سر السماء ولغز البداية سيناريوهات جديدة عن أصل الكون
jawadbashara@yahoo.frبعد أربعة قرون على الثورة الكوبرنيكية، تستعد البشرية في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين لرحلة جديد داخل أعماق الذاكرة الكونية باتجاه المصدر الأول للوجود الذي انطلقت منه المادة والحياة، بما في ذلك النبات والحيوان والإنسان، وأيضاً الأقمار والكواكب والنجوم والمجرات وحشود أو تكدسات من المجرات، بعد مليارات السنين من التطور الكوني المستمر والدائم إلى الأبد، وذلك من خلال إطلاق قمرين صناعيين للمراقبة الفضائية هما بلانك وهيرشيل Planck et Herschel في وكالة الفضاء الأوروبية ESA – Agence spatiale européenne اللذين سيصوبان أنظارهما وآذانهما الإلكترونية نحو أعماق الكون بفضل أفضل وأحدث التقنيات في مجال البصريات وأجهزة الرصد السمعي البصري المتطورة جداً التي ستتسلق الزمن إلى الوراء لكي تصل إلى أبعد نقطة في الزمكان بغية رسم صورة دقيقة لطفولة الكون ونموه قبل ظهور تجعدات الزمن على وجناته وبصمات الشيخوخة على ملامحه. يحمل القمر الصناعي هيرشيل أكبر تلسكوب لم يسبق أن أرسل البشر مثله إلى الفضاء لاختراق الغيوم والغازات الكونية والغبار الكوني من أجل فهم كيفية ولادة النجوم بفضل مرصد الأشعة تحت الحمراء وتشخيص أولى المجرات، أما القمر الصناعي بلانك فهو مزود بأجهزة رصد لامثيل لها ستحاول أن تستمع إلى أول صرخة ضوء للكون قبل 7،13 مليار سنة. ومن خلال نتائج عملهما سيتمكن الإنسان من تصور اللحظات الأولى للوجود وفك لغز ما يعرف اليوم بحالة أو لحظة الفرادة والأسباب التي أدت إلى وقوع الانفجار العظيم Big Bang التي لم يتمكن العلماء من وضعها على شكل معدلات رياضية.
وكما نعرف، تقول القصة الكلاسيكية أن الكون كان قبل ولادته عالي الكثافة ومرتفع الحرارة جداً كالحساء مما أدى إلى إنفجاره. وخلال فترة قصيرة تمدد الكون وتوسع وبرد. ففي الجزء الأول من ألف من الثانية تضاعف بنسبة 1026 وهي المرحلة المعروفة بمرحلة التضخم inflation التي سطحت الكون وكان الكون حامي كالجمر بدرجة مئة مليار المليار المليار سلسيوسC 1032 Celsius حيث اهتاجت الجزئيات وتصادمت بعضها بالبعض في حزمة هائلة من الطاقة لتعيد تشكيل نفسها من جديد كالحساء الذي يغلي بالجزئيات حيث تتزاحم الفوتونات وتتجه إلى جميع الاتجاهات ككرات البينغ بونغ أما المادة المضطرمة والهائجة هي الأخرى، فهي موجودة في حالة توازن حراري équilibre thermique . يمر الزمن وآلاف السنوات تضاف إلى ألآلاف الأخرى والكون مستمر في توسعه وأثناء تمدده يبرد باستمرار. وعندما تصل درجة حرارته إلى 3000 درجة كلفن تهدأ الجزئيات وتتجمع أولى ذرات الهيدروجين والهليوم المستقرة مقودة ومدفوعة بقوتها الكهرومغناطيسية . تقوم المادة بتنظيم نفسها وتتحرر الفوتونات من هيمنة المادة وتنطلق بعد تخلصها من العوائق. يصبح الكون شفافاً ويبدأ ببث أولى إشعاعاته بعد أن بلغ عمرة بالكاد 380000 سنة. نشأ حينئذ هذا الضوء الأولي الذي سمي بالعمق الكوني المشع CMB Fond diffus cosmologique – Cosmic Microwave