ذكرى مذبحة صوريا ، استذكار لشهداء الأمة الكلدانية
تمر علينا هذه الايام الذكرى الأربعون للمجزرة النكراء التي نفذت بحق ابناء شعبنا الكلداني المسالم في قرية صوريا الكلدانية التي راح ضحيتها العشرات من الابرياء اطفالاً ونساءاً و شيوخاً ، بالاضافة الى العشرات من الجرحى و المعوقين..هؤلاء الأبرياء لم يكونوا مسلحين او مفتعلين لأعمال تقلق و تزعج النظام الفاشي الحاكم في حينه ، ذنبهم الوحيد هو ان قريتهم المنكوبة كانت تقع على طريق سير القوافل العسكرية التي يتحكم بقيادتها جلاوزة النظام المتعطشة للدماء ، ليصبحوا ابنائها بذلك صيداً سهلاً لوحوش كاسرة دون رحمة او وخزة ضمير او مخافة الخالق.
و عن تفاصيل المذبحة يقول الناجون من ابنائها : " عندما كان الجنود يجبرون سكان القرية باعقاب وحراب بنادقهم كان البعض يفكر بالفرار الا ان الاب حنا قاشا الذي لم يدرك بان وحوشا كهؤلاء و سادتهم في بغداد ليس لهم مثيل على هذه الارض على الاطلاق، نصح بعدم القيام بهذه المحاولة وطلب من سكان القرية ان يتجملوا بالصبر ويركنوا الى الهدوء وبعد لحظات حينما أتم الجنود جمع سكان القرية سحب الملازم عبد الكريم الجحيشي اقسام رشاشه . في هذه اللحظة ادركت ( ليلى خمو) ابنة المختار ما سيحصل فقفزت عليه وامسكت بماسورة الكلاشينكوف بقوة وحينما ادرك الملازم استحالة انتزاع الغدّارة من قبضتها سحب مسدسه واطلق النار على رأسها فأرداها قتيلة في الحال، ثم بدأ باطلاق النار من رشاشه على المدنيين من دون تمييز وكلما نفذت رصاصاته استبدل مخزن الرشاش بمخزن جديد وراح يواصل اطلاق النار حتى اذا ما تأكد بأنه لم يبق انسان قائما امامه اصدر اوامره الى الجنود المحيطين به بأن يبقروا الاجساد المثخنة بالجراح بحراب بنادقهم ويضرموا النار في بيوت القرية والسور المحيط بها لكي يحولوا دون محاولة بعض الناجين من الفرار".
سكان القرية المجاورة الذين هبوا لانقاذ الجرحى واوصلوهم الى المدن القريبة جوبهوا برفض مسؤولي المستشفيات تقديم العلاج لهؤلاء الضحايا ولولا تدخل ( بعض) الاطباء والشخصيات المحلية لما تم ادخالهم الى غرف العمليات واجنحة هذه المستشفيات والكثير من الاطفال الذين نجو من هذه المجزرة باعجوبة تشبثوا بجثث ذويهم واخوتهم لساعات طويلة ولم يفارقوا مكان المجزرة الا بعد ان فصلوا عن الجثث بقوة، في هذه الاثناء كان الجنود يمنعون الناس من الوصول الى موقع الجريمة لدفن الموتى وتركوا أجساد الضحايا لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال كاملة ما جعلها فريسة الطيور الكاسرة والكلاب السائبة " .
و يقول الكاتب "شوقي بدري" في وصفه لاحداث المذبحة : (( انه فى 16 ايلول1969 حدثت مذبحه صوريا فى بدايه وصول صدام للسلطه . فلقد انفجر لغم فى سيارة عسكريه بالقرب من قريه صوريا . وبالطريقه النازيه التى كان يمارسها الالمان فى البلاد المحتله اتجه الجيش لاقرب قريه وجمعوا كل الناس وطلبوا منهم ان يأتوا بمن وضع اللغم . ولم يشفع لهم قولهم بانهم فلاحون مسيحيون ليس لهم درايه باستعمال السلاح . وتصادف ان كان القس فى زيارة الى القرية، فحاول ان يتوسط ويناشد الضابط عبد الكريم الجحيشي فقال الضابط لرجاله بما معناه ( هذا الكلب الاسود ارموه اولاً ) . اشاره الى رداء القس الاسود .
فى زيارتى للقرية (لا زال الكلام للكاتب المذكور اعلاه) تحدثت مع العجوز بطرس والشاب عماد , و وسط شعور الالم والاحساس بالمراره تكونت عندى صورة واعطونى كتيب مذبحه صوريا باللغه الكرديه . وما عرفته منهم ان ابنة المختار ( ليلى) اندفعت تستجدى الضابط عبد الكريم لكى لا يقتل والدها المختار , الا ان الضابط اطلق النار على والدها وصرعه فهجمت ليلى عليه وانتزعت رشاشته فقاموا بقتلها وعقاباً لها أُلقيت فى النار بعد ان احرقوا القريه .
