شـتان بيـن البطريـرك والكردينـال وأمـور أخـرى !
بدايـة . . أرجو العلـم ، كمـا بيـنت مـرارا فـي كتابـاتي بـأنني أحتـرم كـل رجـال الديـن مـن دون استـثناء لأحـد منهـم ، وهـم دائمـا عـندي بمنـزلة واحـدة مـن الإجلال والإكرام والمهابـة ، وإن ظهـرت منسـجما أو مختلفـا مـع قسـم منهـم فـذاك بدرجـات متـباينة وأن مـردّه إلى ممارسـات رجـل الديـن غير الدينيـة لاغيـر ، أي تدخلـه في مـا لا يعنيـه ، وهـو أمـر لاصلـة لـه بدرجتـه الكهنـوتية والأكليريكيـة المتـعلقة بواجباتـه الدينـية المسـتمدة الأوامـر والصلاحيـات الإنجيليـة المطاعـة مـن قبلـي وغيـري إلتـزاما بالتـبعية الرعـوية ، أمـا مـا عـداها ـ إن حصـل تدخـل منـه ـ فمـن واجبنـا الدينـي إفهـامه بأنـه تجـاوز مجـالاته وأضـر بمهمـاته ومكانتـه ورعيـته .ومـع أنـني لسـت ضليعـا بالواجبـات والمهمـات الدينـية المسـيحية ، لأنـها ليسـت مـن إختصاصـي ، ولكـنني مطلـع على قضـايا دينـي بقـدر مـا أفهـم أناجيـل سـيدنا المسـيح لـه المجـد ورسـله بتعاليـم رسـائلهم الواردة فـي كتـاب ( العهـد الجـديد ) الـذي بـدأت بقـراءته مـع ( العهـد القديـم ) المـرفق بـه منـذ تعلـمت القـراءة وجعلتـه مـرافقـا لـي فـي حياتـي أينـما كنـت ، كمـا أنـني شـغوف بالإطـلاع على مـا يتيسـر لـي مـن النشـرات والمجـلات الدينـية . . ولكـن مـع مقـت التشـدد والجـدال الدينـي والمذهبـي والتـدخل فـي أمـور الديـن ورجـاله ، لأنـني أعتـبر الديـن والمذهـب علاقـة بيـن الإنسـان وربـه فـي ثـوابه وعـقابه .
وبالنسـبة لي ، فـإن إحتـرامي الفائـق لرجال الديـن ، وقناعـتي فـي ذلـك ، فـإنه نـاتج أيضـا عـن إلتـزامي بموروثـي العائلـي الـذي ينبغـي أن أصونـه ، إذ أن الـذي أعلمـه أو رأيتـه ، أن والـد جـدتي لأبـي كان القس بولس وكذلـك والـد جدتـي لأمـي كان القس حنـا ، وأن جـدي جبـو كـان شـماسا وشقيقـه الوحيـد أيليـا كان قسـا ، فـي حيـن أنـه كان لجـدي جبو ثلاثـة أبنـاء أكبـرهم كوركيس كـان قسـا وثانيـهما يونـان شـماسا وأصغـرهم والـدي شـماسا أيضـا . .
وهـذا الـذي ذكرتـه كررتـه مـرارا بكتابـاتي إنطلاقـا مـن صـيانة الإرث الـذي وصلـني مـن دون أن تكـون لـي علاقة باختـياره وهـو مـالايحـق لـي تغيـيره ، ويشـمل بالإطـار العـام : أولا إسـمي بصيغـته الكاملـة وثانيـا مذهبـي الكلدانـي الكاثوليكـي المسيحـي وثالثـا قوميـتي الآشـورية . . مـع إحتـرامي وإجلالـي لكـل الأسـماء والمذاهـب والقنـاعات القوميـة وقبـولي بصيغـة توفيقـية مرحليـة قوميـة لإسـم موحـد رسـمي لكافـة التسـميات المتـداولة لشـعبنـا .
