صناعة الراي العام. لحسم نتائج الانتخابات ايجابا
الانسان بطبيعته ميال نحو الحرية والانعتاق من كل القيود التي تحول دون نيل حريته الفردية، ولا يتاقلم بسهولة مع ما هو حوله على المستوى العائلي الا بعد ان يرتاح ويشعر بالامان تجاه المعطيات المحيطة به، فنراه حساسا جدا ومنذ صغر سنه الى الامور التي تقيده وتمنع عنه تنفس الحرية وممارسة حق من حقوقه كانسان – الطفولة جزء ومرحلة مهمة من حريته – وان كان لايشعر بها على النحو الذي يشعر بها ويعبر عنها الانسان البالغ النمو.وان بلغ من العمل ما ندعوه مرحلة النضج، ليدخل بعدها في مرحلة تكوين الشخصية الناضجة، او تكوين الرأي الناضج ان صح التعبير، وان يصل الى صناعة قرار مبني على شخصية ناضجة وواعية بمستوى ما يسميه علم النفس/ الشخصية المتزنة.يعاني الفرد العراقي من التمايز الجغرافي ، والتي يتميز فيها العراق حيث الاختلافات واضحة بين الشمال والجنوب، على الرغم من ان شيئا اكبر يجمعهم هو الانتماء الوطني، والذي هو الاخر اختلفت تعاريفه، بعد الاجتياح الاميركي للعراق بعد احداث2003، والتغيرات السياسية المتسارعة التي المت بالبلاد، وظهور حالة الفوضى الفكرية، والانتقال من الولاء الى الشخصية البطلة الباسلة والقائد الرمز، الى الولاءات العشائرية والحزبية والمذهبية والمناطقية الجغرافية المتلونة بتلاوين المذهبية والقومية. حيث اضحت هذه المؤثرات – التي اراها مؤثرة وانية انما ستزول مع الزمن _ هي المسبب الرئيس لما آلت اليه الامور في العراق، وتضاف اليها مسببات اخرى معروفة لدى الجميع.
ان الولاءات الحزبية والمذهبية اولدت جيلا جديدا يعتمد في شخصيته على الخوف من اتخاذ القرار بسبب الضغط العشائري والمذهبي والديني، والوازع الوحيد لهذا الاندفاع هو الخوف من اعلاء الصوت، والهيبة من ابداء الراي وسط حرية اقل ما يقال عنها، حرية مقولبة باطار شفاف لايراه الا من يعرف كيف يقرأ التوجهات السياسية، المتمثلة بالكتل البرلمانية المشاركة في العملية السياسية، والتي تدعو بمجملها صوريا نبذ العنف والقومية والمذهبية الا انها خلقت نوعا من الراي العام في اللاوعي للفرد العراقي بالارتكاز على المذهبية والقومية كملاذ امن لضمان حقوقه في الوطن، بسبب الخوف المزروع من التجربة السابقة للنظام الدكتاتوري الذي جعل من الخوف وسيلة قمع، اما اليوم فامسى وسيلة صنع راي عام يجبر ذاك الطرف او هذا على الرضوخ له، بعيدا عن المصلحة الوطنية او المصلحة العليا للمواطن الضحية في كل ما يجري من تصفية حسابات اقليمية وحزبية ودولية على ارض العراق.
ان الاستحقاق الانتخابي اخطر وسيلة يمكن بها ان تكون ذا حدين، ففيها يستطيع المواطن ان يضع من يشاء في دفة حكم البلاد ان احسن الاختيار، وبالوقت عينه يستطيع باصبعه ان يهب السلطة والنفوذ لاناس سيكونون عبءا عليه لا بل وبالا له. وفي الاتجاه الاخر تستطيع الكتل والاحزاب ان تستغل حماس الشعب الانتخابي ورغبتهم في الشعور بهيبة المشاركة الانتخابية وممارستهم لحقهم الدستوري، لتحقيق مصالحها الشخصية باستخدام كل الوسائل والسلوكيات التي تراها مؤثرة على رايه وخياراته الانتخابية – الناخبين - ، وباساليب هي كثيرة ، مثل توزيع الاموال بسخاء او استمالته عشائريا او عائليا او دينيا او مذهبيا وهذا بالفعل ما شهده العراق طيلة سبع سنين ماضية في انتخابات مجالس المحافظات، والانتخابات البرلمانية الماضية حيث فرضت الكتل الكبيرة اراداتها الانتخابية بشتى الوسائل للوصول الى المناصب والاستحواذ على مصادر صنع القرار. وان قارنا بين انتخابات عام 2005 والانتخابات الاخيرة في مجالس المحافظات سنرى تغيرا جذريا على سلوكيات الناخب العراقي، واختيارته التي ربما وصلت بنسبة مئوية لا باس بها الى ما نسميه النضوج السياسي.