Back ground والذي يضيء مساحة كونية متجانسة جداً مكونة من الغازات والذرات وأنتشرت في جميع أرجاء الكون. بيد أن الكون استمر في الاتساع وتضاعف حجمه مليارات المرات وانخفضت حرارة الإشعاع إلى 3 درجة كلفن -270°C . والحال أن القمر الصناعي بلانك سيهتم بحزمة الأشعة البدئية المتحجرة الأولية التي تحدث عنها عالم الفيزياء الروسي جورج غامو George Gamow في أربعينات القرن المنصرم في إطار نموذج البيغ بونغ أي الإنفجار العظيم وأكتشفها بالصدفة سنة 1965 العالمان الأمريكيان آرنو بنزياس وروبرت ويلسون Arno Penzias , Robert Wilson وحصلا على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1978 بفضل اكتشافهما هذا. ما تزال أسئلة جوهرية كثيرة تدور في أذهان العلماء تبحث عن أجوبة يقينية . كيف أمكن لمثل هذا التجانس التام أن يولد كوناً متنوعاً في جغرافيته، غني بالمجرات والنجوم والكواكب في ناحية ما منه وفقير في مناطق أخرى ؟ وكيف نفسر هذا التنظيم المتقن والرائع للكون؟ حيث أن المجرات لم تتوزع فيه عشوائياً ويوجد فيما بينها فراغات كونية هائلة حيث يبدو الكون كما لو أنه يشبه الإسفنجة. لذا لابد من تقصي آثار الأشعة الكونية الأولى والقيام بالحفريات الفضائية إذا جاز لنا القول، حيث بات من الممكن وضع خريطة مجسمة للجزء المرئي والمكتشف من الكون، والتأكد من وجود الثقوب السوداء والطاقة الداكنة أو السوداء والمادة المعتمة أو الداكنة التي تشكل نسبة 72% من محتويات الكون التي تشبه الشبكة العنكبوتية. يتفق أغلب علماء الفلك والفيزياء الفلكية والمتخصصون بالكونيات والعلوم الكونية على أطروحة الانفجار العظيم وأنه كان الأصل الأول لانبثاق الكون الحالي المرئي والقابل للمراقبة والدراسة من خلال التأكد من وجود عمق متجانس وموحد للأشعة الحرارية rayonnement thermique التي تغرق أرجاء الكون، ويعتقدون أن هذه الأشعة هي بقايا الحرارة الأصلية التي تولدت عن الانفجار العظيم البيغ بانغ وبدأت بالانتشار في جميع الاتجاهات. شاعت مقولة خاطئة بأن الانفجار نتج عن تكدس شيء كثيف جداً كان موجوداً في فراغ سابق الوجود، وهذا طرح غير علمي وغير دقيق وخاطيء حيث أن النظرية النسبية العامة لآينشتين تقول أن الزمان والمكان مرتبطان بالمادة ومتداخلان معها بصورة وثيقة لايمكن الفصل بينهم. فالانكباس والضغط الهائل للمادة الذي تحدثت عنه أطروحة البيغ بانغ الانفجار العظيم سيعرض الزمان والمكان في نفس الوقت لنفس الحدث العنيف الذي تعرضت له المادة وبالتالي فإن حدث الانفجار العظيم لم يكن أصل نشوء المادة وحدها فحسب، بل أيضاً نقطة البداية لولادة الزمان والمكان المتوحدان في الزمكان الوجودي أو الكوني، أي لم يكن هناك زمان قبل نقطة الصفر حسب الوصف العلمي لهذه الظاهرة الفريدة في تاريخ الوجود. وكما قال القديس أوغسطين أن العالم خلق مع الزمن وليس داخل الزمن. ولكن إذا كان للزمن بداية فلابد والحالة هذه أن نعيد النظر في الظروف الكونية البدئية أو الأولية ونطرح الأسئلة الوجودية بوضوح وجرأة حتى لو اضطررنا للخوض في المسائل الميتافيزيقية مثل: لماذا وقع الانفجار العظيم وما هو سبب تغير الوضع السائد قبل الانفجار وهل أن هناك أكوان وعوالم أخرى قبل كوننا هذا أي قبل زمننا الذي يعود عمره إلى 7،13 مليار سنة على الأقل إن لم يكن أكثر ويقدره البعض بين 15 و 20 مليار سنة، وإن ما حدث ليس سوى لحظة عابرة من عملية خلق مستمرة أزلية وربما أبدية أيضاً؟ وهل الانفجار العظيم أدى إلى ولادة كون واحد أم عدة أكوان؟ وهل الكون الحالي ذو أبعاد محدودة قدرت بثلاثة والرابع هو الزمن، أم أن هناك أبعاداً أخرى قدرتها بعض النظريات الكونية بأحد عشر بعداً؟ لماذا احتاجت عملية خلق الكون إلى كل هذا الكم الهائل من الطاقة ولم تكن نتيجة إرادة غيبية تتلخص بجملة كن فيكون؟ ومن أين جاءت المادة المتفجرة و الحرارة التي صاحبتها وانتشرتا انطلاقاً من نقطة محددة في الفراغ الكوني؟ المادة والإشعاعات موزعة في الكون في غاية من التجانس والاتساق وليس عشوائياً وإن طاقة الضوضاء الحرارية الناجمة عن الانفجار العظيم هي نفسها في جميع اتجاهات الكون، فمن الذي يقف وراء هذا التنظيم الدقيق والمحكم في الكون؟ وحتى التوسع الحاصل في الكون يحدث وفق إيقاع منتظم ومحكم بدقة لا متناهية فمن أين جاء هذا النظام؟ الانفجار العظيم كان دقيقاً ومحكماً فيما يتعلق بكثافته وكذلك بعملية التزامن المذهلة والعجيبة التي وسمته، فكل منطقة في الكون شهدت نفس الانفجار وفي نفس الوقت وبنفس القوة وفي جميع الاتجاهات بطريقة حققت إندفاعة وحركة باتجاه الخارج كانت عالية الدقة والانتظام والاتساق بالرغم من وجود ما أصطلح على تسميته بالآفاق أو التخوم Horizons. وهذه الآفاق موجودة لأن الضوء ينتقل بسرعة متناهية ومحددة كما تقول النظرية النسبية وبالتالي هذا يعني أن هناك العديد من المناطق في الكون لم تعرف بوجود بعضها البعض ولم تر بعضها البعض إذ لم يصل الضوء القادم منها إلى الأخرى بعد، ولم يقطع المسافات الكونية الهائلة التي تفصل بينها، إذ لا يوجد حسب علماء الفيزياء أي شيء في الكون يمكن أن يسير أو ينتقل بسرعة تتجاوز سرعة الضوء. ولكن في حقيقة الأمر هناك نظريات تفسر وصول الحضارات والكائنات الفضائية من خارج تخوم مجرتنا درب التبانة إلى الأرض وإلى مجموعتنا الشمسية لأنها تمكنت من التنقل بسرعات تفوق سرعة الضوء بكثير أي بأسرع من 300000 كلم في الثانية. كل حديث أو خطاب عن الكون هو حديث فلسفي وثيولوجي حتماً إلى جانب كونه علمي، ولو حاولنا الإجابة على هذه العينة من التساؤلات الكثيرة واللامحدودة فسوف نقع حتماً في دائرة التوقعات والتكهنات والفرضيات والنظريات العلمية والغيبية في آن واحد. يقول حديث ديني جاء جواباً على سؤال لماذا خلق الله الكون وكانت الإجابة على لسان الخالق:" كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق ليعرفوني". ويقول فيلسوف آخر أن الله هو الكون والكون هو الله . فالكون كائن حي دائم الخلق والتطور وأزلي الوجود ليس له بداية ولن تكون له نهاية، منه تنبثق الحياة والمادة وإليه تعود ويتجلى بأشكال متنوعة لا تعد ولا تحصى، وبهذا يمكننا القول أن سر الإجابة يكمن في السماء وليس على الأرض.
