ذهب بوش.. فهل ستقلُّ كراهيتنا لأمريكا؟
-1-استعرضنا في مقالنا السابق( ذهب بوش.. وبقي العراق) ثلاثة أسباب لكراهية العرب للسياسة الأمريكية في عهد جورج دبليو بوش، وهنا نُكمل بقية الأسباب:
4- كان الشارع العربي بفعل الأحزاب الدينية والقومية والشيوعية الفاعلية فيه، يعتقد ويجزم، بأن أمريكا تدعم النظم الديكتاتورية في العالم العربي، وتقدم الحماية لها. في حين أن الإتحاد السوفيتي، هو الذي كان يدعم الدكتاتوريات العسكرية في العالم العربي. فدعم عهد عبد الناصر في مصر، وعهد بومدين في الجزائر، وعهد حافظ الأسد في سوريا، وعهد صدام حسين في العراق، وعهد القذافي في ليبيا، والنظام الماركسي في جنوب اليمن. وبالمقابل كانت أمريكا - لحفظ ميزان القوى بالمنطقة - تدعم الملكيات العربية عامة، والأنظمة العربية المعتدلة في الخليج.
5- كان العرب عامة، ينظرون إلى أمريكا خاصة، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 بعين الحسد للغني والغيرة من القوي. وهي نظرة وإن كانت طفولية ساذجة، ويستهجنها البعض، ويسخر منها، إلا أنها كانت تمتزج بمشاعر الكراهية الأخرى لأمريكا، بعد أن أصبحت أمريكا القطب الأوحد والقوة العظمى الوحيدة في العالم. ورغم هذا، كان النموذج الأمريكي في المأكل، والمشرب، والملبس، والموسيقى، والغناء، والسينما، والحياة العامة، هو الطاغي في العالم العربي، دون أي نموذج أوروبي آخر. وهذه المشاعر العدائية لأمريكا، لم تكن خاصة بالشعب العربي وحده، ولكنها كانت لدى بعض الشعوب الأوروبية ومنها فرنسا. وكلنا يذكر مشاعر العداء، التي كانت لدى ديجول والشعب الفرنسي، خلال الستينات من القرن الماضي خاصة، وما بعدها، رغم أن أمريكا لعبت دوراً رئيسياً في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، عشية الحرب العالمية الثانية، عام 1944، وتعهدت بإعادة تعمير أوروبا من خلال "مشروع مارشال" الشهير. ويوجد في فرنسا (النورماندي) حتى الآن مقابر لأكثر من 9 آلاف جندي أمريكي، لقوا حتفهم فيما عُرف بـ "إنزال النورماندي" في الحرب العالمية الثانية.
6- التصق عهد الرئيس بوش بفضائح سجون أبو غريب، وغونتانامو، الذي يقال أنه جرت فيهما حالات تعذيب غير إنسانية، مما دفع باراك أوباما، لأن يتخذ لأحد شعاراته الانتخابية تعهداً بإغلاق معسكر غوانتانامو. وكان هذا الإجراء أول القرارات الحاسمة التي يتخذها الرئيس أوباما بعد توليه الرئاسة، وذلك بإغلاق هذا المعسكر خلال عام. وكان لفضائح هذين السجنين دوي كبير في العالم العربي والإسلامي، وفي العالم كله، مما لطخ سمعة الرئيس بوش، ولطخ عهده بالإرهاب والقتل. وهو الإرهاب الذي جاء من أجله في الشرق الأوسط، وغرق في مستنقعاته، وسبب كراهية شديدة لأمريكا، لم تبلغها حتى أثناء حرب فيتنام.
7- نهج الرئيس بوش نهجاً دينياً مسيحياً في غزوه لأفغانستان والعراق. ولعله كان من أكثر الرؤساء الأمريكيين ارتباطاً بالدين المسيحي. وقد أعلن عدة مرات بأنه يتلقى الأوامر الإلهية للأفعال سياسية. وهو شيء مستهجن من رئيس دولة علمانية. وفي مقال نشرتُه في 24/8/2008 تحت عنوان (هل نقل الرئيس بوش مكتبه من البيت الأبيض إلى الكنيسة؟) رصدت فيه التوجه الديني/السياسي لجورج بوش، خاصة عندما قال في 2002 ، بأنه يشنُّ حرباً صليبية على الإرهاب، علماً بأنه كان يقصد بكلمة "Crusade " "الحملة"، كما هو معناها في القاموس، وليس بمعنى "الحرب الدينية" كما فُسرت في الشرق الأوسط، وكما جرت في القرن الثاني عشر، والتي ما زالت في ذاكرتنا. ومن هذه التوجهات التي رصدتها في المقال المذكور، نختار أهم ثلاثة منها:
1- قول بوش في شرم الشيخ، في أغسطس 2003 : "أنا أقوم بمهمة بأمر من الله، إن ما أقوم به من حرب في أفغانستان ضد الإرهاب هو أمر من الله. لقد أبلغني الله أمراً يقول: جورج اذهب، وحارب هؤلاء الإرهابيين في أفغانستان، فذهبت إلى أفغانستان. ثم أمرني الرب بأن أذهب وأحارب الطغيان في العراق، فذهبت وحاربته".
2- قول بوش في بنسلفانيا في التاسع من يوليو 2004 : "أنا رئيس ملهم من الرب، وبدون هذا الإلهام لا أستطيع أن أقوم بعملي".