لكـن ، أرى أن التـمييز بيـن الطاعـة الدينـية مـن جهـة والمـمارسات مـن جهـة أخـرى ، واجـب لتـجنب الوقـوع في ( فـخ ) الإستـغلال مـن أي مصـدر كـان . . كمـا أن بيـان الحقيقـة مـن الضـرورات الدينيـة والإنسـانية والإجتماعيـة متـى اسـتدعى الواقـع ذلـك ، ففـي الديانـة المسيحيـة لايوجـد معصـوم مـن الخطـأ غيـر سـيدنا المسـيح له المجـد وأن القديسـين هـم الـذين تـوفوا بالطهـارة والفضيلـة وهـذا ينطبـق أسـاسا على الرسـل والشـهداء مـن أجـل الديـن قبـل الإنشـقاقات المسيحية الأولى والمقبوليـن مـن كـل المذاهـب والكنائس ، وغيـرهم هـم ( طوباويّـون ) بحسـب وصف السـيد المسيح في عظتـه التـي تبـدأ بكلمة ( طوبـى ) وبحسـب معلوماتـي أن الطوباويـين الذيـن نسـمع عنهـم يخصـون الكنيسـة الكاثوليكية وحـدها حيـث يقـوم البـابا باحتـفال كنسـي بمنـح صفـة الطوبـاوي .
ولكـي لا أبتـعد عمّـا أنـا بصـدده في شـأن البطريـرك والكردينـال ، أقـول ، أن ( بطـرك ) بحسـب ( قاموس المنجد في اللغـة العربية المعاصـرة ، الذي تشـرف على مادتـه وطبعـه الجهـات الكاثوليكية في لبنـان ) هـو : لقـب يطلـق في الكنيسـة الرومانيـة والكنائس الشرقية على أسـاقفة الكراسـي المهمـة ، رومـا والقسـطنطينية والإسـكندرية وأنطاكيـة وأورشـليم .
وفـي انسيكلوبيديـا ـ دائرة معارف ( الموسـوعة العربيـة الميسـرة ) التـي تشـرف عليها ( مؤسسة فرانكلين الأميركية للطباعة والنشر ) بطريـرك : ـ يطلق على بعض الرؤسـاء الدينيـين ، الذيـن تمتـد سلطتـهم إلى عـدد مـن الأسـاقفة ، والبطريركيـات في الأصـل ثـلاث : الغربيـة ، وعلى رأسـها أسقف رومـا وأنطاكية واسكندريـة ، وفي القرنيـن الرابع والخامس أضـيف إليها القسطنطينـية وأورشـليم ، وكانـت البطريركية الغربيـة تشـمل جميـع بـلاد أوروبا غـربي البلقـان ، ثـم بطريركيـة القسـطنطينية وتشـمل الإمبراطورية البيزنطيـة ، ثـم بطريركية أنطاكيـة ، وتشـمل سـوريا والعراق ، وعنـدما انتصرت المونوفيزيـة في مصـر وسورية في القرنين الخامس والسادس ، نشـأت كنائس جديدة ، وقامـت إلى جانـب البطريركيات الخمس القديمة بطريركيات أخـرى ، واتحـدت 14 بطريركية مـع رومـا ، أربع مـن الطقس اللاتيني منـذ زمـن الصليبيـين ، وهي ، القسطنطينية ، واسكندرية ، وأنطاكية ، وأورشـليم ، وبطريرك كـل واحـدة منـها أسـقف للكاثوليك المحليـين مـن الطقس اللاتيـني ، وسـتة رؤسـاء للطقـوس الشرقية ، ولهـم السـلطة البطريركية الكاملـة : اسـكندرية ( الطقس القبطـي ) وأنطاكيـة : ثلاثـة بطاركـة السـرياني والمارونـي والروم الكاثوليـك ، وبابـل : ( الطقس الكلدانـي ) وكليكيـا ( منطقـة في جنوب غربي تركيا ، كانت مملكة مستـقلة مـن 1198 ـ 1375 ) ( الطقس الأرمـني ) ، وأخيـرا يطلق اسـم بطريرك في الكنيسـة الغربيـة تـشـريفا على أربعـة أسـاقفة : في الهنـد ( بطريرك الهـند الشرقية ) ، وأسـقف لشبونـة ، وأسقف البندقيـة ، وبطريرك الهـند الغربية ، وأنشـأ القـيصر في الكنيسـة الروسـية الأرثوذكسـية بطريركيـة موسـكو ( 1589 ) وأطلق أيضـا اسـم بطريرك على أسقـفي بلغـراد وبوخارست ، إلى جانـب هؤلاء جميعـا يوجـد أيضا في مصـر بطريرك للأقبـاط الأرثوذكس ، وآخـر للأقبـاط الكاثوليـك ، وبطريرك يعقـوبي لأنطاكيـة وأربعـة بطاركـة أرمـن .
