Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

طروحات الأخ ابرم شبيرا والقوش ومأساة الآثوريين عام 1933 ( 2 ) الحلقة الثانية

القضية الآثورية والحوادث الدموية التي رافقتها في عام 1933 لم تكن في منأى عن الحراك السياسي في العراق في تلك المرحلة ، كان يراد للجيش العراقي ان يحقق ملحمة وطنية ، وكانت قضية الآثوريين مسالة مناسبة لتحقيق مثل هذه الآمال ، وقد شحن الرأي العام العراقي بفرضية ان الأنتصار على الآثوريين يعني الأنتصار على دولة بريطانيا العظمى ، وهكذا صور الأمر على انه انتصار وطني تاريخي للجيش العراقي .
هكذا اريد لهذه القضية التي كان يمكن ان تحل بترو وهدوء وعقلانية ، ان تتطور وتتضخم وتأخذ مساحة كبيرة والغاية كانت استخدامها لتحقيق اهداف أخرى .
المعارك لم تستغرق سوى عشرين ساعة ، لكن اعمال الأنتقام والتقتيل دامت اكثر من اسبوع ، ولهذا فإن كانت ثمة مبررات لقمع تمرد كما اشيع ، لكن لم يكن هنالك أي مبرر للقيام بتلك الأنتهاكات والأعمال الوحشية ، ويقول عبد المجيد القيسي ص261 بأن هذه الأحداث كانت من الضخامة والبشاعة بحيث افزعت القائمين بها وعلى رأسهم بكر صدقي نفسه فأصدر اوامره الى ضباطه وأفراد جيشه بعدم التحدث عنها او رواية اخبارها وانكرت الحكومة ضلوع الجيش فيها وألقت تبعتها على العشائر .
بشان التحركات التي سبقت المذبحة نعتمد على ما كتبه عبد الرزاق محمد الأسود في موسوعة العراق السياسية المجلد السابع .
بديات المشكلة ان 1350 مسلح اثوري عبروا الحدود العراقية السورية الى يوم 21 تموز 1933 م ، لسبب ما قرر هؤلاء العودة الى العراق ، لكن الحكومة العراقية اصدرت بياناً يقضي بعدم السماح لاي اثوري بالعودة الى العراق ما لم يجرد من سلاحه . ووافقت السلطات الفرنسية في سورية على تجريد اسلحة الذين عبروا الى سورية .
يبدو ان هنالك نيات مبيتة فقد أنيطت مهمة استقبال العائدين بقوة عماد المتدربة على الحروب الجبلية وسلمت قيادتها الى الزعيم الركن بكر صدقي وكانت القوة تأخذ مواقعها في ديره بون وباستيكي بالا والموصل .
ولا غضاضة ان نأخذ المعلومات عن العمليات العسكرية من عبد الرزاق الأسود رغم تأييده الواضح لما آلت اليه النتائج الدموية فنقرأ عن سير المعركة ص154 ـ 156