3- تصريح بوش، أثناء حفل الإفطار للمصلين من أمريكا اللاتينية في واشنطن، في 16 مايو، 2000: "ليس هناك قوة تساعد على التغيير في أي بلد في العالم، كالعقيدة الدينية".
-2-
وهذا التوجه الديني الشخصي للرئيس بوش، رسخَّ في الذاكرة العربية المعاصرة، كون الرئيس بوش في حربة على الإرهاب في الشرق الأوسط، يعني حربه على الإسلام باعتبار أن كل الحركات الإرهابية في الشرق الأوسط، هي حركات إسلامية تُدير وتمتهن الإرهاب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما لا يعني هذا التوجه الديني لجورج بوش أنه كان حاكماً مسيحياً متديناً لدولة عَلْمانية. فحتى لو افترضنا ذلك، فإن قرارات هذه الدولة العَلْمانية، لم تتأثر بتدين جورج المسيحي، وذلك بفضل قوة المؤسسات السياسية العَلْمانية الأمريكية، التي تتحكم بالقرار السياسي الداخلي والخارجي، وذلك ما عدا إعطاء الفرصة لليمين الديني المسيحي المتطرف للبروز، وتقوية هذا الجناح في المجتمع الأمريكي على كافة المستويات، وخاصة المستوى الاجتماعي.
-3-
والآن ذهب بوش، وبقي العراق.
وذهب بوش، وبقيت أفغانستان.
فالحكام يذهبون في كل أصقاع الأرض وفي كل الأزمنة، وتبقى الشعوب حية، تعمل، وتكافح، وتزدهر.
ولو لم يكن هذا الرئيس الأمريكي بهذه التركيبة السياسية الدينية، لما أقدم على خطوة سياسية مهمة وصعبة وتاريخية، وهي شنُّ حرب على العراق، من أجل القضاء على واحد من أعتى أنظمة الحكم الديكتاتورية في العالم العربي.
وشكراً لابن لادن، كما قال المفكر المصري سيّد القمني، في كتابه ("شكراً ابن لادن"، 2004)، وفيه يقول القمني، أن ظهور بن لادن، ساعد كثيراً على كشف عورات أمتنا، ومنها الإرهاب.
ولنكن واقعيين وشجعان ونقول، أنه لولا جورج بوش، وليست أمريكا، لما تمَّ تحرير أفغانستان من حكم طالبان، ولما تمَّ تحرير العراق من حكم صدام حسين. فلو كان في أمريكا رئيس غيره لما فعل ذلك. سواء تمَّ هذا التحرير بطريق الخطأ والمعلومات الخاطئة غير الصحيحة التي قُدمت للرئيس من قبل أجهزة المخابرات المركزيةCIA، أم كانت النية حقيقية لاقتلاع طالبان المتسببة، والحامية، لإرهابي 11 سبتمبر 2001، واقتلاع صدام حسين من العراق، لكونه يمثل تهديداً لأمن المنطقة من خلال غزوه المشين للكويت 1990، ومن خلال تهديده لأمن جيرانه الآخرين.
وسيبقى غزو أفغانستان وغزو العراق علامة فارقة ومهمة في تاريخ الشرق الأوسط. وسيبقى التدخل العسكري الأمريكي مهماً كأهمية دخول أمريكا الحرب العالمية الثانية، وتحرير أوروبا من النازية والفاشية، وكأهمية الحملة الفرنسية على مصر 1798.
وكما أنكرت فرنسا بالذات في الستينات التضحيات الأمريكية من أجل تحريرها من النازية، فقد أنكر العرب على الرئيس بوش وعلى أمريكا، كل تضحياتهم في العراق وأفغانستان، ونظروا، وركَّزوا على نصف الكأس الفارغ، ونسوا، وتغاضوا عن نصف الكأس الملآن، بدماء الجنود الأمريكيين.
-4-
الحرب ليست نعيماً كلها، وليست جحيماً كلها.
وكما كان لاشتراك أمريكا في الحرب العالمية الثانية من أخطاء كثيرة، كان لها في حربها على الإرهاب في الشرق الأوسط أخطاء كثيرة، ونتائج مدمرة، منها حلُّ الجيش العراقي، وحلُّ الدولة العراقية، تكراراً لما جرى في اليابان 1945، دون النظر إلى الفوارق الكثيرة بين اليابان وبين العراق. فكانت هذه الأخطاء، وسخط العالم العربي عليها، إضافة لما كان يُنشر من وسائل التعذيب في السجون العراقية، ومنها سجن أبو غريب، من جملة الأسباب التي حالت دون الاستمرار في الإطاحة بدكتاتوريات أخرى في الشرق الأوسط، والاكتفاء الآن بما جرى في العراق.
ولكن علينا أن لا ننسى، أن كراهية العرب لأمريكا إلى هذا الحد، الذي هي عليه الآن، لم تكن بسبب غزو أفغانستان أو العراق، ولكن هذه الكراهية سابقة، نتيجة لفشل أمريكا في حل القضية الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية، بالدرجة الأولى.
فهل أمريكا مسئولة عن هذا مسئولية تامة وكاملة، أم أن لإسرائيل والصراع الفلسطيني- الفلسطيني، قبل وبعد رحيل عرفات، كان هو السبب كذلك حيث لا كلمة واحدة موحدة، ولا قرار واحداً موحداً لكل القيادات الفلسطينية المختلفة.
رابط ذو علاقة
ذهب بوش.. وبقي العراق