أمـا ( كردينـال ) بحسـب ( قامـوس المنجد ) فهـو ، كـل واحـد مـن الأحبـار الذيـن يؤلفـون المجمـع المقـدس . وبحسـب ( الموسـوعة العربية الميسـرة ) فـإن ( كردينـال ) هـو : عضـو أعلـى هيئـة في الكنيسـة الكاثوليكية ، ويلـي في المرتبـة البابـا مباشـرة ، يسـاعد الكرادلـة البابـا فـي إدارة الكنيسـة ، وهـم بمثابـة مجلس استـشاري لـه ، وهـم الذيـن يختارون البابـا ، ومنـهم يختـار ، ومنصـب الكردينـال منفـصل عـن الوظائف الكنسـية ، فليس بـلازم أن يكون أسقـفا ، ويقـوم الكرادلة بإدارة مجالس مختلفـة خاصـة بشـؤون الكنيسـة العالمية ، ويرأسـون المحاكم الكنسـية العليـا ، ويتـولون أعمـال السكرتاريـة في المسـائل البـابوية ، لباسـهم وقبعاتـهم حمـر فاقعـة اللـون ، كـان أقصى مـا يمكن أن يصـل عـددهم إليـه سـبعين كردينالا ، وذلـك بمقتـضى القاعـدة التي وضعـها البابـا سـيكستس الخامس ( 1585 ـ 1590 ) ولكـن زيـد عـددهم أخيـرا .
ولأن الموضوع يخص أسـاسا غبطـة البطريرك مار عمانوئيـل الثالث دلـي ( الـذي منـحت له صفة كردينال بصورة رمزية فقـط حيث لا يحق له المشـاركة في إنتخاب البابـا الجديـد واتخاذ القرارات لتجاوز عمره السـن القانونية للكرادلة العامليـن ) ولوجـود مـن بحثـه وتأليـفه كتـاب مهـم فـي هـذا المجـال بعـنوان ( المؤسـسة البطريركية فـي كنيسـة المشـرق ) المطبـوع في بغـداد 1994 ، أرى أهميـة فـي إشـارة موجـزة الآن لفقـرة مـن الكتـاب ( علـى أن أخصص موضوعي المقبـل كامـلا لفقـرات أنقـلها بالنص وحرفيـا مـن هـذا الكتـاب تخص بطريركيـة الكنيسـة الكلدانيـة والمقـام الرفيـع لإسـم بطريـرك هـذه الكنيسـة العريقـة بالقـدم والمآثـر فـي أرضها الأبيـة بيـن النهـرين . . فـإلى موضوعـي المقبـل هـذا ) .
يقـول المطران ( البطريرك ) دلـي فـي ص 138 وص 148 " ان لفظـة البطريـرك مركبة مـن مقطعيـن مندمجيـن معناهـما : أب ورئيس ولايـة ، بهـذا المعنـى اتخذها آبـاء كنيسـة المشـرق ، وبهـذا المعنى فهمـوها ونسـبوها إلى رئيس كنيسـتهم الأعلـى . . بعـد هـذا العرض السـريع والموجـز نشـير باختصـار الى ذكر بعض الأوصاف التـي كانـت تطلق على هـذا الأب الروحي ، منـها : الأبـوية ، القـداسة ، الكهنـوت ، الكاهـن العظيم ، العفـة ، الغبطـة ، الأب الطوباوي ، الأب الموقـر والقديس المبارك ، محـب اللـه ، منتـخب اللـه ، محـب المسـيح ، الأميـن ، رجـل اللـه العظـيم ، الأب الروحـي ، الأب الرئيس والمدبـر والسـيد الجالس على كرسـي أدي ومـاري ، راسـم الأحبـار ، رئيس الرؤسـاء ، صاحب الأبـوة الكبـرى ، سـيد السـادة ، ينبـوع الكهنـوت ، إمـام أئمـة الأمـة الصادقـة ، راعي الرعـاة ، عاقـد التيجـان ، مكمـل الأسـرار الشـرعية ، حامـل المفاتيـح السـماوية ، هـادي أمـة المسـيح ، حافـظ الأمانـة ، موحـد الأمانـة ، المؤتـمن على الأسرار اللاهوتية ، تـاج النصرانيـة . . وكان الجائليـق البطريـرك بدوره ينـعت نفسـه بالكلمات المتواضعة كقـوله : الضعيف أو الحقـير أو الخادم الصغيـر أو الخاطئ أو الغـريب " .
