سياسيون ومحللون يتساءلون: من ينزع سلاح الميليشيا من الشارع
04/12/2006أصوات العراق/
أصبح الشغل الشاغل لكل العراقيين في الوقت الراهن موضوع الميليشيات وما تتهم به من قتل و تهجير على الهوية و خطف و حتى جريمة منظمة بغض النظر عن انتماء هذه الميليشيات لكن ما السبيل إلى التخلص من هذه الميليشيات مهما كان إسمها أو هويتها في ظل الظروف التي يمر بها العراق في ظل انفلات أمني وتبادل للاتهامات بين السياسيين برعاية هذه الميليشيا أو تلك.
يقول بعض المحللين السياسيين أن أي ميليشيا تتكون من جزئين رئيسيين هما الرجال والسلاح ولو استطاعت الحكومة أن تبعد أي منها عن الآخر لنجحت في لجم أي ميليشيا ، والأقرب إلى الواقع هو إبعاد السلاح عن الشارع العراقي .
مؤخرا كشفت تقارير استخباراتية عراقية ضبط أسلحة وأعتدة كبيرة تركها مسلحون في مناطقهم بعد هروبهم، معظمها حديث الصنع وتاريخ صناعته يعود إلى عام 2005 أي بعد سقوط النظام ، كذلك ضبط كمية من الألغام تحملها مجموعة من البغال على الحدود مع إحدى دول الجوار ، كما تحدث تقرير للكونغرس الأمريكي عن فقدان عشرات الآلاف من قطع السلاح الأمريكي المخصص للجيش العراقي دون تحديد مكان اختفائه.
يقول الخبير العسكري توفيق الياسري والذي شغل منصب رئيس لجنة الأمن والدفاع في أول برلمان عراقي " يوجد نوعان من السلاح في العراق هناك سلاح ذو بعد سياسي وهو موجود بكميات كبيرة وهذا لا يمكن جمعه من الشارع إلا بخطوات سياسية اجتماعية اقتصادية ،أما النوع الآخر فهو السلاح ذي البعد المادي والذي يمكن للحكومة أن تجمعه إذا بذلت المال لجمعه من الشارع."
ويتابع "هناك خريطة معقدة للميليشيات الرئيسة الموجودة على الأرض حيث يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام منها ما يعتبر نفسه جيشا عقائديا مثل جيش المهدي ومنها ما غير اسمه إلى مؤسسة مجتمع مدني مثل منظمة بدر." وأضاف"يقابل هذين الفصيلين المسلحين فيلق عمر وأيضا القاعدة و التي تعتبر من أخطر الجماعات العاملة في العراق."
ويضيف الياسري "كذلك لدينا حماية الوزارات وهي الأخطر محليا لأنها تعمل وتتحرك بهويات وأسلحة الدولة دون رقيب أو حسيب ولدينا أكثر من ثلاثين وزارة ، هناك أيضا عصابات منظمة وأخيرا المافيات المسلحة وشركات الحماية التي تعمل دون غطاء معروف أو لمن أو مع من."
وعن أنواع وكميات السلاح الموجودة في الشارع يقول الياسري " بعد سقوط نظام صدام عام 2003 ترك الأمريكيون الباب مشرعا لكل من هب ودب لكي ينهب ويحمل السلاح الذي خزنه النظام الذي قدره البعض بحوالي 50 مليون قطعة سلاح مع قطع غيارها ( والأسلحة الموجودة هي الأسلحة خفيفة من بنادق ومسدسات رمانات والأسلحة متوسطة مثل الرشاشات الرباعية ومضادات الطائرات والقاذفات والهاونات والراجمات الأنبوبية والألغام الأرضية والمواد المتفجرة) وكذلك الصواريخ والمدافع والدبابات والطائرات ، لكن هذه محجمة ولا يمكن أن تعمل في ظل التفوق الجوي الأمريكي."
ويعلل الياسري استمرار حمل السلاح حتى من قبل غير المؤدلجين في الشارع بالأسباب التالية " عدم قدرة الحكومة على حماية من يسلم سلاحه للدولة في الوقت الراهن وهذا مرتبط بالمشروع السياسي المرتبك حتى الآن و الذي يصاحبه بطالة كبيرة وفساد إداري مستشر."
ويشير الياسري إلى انه " لا يمكن أن تحل الميليشيات بقرار حكومي بل تحتاج إلى قرار سياسي من جميع المشاركين في العملية السياسية " ويتابع " يجب أن تكون هناك خطة إستراتيجية متكاملة تبحث في كل الأسباب والنتائج ، تضع هذه الخطة الحكومة بالتعاون مع مؤسسات بحثية متخصصة لكي تخرج بنتائج مؤثرة ودائمة."
أما اللواء أحمد الخفاجي وكيل وزير الداخلية فيقول " قضية الميليشيات قضية شائكة كذلك هو السلاح بيدها، فالسلاح في الوقت الراهن لم يعد فقط ما هو موجود في العراق بعد سقوط النظام بل تعداه الى ما يأتي من خلف الحدود لكي تستعمله هذه الميليشيات." وأضاف "ليس الوزارات الأمنية وحدها معنية بالميليشيات وسلاحها بل نحتاج الى اتخاذ جملة إجراءات يكمن أن نصل إلى حلول بعد تنفيذها."
ويتفق الخفاجي مع الياسري في أهمية الدور السياسي لاحتواء السلاح حيث يقول" العمل السياسي يبدأ باقتناع الأطراف السياسية العراقية بأهمية إلقاء السلاح واحترام الدولة ودورها ثم منع التدخلات من دول الجوار بالداخل العراقي."
