دور البرلمان في تشكيل حكومة ناجحة
احمد جويد/علينا أن ندرك إن النظام البرلماني هو نظام يتولى الحكم فيه عدد من الوزراء ويكون رئيس الوزراء مسئول مسؤولية تضامنية مع وزرائه أمام البرلمان والشعب. والمعني بتشكل الحكومة هو الحزب أو الكتلة البرلمانية التي تحصل على أكثر عدد مقاعد في البرلمان, وفي حال عدم حصول أي حزب على الأغلبية المطلقة يصار إلى تشكل حكومة ائتلافية تتكون من الأحزاب التي تستطيع الحصول على أغلبية برلمانية يأخذ كل حزب من الوزارات ما يتناسب وعدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها في الانتخابات البرلمانية.
ومعظم الدول التي يكون نظام الحكم فيها ملكياً يكون نظامها برلماني, كما ان هناك عدد من الجمهوريات أيضاً يكون نظام الحكم فيها برلماني ويكون منصب رئيس الدولة (الملك أو الرئيس) في هذا النظام منصب شرفي.
ولما كانت الحكومة في النظام البرلماني لا تستطيع البقاء في الحكم دون حصولها على ثقة البرلمان فإن رئيس الدولة يكون مقيداً في اختيار رئيس الوزراء من حزب الأغلبية، وإذا كان رئيس الدولة يملك من الناحية النظرية، حق تعيين رئيس الوزراء وإقالة الحكومة فهو مقيد أيضاً من الناحية العملية بوزن الأغلبية البرلمانية ومدى الثقة التي تنالها الحكومة المعينة أو المقالة من جانب هذه الأغلبية، ثم يقوم رئيس الوزراء بانتقاء زملائه من قيادة حزبه إذا كان هنالك حزب واحد قد أحرز الأغلبية، وتسمى هذه الوزارة (وزارة الاستحقاق الانتخابي)، وفي هذه الحالة يتم تشكيل الحكومة على ضوء نتائج الانتخابات، التي تجرى في البلاد، والتي على أساسها تم تكليف مرشح اكبر كتلة برلمانية لرئاسة الوزراء.
إن الكتلة البرلمانية أوسع من القائمة الانتخابية إذ بالإمكان انضمام عدة قوائم لتشكيل كتلة برلمانية واحدة - وهذا ما حصل فعلاً في الحالة العراقية- حين ذاك يتم انضمام كتلتين فائزتين أو أكثر إلى بعضهم في الدخول إلى قبة البرلمان ككتلة نيابية واحدة تستطيع أن تأخذ على عاتقها تشكيل الحكومة، وعلى هذا الأساس تُشكل الحكومة البرلمانية، التي تنبثق عن إرادة مجلس النواب وتكون مسئولة أمامه، وتخضع أعمالها لرقابته.
وبذلك يكون الحاكم الفعلي هو رئيس الوزراء ويكون المسئول الأول سياسيا على تنفيذ سياسات الحكومة وأدائها أمام البرلمان والشعب, ويكون جميع الوزراء مسئولين تضامنيا في نفس الحكومة في حالة فشل سياسات الحكومة، واستقالة رئيس الحكومة معناها استقالة جميع الوزراء ضمن تشكيلتها.
ما حدث في الساحة السياسية العراقية إن الكتل النيابية لم تلتئم تحت قبة البرلمان برغم وجود الكتلة النيابية الأكبر واستمرت في حالة التفاوض رغم تحقق الشرط الدستوري بوجود كتلة نيابية يمكن تكليفها بتشكيل الحكومة، وبالتالي صارت الكتل السياسية تبحث عن حلول خارج قبة البرلمان وخارج الإطار الدستوري مما فسح المجال إلى عودة المحاصصة الحزبية بين الكتل النيابية الفائزة في الانتخابات عن طريق ما يسمى بالتوافقات السياسية أو ما يسمى بـ(حكومة الشراكة).
هذا الأمر قد يثير العديد من المشاكل المستقبلية في شكل الحكومة ومضمونها، كما إنه قد يقود إلى حالة من الترهل في الهيكل الحكومي والاضطرار إلى استحداث وزارات ومناصب جديدة تكون عبء على ميزانية الدولة ومدعاة لفتح أكثر من باب للفساد المالي والإداري، كما قد تأتي بوزراء ووكلاء وزراء ومدراء عامين على نفس السياق الذي تم في تشكيلة الحكومة المنتهية، وإذا سارت الأمور على نفس السياق السابق فهذا يعني استمرار حالة التلكؤ في تقديم الخدمات واستمرار حالة الفساد المالي والإداري المستشري في دوائر الدولة وعرقلة شبه كاملة لجميع خطط الحكومة.
وبالتالي فإذا أراد البرلمان العراقي الحالي الخروج بتشكيلة حكومية جيدة قادرة على أداء واجباتها بصورة صحيحة فمن الأفضل أن يأخذ بنظر الاعتبار ما يلي:
أولاً: مساندته لرئيس الوزراء باختيار الوزراء الأنسب لتنفيذ البرنامج الحكومي من خلال منح الثقة للحكومة بطريقة التصويت على كل وزير بمفرده وليس على تشكيلة حكومية دفعة واحدة، وبالتالي يستطيع رئيس الوزراء أن يختار وزرائه من بين أكثر من مرشح يجب أن يقدم له من الكتل صاحبة الاستحقاق.
ثانياً: مادام البرلمان هو الذي يمنح الحكومة الثقة فهو المعني بحمايتها حينما يتخذ رئيس الحكومة قراراته بتنحية أي وزير لا يستطيع أن يقوم بمهامه الحكومية بالشكل المطلوب، من خلال وقوفه إلى جانب رئيس الوزراء في حال قيام كتلة الوزير المُنَحى بعرقلة سير أعمال الحكومة وخططها من خلال وجود كتلة الوزير المعني داخل البرلمان.
ثالثاً: كما ان للبرلمان حق حماية الحكومة المنبثقة من خلاله، كذلك عليه أيضاً واجب تفعيل دوره الرقابي على جميع أعمال الحكومة، وأن يقوم باستضافة أو استدعاء أي مسئول حكومي يؤشر عليه التقصير في عمله أو يسكت عن استباحة المال العام.
رابعاً: أن يقوم البرلمان وقبل التصويت على الميزانية السنوية في نهاية كل سنة بتقييم عمل الحكومة للعام الماضي وإيجاد مواطن الخلل في أداء الوزارات والتنبيه عليها وتشكيل لجان لمتابعتها في السنة القادمة وفي حال استمرار أي منها على عدم معالجة أخطائها السابقة يصار إلى استدعاء الوزير الذي يثبت تقصيره إلى قبة البرلمان ومحاسبته.
خامساً: تفعيل الدور الرقابي للجنة النزاهة المشكلة داخل البرلمان وإصدار قوانين تحمي وتكفل للإعلام حرية رصد التجاوزات الحكومية ونقلها إلى الجهات المختصة وللرأي العام باعتباره سلطة رابعة دون تعرضه إلى أية ضغوط من قبل السلطة التنفيذية.
ومن خلال كل ما تقدم يستطيع البرلمان العراقي الحالي أن يلعب دوراً ايجابياً وكبيراً في رسم سياسة الحكومة وتنفيذ برامجها بالشكل المرسوم لها بمهنية عالية دون أن يتأثر العمل الحكومي بمأثور المحاصصة الذي حصل في الحكومة الماضية والذي عرقل الكثير من أعمالها.
* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث
http://shrsc.com