ولـديّ مصـادر أخـرى عـدة فـي مجموعتـي مـن الكتـب والمجلات المتواضعة وأنـا فـي الغربـة اللعـينة ، تتحـدث عـن البطريـرك والكردينـال لكنـها مصـادر لشـعبنا ، مـا قـد يؤدي تنـاول مـافيـها إلى شـكوك بالتحيـز لمضمونـها مـن قبـل البـعض لأخراج هـذا الموضـوع عـن مجـاله العلمـي والبحثـي الحقيقـي ، ولـذا أكتـفي بالمنجـد والموسـوعة العربيـة الميسـرة ، باعتـبارهما مصـدرين علميـين للبحـث العـام ، تـمّ تـدويـن معلوماتـهما بجهـود فريـق عمـل إختصاصـي وبمراجعـة دقيقـة مـن قبـل خبـراء ، وأستـند عليـهما في البحـث والتحليـل الـذي أنـا بصـدده .
بـابـا رومـا ، بكـل ألقابـه مثـل الحبـر الأعظم ، هـو بالأصـل بطريـرك وأسـقف رومـا والبابويـة وظيفـة شـرف وولايـة للرئاسـة العليـا للكنيسـة الكاثوليكية ، وتعتـقد الكنيسـة الكاثوليكية منـذ القـرون الأولـى أن البـابا معصوم مـن الخـطأ فـي أمـور الإيمـان وآداب الديـن متـى قدمـها بنـوع إحتـفالي باعتـباره معلما عـاما للكنيسـة الامبراطورية الرومانية فـي الغـرب ، ، وأن كـل مـا يطلـق عليـه غيـر ذلـك هـو تسـميات غيـر أصيلـة ، ربـما إتخـذها فـقط رغبة في التـمييز عـن غيـره مـن البطاركـة عنـد الإشـارة إليـه ، وليس وحـده مـن البطاركـة الـذي يسـمى ( بـابـا ) فـإن بطـريرك الأقبـاط الأرثوذكس يسـمى أيضـا بـابـا وهـو الآن ( البـابا شـنودة الثـالث ) والبطـريرك اليعقـوبي لأنطاكيـة يطلـق عليـه الحبـر الأعظـم وهـو حاليـا ( أغناطيـوس زكا الأول عيـواص ) وبطريـرك موسـكو يوصـف بالكرسـي الرسـولي وهـو اليـوم ( اليكسـي الثـاني ) . . وهـكذا غالبيـة البطاركـة الآخـرون خصـوصا غيـر الكاثوليـك حاليـا .
