سركيس , يونادم , إبلحد – هل تلتقي اضلاع المثلث ؟
انها عائلة اخرى من ابناء شعبنا هربت من جحيم الارهاب و المفخخات وانعدام الامن والماء والكهرباء وجاءت تبحث عن النقيض في السويد ووصلت الى قناعة مفادها ان السير ( ولو لفترة ما ) في شوارع تغطيها الثلوج اغلب اشهر السنة اهون من التواجد في شوارع هي حقول للالغام يقضي الانسان خطواته فيها يتلو بلا انقطاع ( ابانا الذي في السموات او سورة الفاتحة ) كل واتجاه قبلته . جلسنا معا نشرب القهوة العربية المطعمة بالهيل ونستمع الى القصص الطازجة المؤلمة عن الوطن واهله وبشكل خاص عن شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ودوره واحزابه وقواه ومستقبله . لا ادري ونحن في الرشفات الاخيرة من الفنجان كيف انتشرت سريعا حكاية ان احدى الحاضرات بارعة في قراءة الطالع والتنبؤ بالقادم عن طريق الفنجان . وهكذا قلب الفضوليون ( والكاتب احدهم ) فناجينهم وسجلوا اسمائهم في الطابور بانتظار الاخبار المثيرة. تناولت الاخت العزيزة فنجاني وتمعنت فيه , فقلت في سري , ربما هي نفس الكليشة ,( سمكة للرزق وجمل مُحمًل او عين حسد وطريق طويل او قصير مفتوح او مغلق ) واذا بها تقول ان هنالك ثلاثة اشخاص ليسوا نساء يحاول كل منهما مدً يده للاخر لكنه لايجرأ على ذلك ولا ادري لماذا , ربما خجلا او حياء او تكبرا او خوفا. للحال قاطعها احدهم من مدمني الانترنيت ومتابعي شأن شعبنا ومسيرته فقال بصوت ترافقه ابتسامة أليمة : انهم سركيس اغاجان ويونادم كنا وابلحد افرام . فاشتعلت زوجتي غيرة وقالت : أفي فنجانك ايضا ؟ ألايكفي انهم في افكارك ومقالاتك على الدوام ؟ وضعت السيدة العزيزة الفنجان على الطاولة وقالت بتهكم : ربما يعتقد قادتنا ان الوقت لم يحن بعد للعمل المشترك فما حدث ويحدث لم يفعل فيهم الصدمة , وحال شعبنا كحال ذلك الذي يناجيه المطرب الراحل عبد الحليم حافظ فيقول له ( سترجع يوما ياولدي مهزوما مكسور الوجدان وستعرف بعد رحيل العمر انك كنت تطارد خيط دخان ). – لا ادري إن كان حفظ قصيدة قارئة الفنجان من شروط مزاولة المهنة - ختم الجميع الحوار بجرعة الكوكايين العربية التي تقول تفائلوا بالخير تجدوه .في كل العالم تقريبا وخاصة المتحضر منه , تنتفض جميع القوى وترمي بخلافاتها واختلافاتها ومنافساتها جانبا عندما تحين ساعة النداء لانقاذ القواسم المشتركة التي يتفق عليها الجميع كمصير البلد والشعب في وجوده وهويته اوقات الكوارث او الحرب او الاعتداءات الخارجية فتجلس جميع القوى الى طاولة حكومة الانقاذ الوطني او حكومة الطوارئ او غرفة العمليات المشتركة التي يكمن واجبها جميعا في التصدي مجتمعا لذلك الظرف الطارئ . ترى هل كل عمليات القتل والتهجير والاكراه على ترك الهوية الدينية والقومية لا يرى فيها البعض ( واقصد القوى والشخصيات السياسية التي تطرح نفسها كواجهة لشعبنا الكلداني السرياني الاشوري ) حالة ترقى الى درجة حالة الطوارئ ؟ اليست هذه الاخبار المؤلمة وسياسة التهميش ضد شعبنا سببا يدعوهم الى ان يمد احدهما يده للاخر في لحظة نكران ذات صادقة بعيدة عن كل اشكال المراوغة والتكتيك السياسي الرخيص , فيرى فيهم الاخرون وزنا ثقيلا ويتمتع قليلا شعبنا فيرى فيهم بصيصا يشعل نار اماله وتطلعاته !.