ولم يكتفي المجرم القاتل بهذه الجريمةالبشعة، بل اعطى اوامره للجنود بحرق المحصول الموجود في كل بيت و قتل المواشي في القرية. ومات عدد كبير من الجرحى نتيجة اصابتهم بحروق و عدم استطاعتهم الهرب من القرية.)).
بعد تنفيذ المجرم الجحيشي و جلاوزته لهذه الجريمة الشنعاء لم تشبع غريزتهم ، بل راجعوا مستوصف ناحية العاصي و امروا موضفي المستوصف بعد اسعاف الجرحى، وفعلاً نفذت اوامره خوفاً من بطشه و تهديداته.
و من اللذين نجوا من المذبحه الطفل سمير الذى لم يزد عمره عن اربعين يوماً وجدوه حياً بين الجثث فى اليوم الآخر وكانت امه قد حمته بجسمها . اما والده منصور وشقيقته سميره فلقد تصادف انهما كانا فى بلدة زاخو الكبيره .
ولنستمع الى ما قاله المرحوم البرزانى عن هذه الجريمة فى احدى مذكراته الى هيئه الامم المتحده ..( وابيد فى يوم 16 ايلول 1969، 97 مواطناً قتلاً وجرحاً هم كل سكان قريه صوريا غرب زاخو. وقذف الجنود بالاطفال منهم وهم فى مهودهم الى الماء فغرقوا فى النهر. وكان القس الكلدانى حنا قاشا بين القتلى ايضاً . )) .
و اليوم عندما نتذكر شهداء صوريا ، نستحضر بطولات و قصص الشهادة لأبناء الأمة الكلدانية خلال العصور التي توالت بعد سقوط المملكة الكلدانية 539ق.م و الى وقتنا الحاضر، كمذابح الملك الفارسي شاهبور في سنة 339م والتي امتدت نحو اربعة عقود من الزمن ، وثم مذابح التتر و المغول سنة 1258م ، وصولا الى مذابح السلطان عبدالحميد منذ سنة1895م و ما بعدها و التي شملت (مذابح و قتل الآلاف في قرى علي بكار و نصيبين و القوافل في 10 ،11 ،15 حزيران 1915، و مذبحة سعرت و شهادة المطران أدي شير في 17 حزيران 1915، و مذبحة حوزة و باتة بين الاعوام 1914- 1916م و التي راح ضحيتها آلاف الكلدان ، مذابح نصيبين و دارا في 15 حزيران في العام 1916م).
و كذلك كل الكلدان الذين استشهدوا منذ تأسيس دولة العراق وهم يناضلون ضمن الاحزاب الوطنية و الكردستانية من أجل تحرير شعب العراق من بطش الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة على رقاب أبنائه ، الى ضحايا نظام صدام وزمرته الدموية ، وشهداء حربي الخليج ، ثم شهداء احداث السنوات الاخيرة التي شهدت هجمات شرسة من قبل الارهابيين و قوى الشر و الظلاميين ضد الكلدان و التي شملت تفجير الكنائس و خطف و قتل المئات من ابنائه ، منهم الأب الشهيد رغيد كني و رفاقه الشمامسة وحيد و بسمان و غسان في الموصل بتاريخ 3/6/2007 ، و استشهاد مرافقي المطران رحو اثناء اختطافه ، سمير وفارس و رامي في الموصل بتاريخ29/2/2008 . ثم استشهاد المطران مار بولص فرج رحو في 13/3/2008. و معاناة الشعب الكلداني لا زالت مستمرة في بلده الأم و مازالت دماء شهدائه تروي تربة وطنه ترافقها قصص الغدر والإضطهاد يندب لها جبين الانسانية.
بهذه الذكرى الاليمة نشعل الشموع على أرواح شهداء أمتنا الطاهرة ، و نضع اكاليل الزهور على أضرحتهم اكراماً و اجلالاً لدمائهم الزكية التي روت تراب هذه الارض المقدسة من اجل زرع بذرة المحبة و السلام و الأيمان في قلوب ابنائه.
لنجعل من ذكرى مذبحة صوريا رمزاً خالداً و يوماً مميزاً و تذكاراً للآلاف من شهداء الأمة الكلدانية الابرار الذين ذبحوا و أُعدموا بمزاج تفوقي عنصري و بطريقة وحشية ، فهذا اقل واجب يمليه علينا ضميرنا تجاه التضحيات الكبيرة و ملاحم البطولات و الشهادة التي سطرها ابناء هذه الأمة على مر العصور.
سعد توما عليبك
saad_touma@hotmail.com