هـذه الأمـور نفسـها تنطبـق أيضا على الصـفات التـي يتـمتع بـها بطريـرك بابل ( الطقس الكلـداني ) وهـي موثوقـة مـن خلال تسـميته التاريخيـة ( بطريرك ) على مـدى قـد يمتـد إلى 1800 عـام أو أكثـر (أسـوة ببطريـرك رومـا وغيـره مـن بطاركـة العالـم ) وكمـا أن بطريرك رومـا ( البابـا ) هـو رئيس مجموعـة أسـاقفة اللاتيـن فـإن بطـريرك بابـل هـو رئيس مجموعـة أسـاقفة الكلـدان . . إذن فمـا هـي الحكمـة مـن التخلـي عـنى خصوصيـات بطريـرك الكلدان ( جماهيريا وإعلاميـا ومـا لـه مـن إنعكاسـات حتى على الصلاحيات الدينـية ) لمصلحـة رتبـة ( كردينـال ) الأقـل شـأنا والتـي مهمتـها بمثابـة مجلس استشـاري لبطريرك رومـا ( البابـا الكاثوليكـي ) يقـوم أعضـاؤه بإدارة مجالس مختلفـة وأعمـال السكرتاريـة فـي المسـائل البابويـة ؟
علمـا أن المذهـب الدينـي هـو طريقـة ونـهج وممارسـات لمعتـقد يعبـد بـه الإنسـان ربـه ، والإلتـزام بـه يعـني الأخـذ بالإطار العـام للمذهـب فكـرا وتفسـيرات وصيانـة ، وواضـح أن كـل هـذا منفصـل عـن الخصوصـيات الذاتيـة والأمـور الهامشـية للمؤمنيـن بـه ، مـا يعـني أن المذهـب الدينـي لايمنـع التـعلق بالمآثـر المتميـزة لجوانب تأريخيـة واجتماعيـة ومناطقيـة لجـذور ملتـزمي هـذا المذهـب .
لقـد أخـذت آراء عـدد مـن المتابعيـن قبـل كتابـة هـذا الموضـوع ، كمـا هـو نهجـي فـي غالبيـة المواضيـع التـي أنشـرها ، وتـوافـرت لـدي ملاحظـات عـن هـذه الموجـة غيـر الطبيعيـة فـي الأوسـاط السياسية والإعلامية . . أهمـها :
ـ قـد يكـون برغبـة مـن غبطـة البطريـرك دلـي نفسـه ، لأنـه لو شـاء أوقـف إسـتخدام صفـة الكاردينـال لـه وأكـد على إسـتمرار صفـته " بطريـرك بابـل على الكلـدان " ( كمـا ورد في كتابـه ـ المؤسـسة البطريركية في كنيسـة المشـرق ص 145 ـ عـن الكتاب السـنوي الذي ينشـره الكرسـي الرسـولي سـنويا وهـو التـقويم الحبـري ) إذ مـن الأصـول أن يسـأل الصحافي الشـخص الـذي يقابلـه عـن الإسـم والصفـة واللقـب الوظيفـي الـذي يريـد تقديمـه للقـارئ أو المسـتمع بموجبـه ، وإذا لـم يسـأل الصحافـي لسـبب مـا فيمكـن أن ينـبهه غبطـة البطريـرك بأنـه يفضـل تقديمـه ( بصفتـه البطريركيـة فقـط ) . .
ويوجـد في هـذا المجـال درس مهـم إذ أن البطريـرك المارونـي نصراللـه صفيـر حصـل على صفة كاردينـال منـذ نحـو عشـر سنوات ، ولـم ترافقـه هـذه الصفة إطلاقـا ، فـأنا أتابـع الصحافة اللبنانيـة يوميـا منـذ 17 عـاما باعتـباري مسؤولا لمكتـب صحيفـة ( الحيـاة ) اللبـنانية في منطقـة البلقـان ( التي مركـزها الإداري والمالي في لنـدن ) وأتابـع أيضـا القنـوات الفضائيـة اللبـنانية لعملـي في العـديد منـها ( ولا زلـت مراسـلا لتلفـزيون الحيـاة أل بي سي ) فلـم أجـد مـرة أن ورد مـع اسـمه لقـب ( كردينـال ) فـي صحيفـة أو فضائيـة ، وأتحـدى الآن وعاليـا مـن يأتـيني بصحيفـة أو مجلـة لبنانيـة فيـها كلام للبطريرك صفيـر أو أحـد مطارنتـه أو قسـسه أو رعيـته . . ألخ يذكره بلقـب ( كردينال ) بـدل ( بطريرك ) .
وعـندما كنت في بيـروت لاحظـت أن اللبنانيـين يشـيرون إلى البطريرك صفيـر بكلمة واحـدة هي ( بطـرك ) مـن دون اسـمه ، وعـندما أبديـت استـغـرابي لأحـد الزملاء الصحافيين المارونييـن لعـدم ذكـر اسـمه ومرافقـته بكلمـة ( غبطة ) وغيرهـا مـن عبـارات الإحتـرام والفـرح والبهجـة المتـعارف عليـها بالنسـبة للبطريـرك ، أجـاب : لمـاذ الإسـم مادامـت الكلمـة أصبحت خاصـة التـداول بالبطريـرك صفيـر وواضحـة الدلالة لكل اللبنانييـن ، ولمـاذا عبـارات الغبطة وغيـرها مـادامـت كلمـة بطريـرك تحمـل أسـمى معـاني السـمو والجـلال . . أنقـل هـذا بالمناسـبة وأقـول إنـه حـقا درس لمـن يريـد أن يتعـلم ويـدرك الحقائـق ويستـفيد .
