحن نستنكر ما جاء... إلخ(؟.
ماذا إذن؟.. هل كان ينتظر السيدان أعلاه التريث والانتظار وعدم صدور أي موقف لكي تسيل دمائنا من جديد وتحرق "ما تبقى من كنائسنا" لحين صدور إيضاح أو اعتذار؟؟. هل كانا ينتظران مذبحة جديدة للمسيحيين وكنائسهم في بغداد والموصل وكركوك والبصرة كما كانت التهديدات العلنية منها والمبطنة، لكي يقوما لاحقا بإرسال برقيات التعازي في الوجبة الجديدة من الشهداء؟.
كل هذه الأجواء المتوترة والملتهبة.. أوجبت على عدد من رؤساء الطوائف المسيحية في بغداد التحرك بسرعة لتدارك تداعيات الأمر وتجنيب المسيحيين مأساة جديدة هم في غنى عنها، فقاموا باستقبال عدد من ممثلي المرجعيات المسلمة في العراق في قاعة إحدى الكنائس في بغداد، وشرحوا لهم الأمر، وقدموا لهم نسخة من البيان الذي الذي وزع لاحقا بشكل سريع وواسع إلى عدد من وسائل الإعلام من الفضائيات العراقية والعربية والصحف اليومية حتى تم تهدئة الأمر.. على أمل صدور توضيح لاحق من حاضرة الفاتيكان؟.
نحن جميعا نكن كل التقدير والوقار لقداسة البابا ولجميع رعاتنا الروحانيين، لكن ذلك لا يمنع أن ما حدث لم يكن موفقا لا من حيث الزمان ولا المكان ولا من حيث تطورات الأحداث عالميا وإقليميا ودوليا، وما كان من إعراب البابا عن أسفه الشديد على طريقة فهم أقواله إلا دليلا على ذلك، وما زيارة غبطة سيدنا مار عمانوئيل دلي إلى روما حاليا للقاء قداسته إلا دليل آخر.. وما مخاوف أبناء شعبنا في العراق وأيام الرعب الأخيرة التي عاشوها إلا دليل آخر.. وما وما وما.
من هنا فقد كان على السيدان الفاضلان ومن يتفق مع رأيهما أن يفكروا لا بطريقة هذا بطريرك هذه الطائفة وذاك مطران تلك الطائفة، بل بطريقة الحرص على حقن دماء شعبنا العراقي عموما وأبناء كل المكونات فيه.. بطريقة من هو في فوهة المدفع، ويريد حقن الدماء البريئة ويجنب شعبه كارثة جديدة.. لأن الذي يده في الماء البارد ليس كمن يده في الماء الحار.. مع الشكر.
Opinions