ـ ليلة 30 ـ 31 تموز 1933 حاولت مجموعة من الآثوريين عبور ضفة دجلة اليسرى فتصدت لها ربيئة من رتل الحاج وبعد مناوشات دامت ساعتين ونصف ارتد الاثوريون .
ـ وعن معركة ديره بون ، ورد ان مختار قرية سميل راجع القوة الموجودة في مخفر خانك ( قرية سورية على الحدود ) حول قبول 150 مسلح اثوري والسماح لهم بدخول العراق .
ـ وافق قائد قوة عماد على الدخول بشرط تسليم اسلحتهم بعد العبور .
ـ ارسلت قوة قيادة قوة عماد سرية مشاة بالسيارات الى منطقة العبور لملاقاة الآثوريون واستلام سلاحهم .
ـ في الساعة ( 1845 ) جوبهت القوة بنار شديدة من قبل الآثوريين الذين عبرو النهر وبإسناد من الذين لا زالوا في الطرف السوري من النهر .
ـ في الليل بلغ عدد المسلحين الذين عبرو النهر 800 مسلح .
ـ يوم 5 آب 1933 شرع الآثوريون بمهاجمة المعسكر وعلى الربايا 2 و3 و4 و6 لكنهم فشلوا ( الأقتباس دوماً من عبد الرزاق الأسود ) .
ـ هاجم الآثوريون الربية السابعة في الساعة ( 1400 أي الثانية بعد الظهر ) وقتل آمرها وجرح معظم جنودها وقتل آمرها .
ـ تقدمت قوة عسكرية أخرى في الساعة ( 1100 ) فاحتلتها . وانهزم الآثوريون . فاضطر قسم منهم على الرجوع الى الحدود السورية وتشتت الباقون في جبل بيخير .
ـ في الساعة ( 1300 ) انتهى القتال .
بلغت خسائر الآثوريون 130 قتيلاً و156 جريحاً وكانت خسائر الجيش 37 قتيل و43 جريح .
يوم 11 آب اصدرت وزارة الداخلية بياناً بانتهاء الحركات .
ـ وفي يوم انتهاء الحركات ( 11 / آب ) وقعت حادثة قرية ( سميل ) بين الآثوريين المتمركزين فيها مع الذين وفدوا اليها وبين العشائر التي كانت تراقب حركات المتمردين ولم يشارك الجيش فيها ، وكانت النتيجة وقوع 25 قتيلاً من العشائر و( 315 ) قتيلاً من الآثوريين . وفي الساعة 1200 من يوم 12 آب 1933 انذرت الحكومة العصاة بعرض دخالتهم وتسليم اسلحتهم خلال مدة 60 ساعة فقط .
فأذعن للامر ( 249 ) شخصاً استسلموا للقوات حتى غاية 14 آب وأما الباقون صاروا يعرضون دخالتهم على مراكز الحكومة .
في 16 آب 1933 اصدرت الحكومة العراقية قراراً بإسقاط الجنسية العراقية عن كل من ( أيشاي مار شمعون ـ داود مار شمعون ـ تيادور مار شمعون ـ سرمة خانم ) .
في 18 آب قامت طائرات القوة الجوية البريطانية بنقل مار شمعون وأتباعه الى الى جزيرة قبرص .
يتبين مما اورده الكانب انه اختصر المأساة بعدة اسطر من الكلام الذي لا يمكن ان يصدقه من له ذرة من العقل .
لماذا تقوم العشائر بمراقبة تحركاتهم ، وإذا كانت المعركة بين الآثوريين المتمركزين بمواقعهم وبين العشائر المهاجمة ، على حد زعم الكاتب ، كيف تقع هذه الخسائر الكبيرة في صفوف الآثوريين المتحصنين في مواقعهم . وما مصلحة العشائر في هذا الهجوم أصلاً ؟
اما عن مذكرات طه الهاشمي الذي كان المسؤول العسكري الأول عن هذه الأحداث فيكتب عنها بضعة اسطر يقول :
يوم 13 آب تحركت بالطائرة صباحاً الى الموصل وصلتها الساعة الثامنة والنصف صباحاً وكان وزير الداخلية ( حكمت سليمان ) في النادي . أخبرني بحادث سمايل ووقوعات أخرى . يظهر ان الآثوريين تشتت شملهم . ويضيف :
يوم 13 آب تحركنا الى دهوك ومررنا بالمعسكرات كانت المعنويات طيبة ، خطبت بأمراء الوحدات وطلبت اليهم الا يخرجوا عن حدود القانون ولا يعودوا الجنود على القتل والنهب . وصلنا دهوك . ووصلتنا اخبار التسليم في القوش .
لكن من شهود عيان لهذه الحوادث الدموية كان لونكرك الذي كتب كتاب العراق بين 1900 ـ 1950 ونقرأ عنه بما اورد الكاتب عبد المجيد القيسي ص 313 يقول :
أدت اعمال نهب الدور وقتل سكانها الى هجر فلاحي المزارع المجاورة لقرية سميل ، وبدأت منذ يوم 8 آب اعداد منهم تدخل قرية سميل والألتجاء الى مركز الشرطة طلباً للأمن والسلامة ، لكن اللاجئون تساورهم الشكوك في نية الشرطة .. في صباح يوم 11 آب دخلت القرية سرية رشاشات من الجيش العراقي ما لبثت ان فتحت نيران رشاشاتها وحصدت جميع المجتمعين في القرية حتى إذا انتهت مهمتها عند الظهيرة . عادت القوة أدراجها تاركة الأرض سابحة في الدماء ومغطاة بالجثث الملقاة في العراء .
في اليوم التالي عادت قوة عسكرية أخرى وحفرت قبوراً جماعية القت بها جثث القتلى وكان عددهم 305 رجلاً وأربع نسوة وستة أطفال ولم يخسر الجيش أحداً .
ولم تكتف القوات الحكومية بهذه الجريمة إنما اقدمت على قتل اسرى فبعد ان قبضت إحدى الوحدات العسكرية على مجموعة كبيرة من الآثوريين لا يقل عددها عن المائتي شخص بحجة سوقهم الى المعسكر لاستجوابهم هناك ولكنهم ما ان صاروا في الطريق العام حتى فتح الجند وضباطهم النار على هذه المجموعة سيئة الحظ فأبادوها عن آخرها ( السابق 229 ) .
إن حملات التضليل والتهريج وإثارة المشاعر الوطنية كان لا بد من وضع هؤلاء البؤساء بمنزلة العصاة المتآمرين مع الأستعمار ضد السيادة الوطنية ، واستطاع الأعلام المؤيد للحكومة من ان يقلب هذه المجازر الوحشية من انها انتصار وطني باهر على الأستعمار وعملائه ، فاسكرت الجموع المهتاجة هذه الأنتصارات فأقيمت اقواس النصر في شوارع بغداد والموصل .. إن هذا النصر هو من الأنتصارات الكبرى .
ولنا ان نتساءل هل كان الملك فيصل الأول موافقاً لتلك الأحداث ؟
ويرى غازي دحام فهد المرسومي ان موقف الملك فيصل من التمرد كان يحمل طابع الأزدواج فقد ايد فعلاً ما قام به رشيد عالي حتى تموز 1933 ولكن بسبب ضغط البريطانيين .. طلب من رئيس الوزراء ان يستخدم اللين مع المتردين وهذا ما يؤيده نوري السعيد الذي يلقي المسؤولية في تلك الأحداث على الملك مؤكداً ان ما جرى في هذه القضية كان نتيجة توجيهاته ، وقد استمرت العلاقة الطيبة بين الملك فيصل ووزارة رشيد عالي حتى وفاة الملك في الثامن من ايلول 1933 ( غازي المرسومي ، الدار العربية للموسوعات : البلاط الملكي في العراق ودوره في الحياة السياسية ص 312 ـ 313 ) .
برأيي إن هذا الزعم يكاد يكون بعيداً عن الواقعية فالملك فيصل استخدم النفس الطويل والأناة والصبر في علاج القضية لكن غيابه كان قد سبب في تلك الأحداث الدامية . وهذا يحتاج الى تفاصيل لا تدخل ضمن هذا المقال .
حبيب تومي / اوسلو
يليها الحلقة الثالثة والأخيرة