وبيـن الآراء التـي وردتـني ، أن هـذا التـرويج تشجعـه الحكومة ( الطائفية ) العراقيـة في محاولة خـداعية لتبيـيض وجهـها خصوصـا خارجيـا ، ظنّـا منـها أن الصفـة تفيـدها دعائيـا لنـفاقها وريائـها ( بالوطنيـة والديموقراطيـة والسـياسة غيـر التمييـزية بيـن العراقيين . . ) ونشـر مكثـف لأخبـار ومعلومـات : فـلان هـنأ الكردينـال ، وفـلان استـقبل الكـردينـال . . وهكـذا دواليـك .
ومـن الآراء التـي وصلتـني بهـذا الخصوص ، إن الأمـر لايتـعدى قـلة وضـوح وإدراك مـن العـراقيين ، خصوصـا لأن مثـل هـذه الصفـة لـرجل ديـن عراقي جديـدة عليـهم ، فلـم تسـبق لهـم تجربـة مثـيلة لهـا ، ولهـذا تداولـوها بنـوع مـن الإفـراط فـي رفـع الشـأن إلـى حـد الإعجـاب والتـشدد . . وهـو أمـر نجـده فـي كـل جـديد عـراقي نتيجـة الظـروف والتـباهي بألقـاب الحكـام المتنوعـة والغريبـة التـي شـاعت في السـنوات الخمسـين الأخيـرة .
وأيضـا مـن الآراء مـا أشـارت إلى مسـؤولية وسـائل إعـلام شـعبنا خصوصـا قنـاة عشـتار والمواقـع ، لكـن مسـؤول إداري بأحـد مواقـع شـعبنا الألكتـرونيـة أوضـح رأيـه ـ مـن خلال تجربتـه في موقعـه ـ بـأنه ليس مـن حـق أحـد سـواء مواقـع أوصحافـة أو تلفـزيونات التـلاعب أو تعـديل الأسـماء والألقـاب التـي تصلهـا لأن مسـؤولية هـذه الأسـماء والألقـاب يتحملـها أصحابـها وكتاب مواضيعـها . . لكـنه أضـاف بأن غالبيـة هـذه المواقـع تمـر بمشـكلة مـع الكثيـر مـن المواضيـع التي تصلـها ، فـإن نشـرتها فهـي هابطـة الأشـكال والأنـواع والأفكـار واللغـة والأخـلاق . . وإن رفضـتها ( فتـقوم الدنيـا ولا تـقعد بالإتهـامات ) وإن حـذفت مـنها عبـارة تـنم عـن شـتيمة أو وصـف غيـر مناسـب أو تعبيـر غيـر لائـق وحـتى إن قامـت المواقـع بتعـديل خطـأ لغـوي أو نحـوي فتـنهال هواتـف ورسـائل العـتاب للموقـع بالتحيـز وعـدم إحتـرام حريـة الرأي والتعبيـر والديموقراطية . . وكـأن هـذا البعض يعتـبر الإحتـرام والحريـة أمـور معـنوية سـائبة مـن دون حـدود أو ضوابط أو أصول ، لابـل منـه مـن يـرى أنـها شـأن خاص لاحسـاب عليـه حتـى لـو تجـاوز الفوضـى .