وأوضح الخفاجي " نحتاج الى حملة توعية ليس بين المواطنين فقط بل بين السياسيين بان الكل سوف يخسر وأن ليس هناك طرف رابح، نشدد فيها على أهمية دور الحوار وأنه هو الوسيلة الوحيدة للخروج من الدوامة الحالية وليس السلاح، كذلك تقوية دور الدولة ومنع حمل السلاح في الشارع وإخفاء المظاهر المسلحة و يجب أن يردع كل من يحمل السلاح مهما كانت صفته حتى نتعود على خلو الشارع من السلاح يضاف الى ذلك أمرين هما تقوية دور العشائر ومنظمات المجتمع المدني مع توفير فرص عمل لكل الذين يحملون السلاح الآن سواء أكانوا عسكريين أو مدنيين."
ومن جانبه علق حسن السنيد النائب في مجلس النواب العراقي على موضوع سلاح الميليشيات بالقول " أن نصف العراقيين في الوقت الراهن شاءوا أم أبوا هم منتمون لأحزاب سياسية وبالتالي يحملون السلاح لحماية أنفسهم ثم أحزابهم ،والتجريد من السلاح يبدأ من الكتل السياسية وبقرار سياسي يجمعها لأنها تستطيع أن تؤثر على أعضائها لإلقاء السلاح ." ويتابع " برأيي أن الحكومة بحاجة الى برنامج تفصيلي وأساليب علمية حديثة لسحب السلاح من الشارع أحد بنوده هو شراء السلاح من المواطنين ثم إصدار تشريعات متشددة ضد من يحمل السلاح بعد ذلك حتى تستعيد الدولة هيبتها."
بيد أن عبد الكريم العنزي عضو مجلس النواب ووزير الأمن الوطني السابق يرى "أن هناك من يمنع الحكومة من تأدية دورها ويضغط عليها و هم المسؤولون الأمريكيون في العراق" متساءلا " من يقول أن لديهم - أي الأمريكيين - إرادة حقيقية لنزع سلاح الميليشيات في الوقت الراهن؟."
ويخالف العنزي الجميع بالقول " جمع السلاح في الوقت الراهن هو تسهيل لعمل الإرهاب والإرهابيين لأن حل الميليشيات لا يمكن أن يتم إلا بعد تقوية الحكومة."
وقال " نحتاج الى اتفاق سياسي شامل بين جميع العراقيين، وإدراكا لأهمية دور الحكومة يعقب ذلك تشريعات تجرم كل من يحمل السلاح حتى داخل البيوت مهما كان نوعه بعد أن نوفر سيولة كبيرة لجمع السلاح بكل أنواعه من الشارع."
بينما يرى محللون آخرون أن هناك خطوات غير منظورة بدأت على طريق سحب السلاح من الشارع منها قيام بعض مديريات الشرطة في الجنوب بالطلب من المتطوعين الجدد في الشرطة شراء أسلحتهم من الشارع وتسجيلها في سجلات الدولة ، كذلك الاتفاقية الدولية لمنع المتاجرة بالأسلحة وخاصة الخفيفة منها والتي وافقت عليها 139 دولة حتى الآن منها العراق، وأيضا مصادقة مجلس الرئاسة العراقي على قانون انضمام العراق إلى اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للإفراد، وتدمير تلك الألغام والذي يمكن أن يكون بداية المشوار الحقيقي لاحتواء السلاح من الشارع رغم أن القليلين قد تنبهوا لذلك.
وكان برلمانيون عراقيون قد دعوا إلى حل المليشيات وحذروا من مخاطر هذه الظاهرة واتساع وتعدد المليشيات وربطوا ذلك بضعف أداء الدولة والفراغ الأمني.
جاء ذلك في ندوة أقامها معهد بغداد للابحاث السياسية يوم السبت الماضي في فندق الرشيد ببغداد وحضرها عدد من أعضاء مجلس النواب.
وقال سامي العسكري عضو مجلس النواب عن قائمة الائتلاف العراقي الموحد" أن للميليشيات دورا كبيرا في الاطاحة بنظام صدام لكنها اصبحت الان ظاهرة خطيرة ترتبط بعمليات الخطف والقتل على الهوية والتهجير القسري في مختلف مناطق البلاد."
وقال عبد الخالق زنكنة عن قائمة التحالف الكردستاني" أن الميليشيات المتواجدة الان في الشارع العراقي تنفذ اجندة خارجية تخدم دول الجوار ..وهي ظاهرة خطيرة ."
أما عضو مجلس النواب مثال الالوسي فقد دعا لوضع "سقف زمني لحل الميليشيات والابتعاد عن الحل العسكري في التعامل مع هذه القوى والتي علل الالوسي وجودها بسبب الاهمال الكبير لمناطق تواجدها."
وأضاف أن هذه المجاميع "لم تجد تبنيا او اهتماما من قبل الحكومة." مشيراً بذلك الى ميليشيا (جيش المهدي ) في مدينة الصدر التي قال انها "عانت في وقت الطاغية والان تعاني الاهمال."
ومن الجدير بالذكر ان معهد بغداد للابحاث السياسية يجمع عدداً من المفكرين العراقيين في مجالات السياسة والدين والثقافة وذكر مدير المعهد صلاح عبد الرزاق بان "ابحاث المعهد ستغطي السياسة الداخلية العراقية والقضايا الدستورية والسياسة الخارجية والنظريات الاسلامية السياسية المعاصرة ."