المصادر
1 ـ عبد المجيد حسيب القيسي " هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث ( ألاثوريون ) " مركز الموسوعات العالمية ، لندن سنة 1999
2 ـ رحلة المنشئ البغدادي ، نقلها الى العربية عباس العزاوي المحامي . بغداد 1948
3 ـ حبيب تومي " القوش دراسة انتروبولوجية اجتماعية ثقافية " مطبعة الديوان بغداد 2003
4 ـ هرمز ابونا " الآشوريون بعد سقوط نينوى ، م 8 صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية " كاليفورنيا 2004
5 ـ ابرم شبيرا " الآشوريون في الفكر العراقي المعاصر " دار الساقي ، بيروت 2001
6 ـ عبد الرزاق محمد اسود " موسوعة العراق السياسية " المجلد السابع ، حركات التمرد والسياسة النفطية في العراق ، الدار العربية للموسوعات ط1 1986
7 ـ غازي دحام فهد الموسوي " البلاط الملكي في العراق ودوره في الحياة السياسية " الدار العربية للموسوعات ، بيوت ، 2002
فائدة
فائدة ممن اتصلت بهم مباشرة او عن طريق الهاتف وهم السيدات والسادة :
عبد الرحيم اسحق قلو / كندا
عبد يوسف بولا اسمرو / النرويج
فرج يوسف بولا اسمرو / النرويج
يوسف شامايا / استراليا
مكّو يوسف بولا اسمرو / النرويج
سالم تولا / امريكا
حنا كوكّي / المانيا

بقلم : حبيب تومي / اوسلو
Opinions