ومـن الآراء التـي وصلتـني ، خصوصـا مـن داخـل العراق ، اتهمـت أهلـنا فـي الخـارج بتـرويج صفـة ( كاردينـال ) لأسـباب عـدة ، منـها مـا يكـون سـطحي المعاييـر مـن خلال تفضيل القشـور على اللبـاب والهوامش على الأساسـيات . . ومنـها مصلحيـة خصوصـا مـن أحـزاب ذات إتجاهـات طائفيـة مسـتفيدة مـن بعـض كبـار رجـال الديـن ، وانقطـاع الصلـة المتسـعة للمغتـربين بتـراث العـراق . . وأيضـا ترويـج التسـمية مـن قبـل رجـال ديـن كبـار ومـتنفذيـن داعميـن المحاولات المتـداولة بخصوص مـا يقـال عـن مسـاعي لنقـل مقـر بطريركيـة الكنيسـة الكلدانيـة إلى ديتـرويت بالولايـات المتحـدة حيـث تـتداول المعلـومات عـن شـراء قطعـة أرض واسـعة بتـعاون عـدد مـن الأغنيـاء الذيـن نزحـوا مـن إحـدى بلـدات شـعبنا قبـل عشـرات السـنين ولحـق بهـم كـل أفـراد البلـدة تقريبا خلال السـنوات الأربعيـن الأخيرة ، ويجـري دعـم ذرائـع نقـل البطريـركية على أنـه ( طبيعـي ) بعـدما غـدت الولايات المتحـدة ( سـيدة ) دول العـالم وتـم نقـل رئاسـات دينيـة عالميـة كثيـرة إليـها ومنـها الشرقيـة الآثوريـة التي صـارت مراكزها شـيكاغو .
وبهـذا الخصـوص ، قـال لـي أحـد المتصليـن مـن أبنـاء شـعبنا في الخارج : يبـدو أن هـذا البعـض ـ الـذي نعـرفه ـ يعتـقد أن مؤسـسات الكنيسـة الكلدانية متعـلقة بأهـل مدينـة أو بلـدة أو قريـة ، ينقـلونها مثـل الخيـام حيثما يرحلـون ، وينسـون أن عهـد وراثـة بيـت أبـونا للكرسـي البطريركي انتـهت مـن زمـان ، وأن البطـريركيـة الكلدانيـة هـي لكـل أتبـاع الكنيسـة الكلدانيـة الكاثوليكية ، وأنـها نشـأت فـي أرض بيـن النهـرين وستبـقى إلى الأبـد في ربـوع هـذه الأرض . . ومـن يفكـر بغيـر هـذا لايعـدو أن تكـون أحلامـه زبـدا يتلاشى سريعا ويـزول .
لكـن ، وأنـا أكتـب هـذا الموضوع ، قـرأت برقيـة مطارنـة الشـمال ، بأسـطرها القليلـة الأربعـة وعبـاراتها الوفيـرة الدلالات ، المرسـلة بموجـب العـنوان الحقيقي ( غبطـة البطريـرك مـار عمانوئيـل الثالث دلـي الكلـي الطوبـى ) فـزاد هـذا العـنوان مـن ثـقتي ويقـيني وقناعتـي بـأن فـي كنيسـتنا الكلدانيـة قـادة حمـاة أمنـاء علـى الديـن والمذهـب والإرث والإصـالة والثـبات والبقـاء ، يشـد مـن عضـدهم ويسـير بهـدي سـبيلهم القويـم ، شـعب صامـد يتحمـل مسـؤولية النهضـة الجـديدة لشـعبنا بكـل مسـمياته وبلـداته وقـراه وإنجـازاتـه التـي تـتألق بنـاء وعطـاء وبهـاء ورسـوخا وشـموخا ، حيـث ديـار الأجـداد والآبـاء الأبـاة ورايـات تضحياتـهم في ردع الأعـداء وفـؤوس الأعمـار علـى مـدى آلاف السـنين . .
ومـن دون أن أزيـد فـي هالـة الفخـر والإعتـزاز وتنـفس الصـعداء والإشـباع مـن قـراءة البرقيـة لإزالـة الجـوع النفسـي الـذي كـان يقلـقنـي . . رددت مؤكـدا لقناعـتي : إن مـآثـر شـعبنا فـي أرضـه الرافـدين هـي ثابتـة كالطـود الذاهب صـعدا فـي مواجهـة أولئـك الذيـن يعيشـون حسـابات أحـلام أوهامـهم . . ومباهـج اليـوم تتسـع يانعـة بشـرى خيـر وهنـاء ومسـرة والغـد بروائـعه لناظـره قريـب .