رحلة التحولات الجوهرية في صلب العلاقات العراقية ـ الفرنسية
د. جواد بشارة
jawadbashara@yahoo.fr
قيل الكثير عن تعقيدات وطبيعة العلاقات الفرنسية ـ العراقية والتي مرت بتموجات كثيرة نتيجة للظروف الدولية والإقليمية والداخلية لكلا البلدين. فلقد منح النظام العراقي السابق لفرنسا امتيازات كثيرة وعودها على نمط من العلاقات والتعاملات لم تألف له بديلاً في تعاطيها مع الملف العراقي لاسيما قبل الحرب، والموقف الفرنسي الرافض لتلك الحرب، وهو الموقف الذي اعتبره الشعب العراقي محاولة يائسة من قبل باريس لإنقاذ النظام السابق من السقوط للمحافظة على ما تبقى لفرنسا من الامتيازات التي كانت تتمتع بها خلال حقبتي السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم. لقد شعرت باريس بالحيرة في مقاربتها السياسية والدبلوماسية مع العراق لأنها اعتادت على أشخاص معينين من أصحاب القرار في النظام السابق يقدمون لها العقود والصفقات بلا منافسة ولا أي جهد يذكر. . أما اليوم فلقد أصبح العراق بلداً ديمقراطياً ذا مؤسسات ودستور وقانون ورقابة وبرلمان وحكومة منتخبة وسلطات متعددة مستقلة كالسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية وفيه حرية تعبير وحرية صحافة وحقوق إنسان لا يمكن انتهاكها بسهولة. عندما استعاد العراق سيادته تدريجياً وبات صاحب القرار ويمتلك مصيره بيده قرر أن يعيد النظر في حساباته وعلاقاته الدولية ورسم مصالحه الحيوية بيده ويتوجه إلى كافة الدول التي يمكن أن يقيم معها علاقات جيدة وعادلة ومتساوية بصيغة الند للند. ومن بين الدول المهمة التي رغب العراق أن يعد الجسور معها هي فرنسا بالطبع باعتبارها دولة متطورة وفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي وذات خبرة في العمل والنشاط داخل السوق العراقية فكان لابد من خطوات تمهيدية لإصلاح ذات البين بين بغداد وباريس . فلا توجد احتكارات أو نشاطات مغلقة أو حكراً لأحد ولا امتيازات للأمريكيين أو اليابانيين أو أية بلدان أخرى فنحن في العراق على مسافة واحدة مع جميع الدول والشركات كما صرح فخامة نائب رئيس الجمهورية العراقي الدكتور عادل عبد المهدي في زيارته الأخيرة لباريس واجتماعه مع وفد رفيع المستوى من رجال الأعمال ورؤساء الشركات الفرنسيين الذين تعهد أمامهم شخصياً بالمحافظة على استثماراتهم وأنهم على الرحب والسعة متعهداً بإزالة كافة العوائق والعقبات التي تقف في وجه الاستثمارات الفرنسية في جميع المجالات وقال لهم مداعباً نريدكم في بغداد وليس في عمان تتفرجون علينا عن بعد.. ولمعرفته العميقة بالمجتمع الفرنسي وبالنشاط الثقافي والتجاري والصناعي والاقتصادي الفرنسي نجح الدكتور عادل عبد المهدي في استخدام الخطاب الواضح والجريء والصريح الذي يفهمه الفرنسيون مستغلاً علاقاته الوطيدة والمتينة مع شخصيات فاعلة ومؤثرة في السياسة الفرنسية مثل وزير الخارجية بيرنارد كوشنير وجاء ليفتح الطريق أمام انطلاقة جديدة في تاريخ العلاقات الثنائية بين البلدين