الاستعداد للانتخابات المقبلة امر بالغ الاهمية فالكل يحاول ان يتراصف مع من يجد فيه ارتكازا مبنيا على اساس متين جماهيريا لنيل وحصد الاصوات المؤهلة للفوز بالاغلبية البرلمانية، وسنرى مواكبة متكررة من قبل بعض الكتل المعروفة في الساحة السياسية واللعب على وتر الطائفية والمذهبية والقومية، ربما يراه البعض من العراقيين نفاقا سياسيا وسطت الاخفاقات الامنية والفشل في الخطاب السياسي الوطني الواضح، والاتهامات المتبادلة للتهرب من المسؤولية الجماعية التي على الساسة التحلي بها امام الراي العام وبالاخص ان كل الوقائع تؤكد وتبين ان اسباب كل هذه العمليات الاجرامية الاخيرة، في الاربعاء والاحد الدمويين، ليسا فقط بسبب اطراف اقليمية او دولية فحسب انما هنالك جهات اخرى لا يجرؤ احد منها ان يقول الحق امام الاخر لان الكل متورط بما الت اليه الامور في العراق. فهم قادته وسياسيوه فلماذا يلومون النظام السابق على كل جرائمه، اولم يكن يوما قائدا ظالما للبلاد فهو يتحمل تبعات ظلمه؟؟ لما لا يتحمل احد مسؤولية ما يجري اليوم؟؟ هذا سؤال لكل سياسيينا مع اعتزازنا بهم كلهم دون ان نميز بينهم؟؟
ان العراق بحاجة الى راي عام يقف ازاء كل من يحاول استغلال صوته الانتخابي من اجل مصالح شخصية ضيقة لا تحمل افقا في انتشال العراق من الازمات السياسية عبر اللجوء الى توعية الشعب باهمية دولة المؤسسات والقانون والدستور، وشرح ابعاد الاختيار الصائب في الاستحقاقات الانتخابية، لانها صمام الامان الضاغط على الرغبات الحزبية والسياسية، ووسيلة فعالة لاثبات ارادة الشعب وخياراته.
الاعلام العراقي له دوره في خلق النضوج السياسي للفرد العراقي بمختلف انتماءاته الفكرية والثقافية والقومية، هذا التوجه سينشأ تيار معتدل ومؤثر في الساحة العراقية له وقعه على غير الناضجين سياسيا، ويحاول استمالتهم، لفهم الواقع العراقي بكل اتجاهاته وتاثيراته وتاثره الاقليمي والدولي وتوظيف فهمه للامور من اجل الاختيار الصحيح المبني على الوطنية والانتماء الاصيل للتراب بغض النظر عن القومية والمذهب والعقيدة التي ينتمي اليها، عبر اربع مراحل وهي:
الاول: احترام الراي والراي الاخر وان كان بغير توجه او غير متطابق مع الرؤية الاولى، على اساس اننا كلنا مواطنون عراقيون.
ثانيا: الحرية الفردية والخصوصية.. ان الحريات الفردية تسهم في خلق مفهوم للحرية – اللامتناهية – دون الاخذ بعين الاعتبار الالتزام بالقانون والاسس الوطنية. فضلا عن الى توضيح المعنى الحقيقي والجوهر من وجود الحريات العامة للرجل والمراة بشكل متساوٍ.
ثالثا: العيش المشترك.. فالاختلافات القومية والمذهبية والدينية ليست بالضرروة سببا للفرقة والانعزال داخل المجتمع، وحتى على المستوى السياسي، ولبناء اذا ما صح التعبير "امة عراقية" قائمة على العيش المشترك وليس العيش السلمي، فالاولوية هي لوحدة مصير ولوحدة التوجه والمنطلاقات اما الثاني فيثير نوعا من التخوف من الاخر ويكون اساس عيشنا داخل الوطن عن طريق القوانين والنظم المعمول بها.
رابعا:النقد البناء.. ان تركيز الاعلام على اظهار الطرق السلمية للتعبيرعن الراي السياسي هو افضل وسيلة لمنع ظهور دكتاتوريات تتستر تحت عباءة الديمقراطية.
خامسا: حداثة التجربة.. توعية الفرد العراقي بالتجربة الديمقراطية للدول الاخرى التي سبقت البلاد في هذا المجال من خلال المقالات والندوات وغيرها من الوسائل الاعلامية لايصال الافكار الديمقراطية وانضاج مفهوم جديد من ثقافة عراقية تتطبع بها التجربة العراقية.
سادسا: منظمات المجتمع المدني.. احدى الوسائل المهمة للضغط الجماهيري كونها قريبة الى المواطن وتعمل في الشارع ولها طرقها في التوعية داخل المجتمع.
ختاما.. ان الراي العام صناعة فكرية تحتاج الى استراتيجية محكمة لايصال الطروحات السياسية بشكل سلس الى كافة مستويات الشعب، من العامل البسيط حتى المثقف والفنان مرورا بكل مفاصل المجتمع ليكون فعالا ومؤثرا في مواجهة الطموحات السياسية اللامشروعة – حزبيا او طائفيا او ذاتيا او منافع شخصية – فضلا عن بناء مفاهيم مشتركة تتوارثها الاجيال الصاعدة التي ستتربى على الديمقراطية وتتشرب من منهل العلم والالتزام بالدستور والقوانين واحترام الحريات، ولتكون كتلة كونكريتية في يوم اختيار ممثلي الشعب تقف ضد كل توجه من هذا النوع بانامل سترسم مصير البلاد ومستقبل الوطن ونوع حياة المواطن لاربع سنين قادمة.. لا بل سترسم ملامح عصر جديد من ديمقراطية فعالة ستصمد دوما امام الطائفية والقومية والعشائرية والفساد السياسي والاداري. وفرض النزاهة والامانه والوجوه الجديدة على الساحة السياسية والتي ستحاسبها نفس الانامل بعد اربع سنين اخرى..