ديمقراطية للبيع
عندما يمتلك الإنسان شيئا مهما و غاليا على قلبه يتمسك به بكل ما أوتي من قوة و لا يفكر بالتخلي عنه أو التضحية به إلا إذا صادفته ظروف قاهرة تفوق قدرته على تحمل كلفة الاحتفاظ بذلك الشيء سواء كان عقارا أو مواد قابلة للاكتناز أو حتى المبادئ والقيم . فكبار السن دائما يكررون جملة بسيطة عن بيع و شراء الممتلكات الشخصية ويقولون أن المعروض للبيع دائما لا يكون بمواصفات جيدة وإلا كيف استطاع صاحبه التخلي عنه و بيعه في السوق و خير مثل على ذلك هو البقرة الحلوب فلا يمكن أن يفكر صاحبها ببيعها إلا إذا دفعته أسباب عديدة إلى ذلك و مع هذا فهو سيشعر بحزن شديد لأنه تخلى عن منافع كثيرة و نادرة كان يحصل عليها من تربية هذا الحيوان الأليف.وأشبه ما تكون عملية البيع هنا بما سبق ذكره في العنوان فما زلنا للأسف لم نفهم الديمقراطية وأهميتها وربما لو وضعناها في موقع مقارنة مع ما يحدث في بلدنا اليوم فسنكون أول المتخلين عنها لان كلفة الاحتفاظ بها باهظة جدا وربما نحن في ذلك نعاني من قصور أو خلل في نظرتنا للأمور لأننا لا نضع هذا المبدأ المهم جدا في مكانه المناسب و ننسب في لحظة يأس كل ما يحدث لنا من ماسي للحرية التي هبطت علينا فجاءه وللديمقراطية التي مارسناها بسرعة خلال و قت قصير جدا . ليس العيب في هذا الأسلوب الراقي من الحياة بل قد يكون السبب هو عدم تفهمنا لشروط البقاء و احترام واحدنا للأخر. فالديمقراطية لا تعني التهجير القسري و خلق فواصل بين مكونات الشعب الواحد وإبعاد هذا الطرف أو ذلك عن العملية السياسية إلا إذا كنا كشعوب متخلفة لا زلنا لا نعي حقيقتنا الكاملة و ننظر إلى ماضينا المليء بالضعف والانكسارات وكأنه أمجاد خالدة وإلى أرضنا الخصبة والمليئة بالثروات مستودعا غنيا قادرا على أعالتنا وتحقيق الرفاهية لنا دون إن نوازن ذلك الأمر بمدى شعورنا بالمسؤولية وبالوقت فالزمن يمر وهو عامل مهم وكلما تراكمت سنوات الحروب وعدم الاستقرار السياسي كلما فقدنا المزيد من الأمل في الوصول إلى حياة حرة وكريمة في بلدنا وخسرنا الكثير من الطاقات وفرص النهوض التي تساعدنا على الاحتفاظ بهذا المولود الجديد الذي لا زال الكثير منا لم يعرف بعد ما هو جنسه ذكر مهم أم أنثى ستشكل عبئا حسب تقاليدنا ولم نكيف أسماعنا للإصغاء إلى صوته الرقيق وحتى لو ادعينا بأننا حملناه عدة مرات فالكثير من العراقيين يعترفون على همجيتنا الكاملة في التعامل مع هذه المبادئ الوديعة والاختراقات الكثيرة التي حصلت في تجاربنا خير دليل على ذلك واليوم لازلنا غير مستعدين للتنازل عن ديمقراطيتنا وقيمها الحلوبة ولكن بلدنا أيضا مهم . فهل سنتفرج على استقطاعه إلى أجزاء تحت مظلة الديمقراطية أم سنفضل كل القيم الخاطئة حتى لو كانت الديكتاتورية وإلغاء رأي الجميع وليس رأي فريق واحد فقط أو فريقين مكتفين بثمن واحد هو حريتنا لقاء الاحتفاظ بأخوتنا كشعب واحد وببلدنا كوطن شاء أم أبى التاريخ فرقه وعاد ليجمعه مرة أخرى تحت مسميات عديدة كلها تعبر عن أرض يخترقها نهران صغيران . وإذا أستمر الحال كما هو عليه اليوم فالعراقيون الفرحون بديمقراطيتهم أول من سيفتح المزاد ويعرضونها للبيع لكي يتخلصون من كلفتها الباهظة.