ورسم الخطوط العامة لتعاون ثنائي وثقافي والاقتصادي بين الجانبين العراقي والفرنسي ورسم الخطوط الاستراتيجية لمنفعة البلدين وتمهيداً للخطوة التالية التي ستتجسد بزيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي التي ستخوض في تفاصيل وحيثيات الاتفاقيات التي ناقشها وتطرق إليها واتفق بشأنها فخامة نائب رئيس الجمهورية وبالتالي تثبيت الجوانب التكنيكية والفنية لخارطة التعاون والتبادل الفرنسي العراقي في قطاعات حساسة يحتاج إليها العراق كقطاع الكهرباء والطاقة والمياه والتصريف الصحي والتربية والتعليم وتدريب وتأهيل وتكوين الكادر العراقي في المجالات الأمنية والعسكرية والمدنية والهندسية والثقافية وكما قال الدكتور عادل عبد المهدي عبد المهدي للفرنسيين ": نحن على طريق إعادة البناء والترميم لتأسيس مجتمع متقدم ومنفتح يحاول اللحاق بركب المجتمع الدولي والدول المتطورة" ..
كان برنامج زيارة نائب الرئيس العراقي حافلاً باللقاءات والدعوات الرسمية فقد التقى مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقدم له هدية راقية هي لوحة تشكيلية للفنان والخطاط العراقي الكبير محمد سعيد الصكار الذي تلقى تكريماً كبيراً من جانب فخامة نائب الرئيس وحفاوة بالغة بشخصه وبفنه الرفيع . وقد سبق للدكتور عادل خلال زيارته لباريس أن ألتقى بوجوه معروفة من النخبة المتألقة من الجالية العراقية المقيمة في فرنسا وتعامل معهم كأخ وصديق ورفيق درب في مرحلة النضال ضد الدكتاتورية ومقارعة النظام البائد وقال لهم مخاطباً إنني واحد منكم ولا أختلف عنكم تقع على عاتقي مسؤوليات كما تقع على عاتقكم جميعاً مسؤوليات وعلينا جميعاً نفس الواجبات ولنا نفس الحقوق لايستطيع المسؤول وحده أن يفعل شيئاً بدونكم كما لاتستطيعون أن تفعلوا شيئاً بدون تعاون المسؤولين معكم. وحلل أمام الحاضرين طبيعة المجتمع الفرنسي والسلطة الفرنسية ومايتطلب التعاطي مع فرنسا من تفهم وحذاقة واستيعاب للمشتركات التي يدرك سرها الدكتور عادل جيداً ويعرف كيف يستغلها فهو خبير في الشؤون الاقتصادية والمالية لذلك تحمل القسط الأكبر من مهمة التفاوض بشأن الديون العراقية وتمكن من إقناع الجميع في نادي باريس بأهمية إسقاط أو إطفاء كل أو جزء كبير من الديون لقاء استثمارات طويلة الأمد مع دول مزدهرة ومتعافية ونامية في طريق البناء حيث المردود الربحي يزيد بأشواط كبيرة على أقساط استرجاع الديون والفوائد المترتبة عليها. ثم شخص فخامة نائب الرئيس الثغرات والعلل والمعوقات التي تؤثر على تطور العملية السياسية في العراق وتعيق تقدم المجتمع وتوفير الخدمات ومحاربة الفساد المستشري والحد من نشاط الإرهابيين والعمل على استئصالهم ليس بالقوة وحدها بل بكل الوسائل المتاحة الأخرى فهو صراع طويل الأمد ويستدعي دراية تامة بأساليب الإرهابيين ومخططاتهم وقد حقق العراق بالفعل تقدماً ملموساً في الملف الأمني وقد آن الأوان للالتفات للملفات الأخرى العاجلة وعدم التذرع بحجة إنعدام الأمن . ماذا يمثل العراق لفرنسا؟ شعب عريق وتاريخ مغرق في القدم، وحضارة زاهية عبر آلاف السنين، والأهم من كل ذلك سوق واعدة. فالعراق سيكون أكبر مستهلك للاسمنت على سبيل المثال لأنه على طريق إعادة البناء والإعمار لما خربته الحروب المتتالية التي دمرت كل شيء فيه . فالإسمنت يأتي بعد الماء والكهرباء كمادة رئيسية وضرورية للحياة. فكل فرد في العراق يرغب في ترميم ما تحطم من بيوت ومدارس وبنايات حكومية وأهلية وشوارع وطرق الخ.. كما يقول برونو لافون رئيس شركة لافارج الفرنسية الأولى في انتاج وتسويق الاسمنت في العالم والمتواجد حالياً في العراق تلبية لتوصية الدكتور عادل عبد المهدي لرجال الأعمال الفرنسيين بأن يتواجدوا على الأرض ويشخصوا الاحتياجات الواقعية للعراق من الداخل. وهناك قطاع النفط حيث يمتلك العراق ثاني احتياطي نفط في العالم بعد السعودية إن لم يكن الأول ويزيد احتياطياته من النفط على 115 مليار برميل. وهو يصدر اليوم بين مليون ومليون ونصف المليون برميل يومياً وستزيد طاقته الإنتاجية باضطراد لو حصل على الاستثمارات النفطية الضرورية لتجديد البنية التحتية للآلة الإنتاجية النفطية وسترتفع طاقته الانتاجية بعد عامين إلى أربع ملايين برميل يومياً وربما ستصل إلى ستة ملايين كما وعد وزير النفط حسين الشهرستاني عند زيارته إلى باريس قبل اسابيع مما سيوفر للعراق سيولة نقدية هائلة . مايفتقد له الفرنسيون هو الجرأة والخروج إلى الشارع للتشخيص الحقيقي والواقعي للأوضاع السائدة هناك وليس الاكتفاء بالتقارير النظرية فالطاقم الدبلوماسي الفرنسي سجين القلعة الحصينة المتمثلة بالسفارة الفرنسية التي يعملون ويعيشون في داخلها حسب اعتراف كلود بوليه الملحق الفرنسي لشؤون التعاون وتأكيد السفير الفرنسي على ذلك جون فرانسوا جيرو .
لقد استيقظ الفرنسيون كما يبدو بعد التحدث مباشرة مع من يمثل الجسر المتين الذي يربط فرنسا بالعراق وهو الدكتور عادل عبد المهدي الذي حدثهم بلغتهم وبالخطاب الذي يفهمونه ويرتاحون إليه وحثهم على الإسراع في الإنغماس في الشؤون العراقية فسارعت شركات كبرى مثل توتال وتطنيب ودوغريمونت وبويغ وفينسي والخطوط الجوية الفرنسية Total,Technip,Degrémont,Bouygues,Vinci,et Air Franceالذين أرسلوا أوسيرسلون في القريب العاجل ممثلين دائمين لهم إلى العراق لتقديم العروض والتنافس مع الشركات الدولية الأخرى . والأمر لن يقتصر على الشركات الكبرى أو العملاقة والمتعددة الجنسيات فالسوق العراقية مفتوحة وترحب بكل الشركات المتوسطة والصغير المتخصصة وذات الخبرة والتجربة المشهود لها لاسيما في مجال الزراعة ومنتجات الألبان حيث ستصدر شركة Laiterie limousine 3000 بقرة إلى العراق، والصناعات الخفيفة وغيرها. وهناك التبادل الثقافي والتربوي وتفعيل البعثات والزمالات للطلاب العراقيين الراغبين في الدراسة في فرنسا على كافة المستويات والمراحل وهو الأمر الذي لم يغفله فخامة نائب الرئيس وركز عليه بإلحاح نظراً للحاجة العراقية الملحة للكوادر المتخصصة والكفوءة.