Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

صديقي ومقارناته المتشائمة

أدهشتني مقارنات صديقي المتشائمة التي تعرّض من خلالها الى موقف النخب في العراق، وعدم انخراطها في حركة الاحتجاج وضعف مشاركتها في التظاهرات والاعتصامات التي شهدتها ساحات العراق خلال الفترة الماضية.
قال: يبدو ان الحديث عن الفساد والمفسدين ونقص الخدمات وصراع الكتل السياسية المتنفذة على السلطة والنفوذ، حديث غير واقعي. على العكس من ذلك يبدو ان التطورات في البلد تسير نحو الإعمار والتنمية وإعادة البناء، ويتضح ان خطوات مجلس النواب تسير حثيثا نحو تشريع قوانين تجسد ديمقراطية الدولة، وتؤكد حق المواطن في العيش الرغيد. وتبيّن ان السلطات التنفيذية تسهر على تنفيذ خططها التنموية، وتعمل من اجل ذلك بغاية الديناميكية والشفافية، وتيسر المعلومة للمواطن، وتوفر كل الإمكانيات لإشراكه في الشأن العام. كما انها، أي "الحكومة"، تحترم حق المواطن في التعبير عن رأيه دون أية مضايقات تذكر. كذلك اتضح حرص الحكومة على وضع العراق في قائمة الدول الناجحة ، ولذا فلا معنى لأي فعل احتجاجي يمكن ان يقدم عليه المواطن. وان اي ناشط ينتقد أداء الحكومة إنما هو كمن " يغرد خارج السرب". فكيف للنخب ان تنجر لهذا "التغريد" النشاز؟!
وقال صديقي: اما الاحتمال الثاني فهو ان النخب غير مدركة لمخاطر الأزمة التي لم تكن ساحتها الحكومة وحسب، وإنما النظام بأكمله، بعد ان تمترس فيه الفساد، وأقام مؤسسة على درجة من القوة والجبروت، بحيث أصبحت تحمي الفاسدين، وتضيق الخناق على كل من يتعرض لها بأي نقد! وان المحاصصة ضربت أطنابها في تفاصيل دوائر الدولة، ابتداءا من هرم السلطات الى اصغر وظيفة، وغدا المواطن الذي يؤمن بالمواطنة كانتماء عزيز وخط فكري رصين، كالغريب في وطنه! وأردف صديقي قائلا ان النخب لم تصل بعد الى الاقتناع بان أجواء عدم الثقة بين المتنفذين هي السائدة في مشهد العلاقات المتبادلة.
كذلك وضع صديقي الاحتمال الثالث: احتمال الخوف من إبداء الرأي ومن المشاركة، باعتبار ان بعض السلطات ما زالت تغرف من منهل الدكتاتورية وارثها البغيض، في تهميش ومحاربة المعارضين، وإجبارهم على تقبل فكرتها. وان النخب هي التي تحملت عبء سياسات النظام الدكتاتوري المقبور، وسياساته الهوجاء، وحروبه المدمرة، ثم كارثة الاحتلال البغيض وانتهاكاته الكارثية، وبعدها الاقتتال الطائفي والمليشيات الطائفية التي قتلت الكثير من الأبرياء دون جرم او ذنب!
لم أوافق صديقي في ما أورد من احتمالات، وذكّرته بدور النخب في قيادة التحولات والتصدي لكل المثالب والعيوب، وعددت له اسماء مثقفين ومفكرين وسياسيين وقوى تصدت لكل عمل مشين. هنا اشتد غضب صديقي ودعاني الى عقد مقارنة بسيطة بين عدد المشاركين في أوسع مظاهرة انطلقت منذ شباط الماضي، وعدد المسجلين من النخب في نقابات الفنانين والأدباء والأطباء والمعلمين وأساتذة الجامعات والصحفيين والمهندسين والعمال، والاتحادات الجماهيرية والمهنية. وقال: ستكتشف تواضع المشاركة بوضوح تام!
قلت لصديقي: ليست الصورة بهذه القتامة، فهناك جهود بذلت وأخرى تبذل، وغيرها ستبذل. وأردفت: صحيح ان الأرقام مهمة، وسعة المشاركة تسهم في تسريع الإصلاحات التي نطالب بها، لكن التشاؤم مقتل الحركة من اجل التغيير، وان صوتا واحدا ينطق بالحق يمكن ان يعبر في الوقت ذاته عن معاناة شعب بأكمله. Opinions