ذاكرة من المجازر الأرمنية" لـ سيما كشيشيان"
سيما كشيشيان في كتابها الوثيقة "ذاكرة من المجازر الأرمنية" تسجل قصة عذاب من واقع الحياة. انها قصة شيخ جليل تدونها الكاتبة بعد مماته كما وعدته، لغرابة حوادثها ووقوفها على مصاعب وآلام تغلّب عليها، مثل سواه من الأرمن الذين نجوا في أعجوبة من المذابح الهمجية متسلّحين بإيمانهم الذي من أجله اضطهدوا وتشرّدوا وقتلوا وسلبت منهم أعزّ ما يمتلكون: أرضهم المقدّسة.في صيف 1987 كانت سيما كشيشيان جالسة على شرفة منزلها في الجبل، في المروج، حين حيّاها رجلٌ مسنٌّ، أعلمها أنه أصلاً من مرعش حيث كان يقطن أرمن تركيا المهجّرون، وأنه نجا من المذابح. وفي الأيام اللاحقة للقاء يروي ابو سركيس الشيخ هذا الملقّب بميشيل الأرمني قصّة حياته من ألفها الى يائها.
انه هوفسب مالدويان من مواليد 1904 في "مرعش"، درس في "عثمانية" ثم كانت هجرته مع عائلته الى المجهول، وفي 1916 وصل الى بسكنتا وهناك خدم في منزل ضابط أرمني وكرّت سبحة حياة هوسب التعيسة. ثم الى جونيه حيث كنيسة مار الياس، فالى باب إدريس في بيروت ومن هناك الى دار للأيتام، ومنه فرّ ليستجدي ويفترش الطرقات ليلاً ثم ابتسم له الحظّ مع وصول الفرنسيين بدلاً من العثمانيين، وكانت رحلة البحث عن أهله.
الكاتبة كشيشيان تقصّ في هذه الوثيقة احدى قصص حملات التطهير والإبادة والتهجير التي قام بها الأتراك في العقدين الأولين من القرن العشرين وذهب ضحيتها الأبرياء من الشعب الأرمني، والقصة تستند الى وقائع حية وصادقة عاشها وعانى منها أحد المواطنين الأرمن اذ كتبت له النجاة بقدرة قادر.
في مقدّمته الى "الذاكرة" يشير المحامي جاك عقل الى ان الكاتبة صرفت جهداً كبيراً وسعياً عظيماً ووقتاً طويلاً في تدوين هذه الوثيقة التي تكشف للقارئ الكثير من الحقائق التاريخية التي ظلّت خافية ومطموسة لزمن طويل، فكان لا بدّ منها لمعرفة الأسباب والنتائج الخاصة بحقبة رهيبة لم يشهد مثلها تاريخ شعب من الشعوب المتحضّرة.
والغريب العجيب في هذه القصة انها تحتوي على معلومات خطيرة ومهمة ومثيرة يجهلها الكثيرون من المؤرّخين، لا بل أهل البيت، عن حياة رجال الاستقلال والحكّام والسياسيين وكبار التجّار والنافذين ومشاهير الطبقة البرجوازية وما رافقها من بزخ وترف ومجون، وهي خصوصيات يكشف عنها النقاب للمرة الأولى، وهي مذهلة ومحيّرة تبهر الأبصار وتفتل العقول، جرى سردها على ذمّة من رواها.
"ذاكرة من المجازر الأرمنية" سرد واقعي ودقّة متناهية من الصدق والأمانة، وتحليق سامٍ من القصّ الأنيق، والوثيقة، الى ذلك، مغامرة كتابية ناجحة وجريئة.
عن موقع تباين