وقالت رئاسة الجمهورية في العراق، في بيان لها الأحد الماضي، إن رشيد شدد خلال اجتماعه مع مساعد الأمين العام على أهمية التحرك في ملف النازحين وتقدم نتائج ملموسة في هذا الصدد، مشيرا إلى أنه يجب إنهاء هذا الملف بإعادة النازحين إلى مناطق سكنهم.
ما هي العقبات التي تقف في طريق عودة النازحين بعد سنوات من القضاء على تنظيم داعش.. ولماذا يناشد الرئيس المنظمات الدولية وليس الحكومة العراقية، وهل هناك حسابات سياسية تتحكم في قرار إنهاء معاناة النازحين وطي تلك الصفحة السودان من تاريخ البلاد؟
بداية، يقول الدكتور قحطان الخفاجي، نائب رئيس لجنة العلوم السياسية في المنتدى العراقي للنخب والكفاءات، إنه "رغم قناعة الجميع بأهمية إنهاء ملف النازحين لما له من أثر سيء على المواطنين، لا سيما أولئك الذين عانوا منذ سنوات من شغف العيش وضنك الحياة رغم تداعيات هذه المعضلة على التلاحم المجتمعي، إلا أننا نلاحظ أن الجهات المعنية بإدارة الشأن العراقي في بغداد وغيرها، غير جادين لإنهاء تلك المشكلة".
النزوح والغزو الأمريكي
ويقول الدكتور خالد النعيمي، الباحث العراقي في الشأن السياسي والأمني: "لا شك أن قضية النازحين والمهجرين العراقيين كانت إحدى نتائج الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان/أبريل عام 2003، حيث بدأت هجرات جماعية لملايين المواطنين العراقيين إلى خارج وداخل العراق، نتيجة العمليات العسكرية والقصف والدمار الذي طال المنشآت المدنية والخدمية والأسواق والمساكن.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "العمليات العسكرية لم تكن السبب الوحيد في النزوح، بل كانت هناك عمليات انتقامية قامت بها مجاميع خاصة تم تدريبها من قبل المخابرات الأمريكية الـ "CIA" في بعض الدول الأوروبية قبل الغزو، وكذلك مجموعات ومليشات داخلية بدأت باستهداف المواطنين على الهوية والانتماء المذهبي والطائفي، مع التركيز على موظفي الدولة من علماء وأكاديميين وضباط وطيارين ومنتسبي الأجهزة الأمنية".
وتابع النعيمي: "لقد كان نصيب دول الجوار في الأشهر والسنوات الأولى دور في استيعاب الأعداد الكبيرة من النازحين خاصة الشقيقة سوريا التي فتحت أبوابها وحدودها لكل الأطياف العراقية، وسهلت لهم الدخول والإقامة والانتقال في أعقاب اشتعال الحرب الطائفية بعد حادثة تفجير المرقدين العسكريين في سامراء في شهر فبراير/شباط 2006".
المنعطف الأخطر
وأوضح الباحث السياسي، أن الأمور لم تكد تهدأ قليلا، إلا وتدخل البلاد في منعطف هو الأخطر في تاريخها عندما تمكنت عصابات تنظيم داعش الارهابي (المحظور في روسيا) من دخول مدينة الموصل في حزيران/ يونيو عام 2014 والسيطرة على عدد من المدن والمحافظات العراقية، وبما يعادل ثلثي مساحة العراق وإعلانها عن دولة الخلافة الإسلامية و تواطئ حكومي و تخاذل قوات المالكي، ليبدأ فصل جديد من القتل والمجازر والتهجير دفعت بعض الأطياف والمكونات العراقية ثمنا كبيرا لها خاصة أبناء المكون الأيزيدي والمسيحيين في مناطق تواجدهم التاريخية في سهل نينوى.
وأشار النعيمي، إلى أن المأساة التي يعاني منها النازحون والمهجرون العراقيون في المخيمات والمعسكرات، بسبب الجوع والمرض ونقص التمويل والخدمات لا يمكن وصفها، وأن الحكومة العراقية وأحزاب السلطة ومليشياتها تتحمل المسؤولية الأكبر في استمرار هذه المأساة، فبدلا من مناشدة رئيس الجمهورية الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية، كان الأجدر به أن يتوجه إلى حكومته لكي تستنفر إمكاناتها وتسرع إجراءاتها في تسهيل عودة هؤلاء النازحين والمهجرين، وتوفير كل أسباب عودتهم إلى مدنهم وقراهم وتعويضهم تعويضا مجزيا يعينهم على مواصلة حياتهم واندماجهم مع مجتمعهم، خاصة وأن الموارد المالية المتوفرة لدى الحكومة العراقية ليست بالقليله وقادرة على تغطية كافة احتياجاتهم وتأمين حياة كريمة ومستقرة لهم.
