درس اخر يا حكام!
لم يكن فهم النظام التونسي المهزوم للديمقراطية يختلف عن فهم باقي انظمة الحكم في البلدان العربية لها، حيث يتم اختصارها ببعض الآليات الانتخابية، التي يتم كذلك افراغها من محتواها سواء بتشريع قوانين على مقاييس الحكام واحزابهم وكتلهم المتنفذة، او من خلال فرض هيئات غير مستقلة للاشراف على الانتخابات، تتلاعب في نتائجها وتتستر على انتهاكها عبر التزوير بصوره المختلفة، وشراء الاصوات، واستغلال النفوذ، وغير ذلك وغيره، او عبر الارهاب الفكري والسياسي والجسدي الذي تمارسه هذه الانظمة ضد اي منافس يحمل مفاهيم التغيير الجذري. وبهذا المعنى فان الانظمة التي تتسلط على رقاب الشعب، تجعل من مشاركة المواطن مقتصرة على مساهمته في انتخاب رموزها وحسب، سواء بالترغيب او الترهيب، بالقناعة او الاكراه. وهذا هو شكل وجوهر "ديمقراطيتها" التي تتشدق بها. تاركة المواطن بعد ذلك في مواجهة مع الفقر والعوز والجوع والمرض والامية والجهل، والاحباط وفقدان الامل! وفي اليوم الذي تتمزق فيه شعاراتها البراقة، تذهب وعودها الانتخابية بتحسين الاوضاع ادراج الرياح، فلا يقبض منها المواطن في النهاية سوى ما علق بذهنه من خطب حماسية، وعهود وهمية، وامال خادعة.لا تريد هذه الانظمة ان تفهم ان الديمقراطية التي انتجها الفكر الانساني، وطورتها الممارسة السياسية، باتجاه ضمان حياة حرة تصان فيها الكرامة الانسانية. كما انها لا تتعض بالدروس البليغة التي يتلقاها متجبر بعد آخر، ممن أداروا ظهورهم لحقوق المواطنين وحرياتهم، ولم يؤمّنوا للناس، من جهة، حقوقهم في الاختيار والتنظيم والاحتجاج والسفر وفي الحقوق السياسية والمدنية اخرى، ولا، من جهة ثانية، حقوقهم في الخبز، والعمل، والتعليم، والمساواة، والضمان الاجتماعي.
الانظمة المستبدة لا تأخذ من الديمقراطية غير ما يؤبد بقائها متسلطة ظالمة لا تأبه بحاجات الشعب، ولا تتحسس آلامه، بل وتسرق الحكم وتوفر له شرعية مزورة، لان الانتخابات عندها ليست سوى وسيلة تؤمّن اعادة تربعها على قمة هرم السلطة، ولا دور للمواطن في قاموسها غير رمي ورقة التصويت في صندوق الاقتراع، ليرفع نسبة اصواتها. غير ان نسبة فوز الحكام مهما ارتفعت وبلغت، لا تعكس ثقة الشعب الحقيقية بالانظمة المتسلطة، وكلنا نعلم ان نسبة 87 في المئة التي حصل عليها رأس النظام المهزوم في تونس عن طريق الضغط والاكراه والتزييف والوعود الكاذبة، هذه النسبة التي طالما تشدق فيها، لم تحمِ نظامه ولم تمد في عمره يوما واحدا فوق اليوم المحتوم.
فالشعب لا ينسى الوعود التي تطلق في الحملات الانتخابية، وهو يتذكر شعارات التوزيع العادل للدخل، وبناء دولة المواطنة المتساوية .. الخ. مثلما يتذكر المزاعم ان الوظائف في المؤسسات الدستورية التي يعاد بناؤها " طبقا للحاجة الوطنية، وليس بهدف الترضية والتسوية"، متاحة لكل مواطن و"على وفق معايير الكفاءة والخبرة والمواطنة، بدون عزل وتهميش ولا محاصصات طائفية وحزبية"! وهو المواطن الذي زرعوا في داخله وهم الخوف من طائفة اخيه المواطن الاخر او قوميته، والذي لم ينتخب جوعا يتفشى، ولا امية تتسع، ولا امراضا تنتشر، ولا طائفية تمزقه، وانما انتخب الوحدة الوطنية، وفرصة العمل الشريفة، والوطن الامن و الحياة الافضل.
وما دامت اي كتلة انتخابية لم تحصل على نسبة من الاصوات كالتي سجلها الدكتاتور "بن علي" لنفسه، فان عليها اتقاء المصير المحتوم، والذي سيكون بالتاكيد على وفق طريقة اخرى غير مستنسخة !.