مما لاشك فيه ان السنوات الاخيرة قد افرزت على صعيد شعبنا السادة سركيس اغاجان ويونادم كنا وابلحد افرام (كلُ وقاعدته وخلفيته) اضلاعا ثلاثة رئيسية تتناول وتتعاطى بشكل جوهري الدور السياسي لشعبنا , مع تقديرنا للدور الذي تقوم به قوى اخرى صغيرة وشخصيات مستقلة. ربما تكون الانانية السياسية , و لانقول الارتباط باجندة خارجية انطلاقا من الاعتقاد باحقية الاجتهاد في التعبير عن الوطنية والاخلاص لقضية هذا الشعب واماله وطموحاته , هي الصخرة التي تتحطم عليها كل امواج الدعوات التي نراها على شفاه ووجوه الكثيرين من ابناء شعبنا داعية هذه الاضلاع الثلاثة الى الالتقاء لتكوين مثلث متساوي الساقين يتربع كل منهما على زاوية قدرها 60 درجة . زمن صعب عناوينه الارهاب والقتل والتهجير والتهميش واضلاعنا الثلاثة لاتمل من لعبة الكر والفر والمناورة والمراوغة في محاولة , اصبحت عديمة اللون والطعم والرائحة حتى في حالة نجاحها , حيث يحاول كل ضلع إقصاء الاضلاع الاخرى او سحبها على الاقل بالاكراه لتكوين مثلث قائم الزاوية يتربع الضلع الساحب فيه على الزاوية 90 درجة , قابلا ربما بامتعاض ان يتقاسم ال 90 الاخرى شقيقاه الاخران .
ان الاحزاب والقوى السياسية التاريخية بل والشخصيات الرسالية الدينية تحرص دائما بل تقتنع يقينا ان التضحيات بمقاعد الصف الاول قد تكون احيانا قرابين لابد منها على طريق الاهداف الستراتيجية الكبيرة , وهكذا إتخذ البعثيون في الخمسينات قرار حل حزبهم والانخراط كافراد تحت قيادة جمال عبد الناصر إكراما لهدف الوحدة العربية الذي يؤمنون به , اما الحزب الشيوعي العراقي الذي يعتبر من شيوخ الاحزاب السياسية العراقية والعربية فقد اجتهدت قيادته ورأت ان من الافضل لهذا الحزب خدمة للوطن ان يكون جزءا من العملية السياسية الرسمية الحالية في العراق , وهكذا قرر هذا الحزب الذي امضى في العمل السياسي اكثر من سبعين عاما الانضواء تحت لواء قائمة تقودها حركة لم تتخطى بعد مرحلة المراهقة السياسية . فهذا هو قانون الحياة حيث يمكن من خلاله للاولين ان يصبحوا في الحلقات الخلفية وتبرز الظواهر الجديدة في الواجهة , حتى في الامور الدينية فقد كان يوحنا المعمدان مثلا واضحا وجليا في قوله عن المسيح له المجد ( ينبغي لي ان انقص وينبغي له ان يزيد ) . وفي المقابل كانت شهادة السيد المسيح في ان النساء لم تلد افضل من يوحنا وصفا رائعا للدور الكبير الذي قام به على افضل مايكون حيث وصلت صرخاته في البرية الى أذان ونفوس كثيرة أن قوِموا طرق الرب واجعلوا سبله مستقيمة.
ربما يتساءل القارئ الكريم وماذا تريد قوله في زبدة الكلام ؟. ان السؤولية الاخلاقية والقومية والدينية تتطلب من هذه الاضلاع الثلاثة اليوم في هذا الزمن العصيب والمصيري , حيث قارب شعبنا الكلداني السرياني الاشوري يصارع ويتلاطم مع الامواج العاتية والمسمومة , الى وقفة مسؤولة لمراجعة مع النفس قبل النوم , نتمنى ان تؤدي الى مبادرة هذه الاضلاع كل من جانبه لبسط ارضية مشتركة يمكن التأسيس عليها تضع حدا للمزايدات او كشف العورات , لان اي نخر في جسم هذا القارب , وخاصة ممًن يدعي مسؤولية قيادته , سيكون دعوة مجانية لدخول المياة اليه وبالتالي امكانية غرقه وحينئذ لايظن الناجون , اذا نجوا , انهم سيكونوا افضل حالا من الغرقى! لو افترضنا مجازا ان الجنة والنار مؤسستان متجاورتان وتعرضت هاتان المؤسستان لظروف خارجية تهدد مصيرهما فان اجتماع ضباط في قيادة هاتين المؤسستين للتباحث ومجابهة الظرف الطارئ هو احتمال وارد جدا. لانقصد من هذا تصنيف هذه الاضلاع على غرار الجنة والنار بل القصد يكمن في ان امكانية التلاقي لدفع الجهد بزخم مضاعف ليس مستحيلا طالما ان التناقض لايرقى الى درجة التناقض بين الجنة والنار, والسياسي المعاصر يوصف بانه ذلك الانسان الذي يتمتع برقية طويلة تسمح له بالرؤية في مختلف الاتجاهات .
انها دعوة اخوية صادقة للاضلاع الثلاثة لتناول فنجان قهوة في السويد, في اسكلستونا الهادئة , عسى ولعل حر صيف السويد سيذيب جليد خلافات السياسة في العراق. اهلا وسهلا وعلى الرحب والسعة.
wadeebatti@hotmail.com