شراء الاصوات ... نوع آخر من الفساد
الكثير لا يعرف ان رئيسة حزب العمل الاجتماعي الديمقراطي في السويد ( مونا سولاين ) خسرت الانتخابات لصالح حزب التجمع المعتدل برئاسة فريدريك رينفلت ، عندما استعملت بطاقة الائتمان الخاصة بالبرلمان ( من دون قصد ) في احدى جولاتها التسوقية الخاصة والتي ترافقت زمنيا مع انطلاق الحملات الدعائية للانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006 ، وقد وظفت وسائل الاعلام هذه الحادثة ضد ( مونا ) بشكل فضيحة كبرى وتجاوز على المال العام ، مما ادى الى خسارتها الانتخابات ليس بشخصها حسب ، بل انعكس سلبية تصرفها على اغلب مرشحي حزبها .حادثة لها اكثر من مدلول ، يمكن ان نثبته في :
1. حصانة المال العام في السويد ، وبراءته من اية افعال قد ترتكب باسمه او نتيجة استعماله .
2. خطر المال العام ، وكأنه شرارة تحرق كل من يقترب منها او يتعامل معها .
3. دور وسائل الاعلام في كشف الفضائح وعدم التغاضي عنها تحت اي ظرف او ضغط او مبرر .
المقدمة البسيطة ، قد لا تحدد اوجه للمقاربة او للمقارنة بين ديمقراطية حقيقية موغلة في التجربة منذ اوائل القرن الماضي ، والتي مثلتها فضيحة الانتخابات السويدية الاخيرة ، وبين ما نريد التحدث عنه بخصوص تجربة تمتاز بالحداثة والتلقائية والبساطة كالتجربة الديمقراطية الفتية في العراق والتي نتعايش مع حملاتها الانتخابية وقرب موعد انطلاقها اوائل شهر اذار المقبل ، والتي على الرغم من اتفاق هيئة النزاهة فيها والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في اجتماع مشترك ، على التعاون للحد من استخدام المال العام وامكانيات الدولة في الدعاية الانتخابية ، الا ان ذلك لا يعني التغاضي عن الحقائق الميدانية التالية ليس من باب المقارنة مع الآخرين بل من باب النقد لظاهرة سلبية يتعامل معها البعض وكانها ملك مباح لتحقيق المآرب الضيقة ، ذلك هو المال العام ، وعلى الشكل التالي :
· المال العام في العراق مباح فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بالمملوك او المنقول الى غير ذلك من الوسائل التي يمارسها البعض في دوائر ومؤسسات الدولة ، خصوصا اذا ما علمنا ان 16 وزيرا من اصل 36 وزيرا مرشحين للانتخابات القادمة ، بعضهم من وظف كامل وزارته كوادرا وامكانيات لحملاته الخاصة ، والكل يعلم ان انخراط الموظفين العموميين في العملية الانتخابية للاحزاب السياسية امر غير مشروع بالمرة ، ناهيك عن الامكانيات والتي هي اصلا ملكا للشعب .
· امان المال العام ونتائجه التي تجلب الحظ ( من وجهة نظر سارقيه ) ، وتهيء لهم السلطة والغنيمة والوجاهة التي يبحثون عنها .
· تجاهل بعض وسائل الاعلام وتنازلها عن واجبها ومسؤولياتها الوطنية في كشف الخروقات والتلاعب بالمال العام تحت مبررات الظرف احيانا والضغوط احيانا اخرى .
لكن عملية تجنيد المال العام واستخدامه في وسائل التضليل والتشويش وشراء الذمم والاصوات وكسب الولاءات لا يمكن اخفاءها او التستر عليها فنرى الالسن تتناقلها وبعض الاعلام الوطني الشريف يفضحها ، ذلك ان التجاوز على المال العام واستخدامه في غير موضعه ليس الا عملية استخفاف بعقلية الناخب العراقي الذي لن يمنح صوته هذه المرة لمن يخدعه مقابل ( قطعة سلاح او كم مليون او او وعد بوظيفة او ... ) .
فاليوم لو دفع المرشح مال قارون لن يحظى بصوت لمواطن عن غير قناعة بأن هذا المرشح او ذاك سوف يخدم المصلحة العامة ويحافظ على المال العام ويوفر ابسط مستلزمات العيش الكريم ، بل كيف يمكن التفكير بمنح الصوت الى من يشتري الذمم او يتاجر بها ... والرابح غدا الامين والجدير بتحمل مسؤولية شعب بأكمله لا مرشحي المال العام .
اخيرا فأن المواطن كثيرا ما يأخذ المال من المرشح ولا يصوت له ، فالخطر اذن يتجلى اليوم في الاكراه المعنوي الذي يبقى الى حد كبير اخطر من الاكراه المادي ، وذلك من قمم نشر الفساد والتشجيع عليه ، ان لم نقل انه اخطر انواعه .
جواد العطار