Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

صراعكم حول الاقليم ليس باسمنا!

لم تكن مطالبة مجلس محافظة صلاح الدين بتحويل المحافظة الى اقليم، هي الاولى، ولن تكون الاخيرة، كما يبدو. فقد سبقتها محافظة البصرة، التي جرى فيها استفتاء من اجل تحويلها الى اقليم، لكن طلبها لم يحصل على النسبة المقررة، التي تسمح بالمضي في الاجراءات القانونية لاعلان الاقليم. ومع هذا لم تتوقف مطالبة محافظة البصرة بالتحول الى اقليم، فنحن نسمع بين الحين والاخر تجدد المطالبات بذلك، حتى على لسان اعضاء في مجلس المحافظة. والمتابع للشأن السياسي يلاحظ تصاعد التصريحات من هذا الطرف او تلك الجهة بتحويل هذه المحافظة او تلك الى اقليم.
والامر اللافت للنظر هو ان قسما من الاصوات التي تنادي اليوم عاليا باقامة الاقاليم، سبق لها وكالت الاتهامات، واستخدمت كل ما وجدت في قاموس الادانة والتخوين، بحق كل من صوّت الى جانب الفدرالية كخيار لنظام حكم، يحقق التوزيع العادل للثروة والسلطة. ولا جدال في حق كل مواطن او جهة في ان تعيد النظر بمواقفها السابقة، وتغيرها. فتحريك المواقف وتبديلها شيء صحي ومطلوب، خاصة إذا كانت المواقف السابقة لم تتخذ على وفق معطيات صحيحة وتقدير سليم، واذا استند الموقف الجديد على منهجية صائبة، تؤكد قيم الديمقراطية واحترام القانون والالتزام بالدستور، والتوجه نحو بناء نظام يؤمّن العدالة ويكرس الانصاف. فإذا كانت المواقف تنطلق من هذه الاسس، فضلا عن كل ما يسهم في التحول الديمقراطي باتجاه بناء الدولة المدنية الديمقراطية، فان ذلك هو عين الصواب، وهو يستحق التأييد والمعاضدة.
لكن المتتبع للدعوات التي تنطلق اليوم لاقامة اقاليم يكتشف، وبحسب تصريحات اصحابها ومتبنيها، ان اغلبها جاء كردود فعل غاضبة على ممارسات الحكومة الاتحادية، وكاحتجاج على تلكؤ الوزارت المعنية بتنفيذ مشاريع التنمية المطلوبة، وتوفير الخدمات للمواطنيين. وهذا ما تشكو منه اغلب المحافظات، واسبابه كثيرة، منها عدم قدرة المؤسسات الحكومية على تنفيذ برامج الحكومة، نظرا لضعف مؤهلاتها من جانب، ولقوة مؤسسة الفساد التي فاقت قدراتها امكانيات اي مؤسسة من مؤسسات الدولة. فيما تبقى شماعة الوضع الامني، تتحمل التبريرات التي لم يعد لها معنى، لا سيما وان هذا الملف من مسؤولية الحكومة الاتحادية، التي اعلنت مرارا عن نجاحها في ادارته.
من جهة اخرى يتذكر المتابع الطريقة التي ادارت بها مجالس المحافظات شؤون محافظاتها خلال السنوات الماضية، والتي سجلت ضعفا واضحا لا بد من الاشارة اليه. حيث شهدت السنوات الاولى اهدارا غير مبرر في الموازنات، واستحوذ الفساد على النسبة الاعلى من التخصيصات. وفي سنوات لاحقة تم تنفيذ مشاريع لكنها لن تستكمل، فيما تركت مشاريع اخرى في منتصف الطريق. وهناك مشاريع نفذت بشكل سيء، ولا يرتقي الانفاق عليها الى ربع المبالغ التي خصصت لها. ونتذكر كذلك ان ما امكن تحقيقه من نسب تنفيذ في سنوات لاحقة كان ضئيلا جدا، ومرد ذلك هو ضعف الكادر المحلي وعدم قدرته على تنفيذ مشاريع استراتيجية.
وهكذا وامام مسؤولية مشتركة للحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، ضاعت الخدمات التي يفترض ان يحصل عليها المواطن. وامام ضعف اداء الوزارت الاتحادية ومجالس المحافظات، لم تحصل المحافظات على التنمية والتعمير والبناء التي هي في حاجة ماسة اليها. وفي اجواء عدم الثقة بين الاطراف المتنفذة لا يمكن تصور ايجاد حل ناجز ومقنع للجميع.
لنفرض جدلا أنه تم اقرار تحول كل محافظة الى اقليم، فهل ستحل المشاكل التي تحدث عنها المسؤولون؟ في ظل هذه الاجواء، فضلا عن اسباب اخرى، لا يمكن لنقاش جدي يساهم فيه المواطنون، وهم اصحاب الشأن اصلا، حول جدوى او عدم جدوى دعوة هذه المحافظة او تلك لاقامة الاقاليم، لا يمكن ان يثمر وينتج عنه حل يسهم في ترسخ التوزيع العادل للثروة والسلطة، الذي هو الهدف المنشود.






Opinions