مشهد مظلم
من جانبها، تقول الدكتورة ألاء العزاوي، المدير التنفيذي لمركز بابل للدراسات المستقبلية في العراق، حقيقةً أن قضية النازحين هي المشهد الأكثر عتمة في حياة الشعب العراقي، لا شك أن أغلب شرائح المجتمع لها معاناتها، لكن موضوع النزوح له جانب خاص، إذ أن هؤلاء المواطنين أخرجوا من بلداتهم ومدنهم قسرا بسبب العمليات العسكرية التي شهدتها تلك المدن نتيجة اجتياح التنظيم الإرهابي لها.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك": "بالنسبة لي لا أرى الموضوع إلا قد تم بفعل فاعل ومع سبق الإصرار لإفراغ المدن من سكانها والسيطرة عليها و إحداث التغييرات التي تتطلبها أجندة المحتل".
تعطيل الملف
وعبرت المصطاف عن اندهاشها من مناشدة الرئيس العراقي للأمم المتحدة بخصوص ملف النازحين: "ماذا تعني المناشدة ولماذا يناشد الأمم المتحدة ولديه وزارة المهجرين تخصص لها ميزانيات طائلة على مدى سنوات مضت، وماذا يقصد بعدم تحقق أي تقدم بهذا الملف؟ هل الأمم المتحدة هي العائق وهو اليوم يناشدها لرفع يدها عن الملف ليبدأ بالعمل الفعلي على حد قوله؟".
وتساءلت المدير التنفيذي لمركز بابل، هل الحكومات التي توالت منذ 2014 وحتى الآن عملت جاهدة على إبقاء هذا الملف معطلا والإبقاء على حالة الإذلال التي يعيشها المواطن العراقي مبعدا بشكل قسري عن مكانه الجغرافي الذي ينتمي له.
القرار الصعب
وقالت المصطاف: "إذا كانت مناشدة الأمم المتحدة بشأن ملف النزوح هو استجداء المساعدات، فلا يحق له ذلك مطلقا، فليس العراق بالبلد الذي ينقصه المال ليعين شعبه، العراق تنقصه السيادة لاتخاذ القرارات الصعبة، ينقصه التحكم في مقدراته مقدراته وثرواته التي يسيطر عليها الأمريكي ويمنعها وقتما يشاء ويترك لهم فسحة السرقات التي ينعشون بها جيوبهم، كل ما نريده هو الإعلان بشفافية من جانب الدولة عن الجهات التي تقف عائقا أمام عودة النازحين".
ولفتت المدير التنفيذي لمركز بابل، إلى أن "المخيمات التي تأوي النازحين منذ 8 سنوات تقريبا تعيش حياة بائسة، فما العائق أمام دولة غنية مثل العراق لبناء مدن حضرية لإيوائهم كتعويض عما تسببوا لهم به من تشريد على مدى ما يقارب 8 سنوات، أطفال رحلوا عن دنيانا وآخرين تركوا تعليمهم و حالات لا إنسانية جمة لا يمكن أن تصفها الكلمات".
توجيه أمريكي
وأوضحت المصطاف، أن "الخطر الأكبر في موضوع النازحين هو مخيم (الهول) حيث تشير التسريبات إلى تهريب 16عنصر من المخيم بمساعدة الميليشيات التي تسيطر على تلك المنطقة، وخطورة هذا الأمر يعود بنا إلى سيناريو تهريب الإرهابيين من سجن أبو غريب وما تلاه من أحداث، وهنا الأمر يتعلق بتصريحات لأحد قيادات التنظيم يهدد بالعودة لنشاطاتها وهذا حتما بتوجيه أمريكي للحيلولة دون إتمام موضوع التطبيع التركي السوري".
أصدرت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، في 5 مايو/ أيار الماضي، إحصائية بعدد المخيمات الحالي وعدد من يسكنها من نازحين.
ونقلت وكالة "واع" عن مدير دائرة الفروع في الوزارة علي عباس، بيانا قال فيه إن "عدد المخيمات الموجودة في إقليم كردستان يبلغ 26 مخيما منها 16 مخيما في دهوك وستة مخيمات في أربيل وأربعة مخيمات في السليمانية".
وأضاف عباس أن النازحين الذي يقطنون تلك المخيمات يبلغ عددهم نحو 36000 عائلة"، مشيرا إلى أن "أغلب النازحين من قضاء سنجار في محافظة نينوى وكذلك من محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى".
وفي وقت سابق، قالت وزيرة الهجرة العراقية إيفان فائق جابرو: إن "هناك التزاما بالبرنامج الحكومي بأن يغلق ملف النزوح خلال 6 أشهر ومن ضمنهم النازحون من جرف الصخر"، مشيرة إلى "أننا وزارة الهجرة ملتزمة بهذا البرنامج وتأمل بعودة النازحين".