Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

عام 2008 والخطة التنموية المرتقبة في العراق وماذا نريد منها؟

"ما أكثر العبر ... وما أقل الاعتبار"
الإمام علي (رضي الله عنه)

أنا أستاذ جامعي أقوم بالتدريس في إحدى الدول العربية، وقد حدث لي قبل فترة أن ألقيت محاضراتي صباح أحد الأيام، وشعرت بأني مُتعب بعد الظهر، مما دعاني إلى إهمال مراقبة امتحانية كُنت مكلفاً بها بعد الظهر من نفس اليوم، مما تسبّب أن تقوم الجامعة بقطع راتبي لذلك اليوم، فلم استاء لذلك الإجراء، وإنما اعتبرته ضمن سياق النظام والضبط الذي يجب أن يتحلى به الجو الأكاديمي، ولكني أريد أن أذكر لكم مثالاً آخر مغاير تماماً في عدم الالتزام أو اللامسؤولية التي يُمارسها في بلادنا المشرّع نفسه وهو أعلى سلطة تضع للمجتمع خطوط توجهاته، وتصيغ له المحددات والتعليمات والشروط اللازمة لمسيرة تقدمه (ذاك المُشرّع هو [البرلمان])، فكيف يجب أن يكون البرلمان؟ وعلى أي درجة من الموضوعية والالتزام والمثالية في التصرف تجاه المجتمع وهو الراعي، والمجتمع هو الرعية ... في مقالٍ لي سبق وأن نُشر على المواقع الإلكترونية بعنوان "الحج والبرلمانيون"، تحدثت فيه عن الضرر البالغ الذي يُصيب المجتمع العراقي المنكوب من خلال تغيّب العدد الكبير من ممثلينا المنتخبين دون حياء ... وبدون أي عقوبات رادعة.
واليوم كعادته "برلماننا الموقر" سوف لن يكتمل نصابه إلى أن يحل موعد الدورة القادمة للانتخابات أو إلى يوم الدين... وهؤلاء المنتخبون يرون بأنه لابد أن تبقى الأمور مُعلّقة، من أجل أن تجري وتمر الصفقات والمساومات، حتى على أهم مقدرات الشعب العراقي، فنحن منذ أربع سنوات بلا علم، ولا نشيد وطني ولا حتى خطة تنموية واضحة المعالم، ولكن البرلمان بأكثرية أعضاءه دؤوب على المطالبة بحقوق أعضاءه في زيادة الرواتب والتمتع بالعطل السنوية والحج والسفر مع العوائل بجوازات سفر دبلوماسية ، لأناس بعيدين كل البعد عن الدبلوماسية. وقد شهدت السنوات الماضية وبالأخص الأخيرة منها مفارقةً صارخة تصل إلى حد الفصام المرضي، بين نُضج الفكر التنموي المتاح لدى المفكرين العراقيين من خارج السلطة ، وبؤس المؤسسة في داخل السلطة من ناحيةٍ أخرى، وأن الشفاء من هذا الفصام المرضي سوف لا يتم إلا من خلال إصلاح سياسي واسع وعميق ينعكس في استراتيجية لتصحيح المسار التنموي في البلاد.
إن ازدهار الفكر التنموي العراقي خارج وداخل السلطة لم يستطع أن يُخصّب أرض الواقع العراقي ولم يستطع أن يستفاد وطننا المنكوب من التجربة العالمية التي مرت على العالم في الربع الأخير من القرن الماضي، وتلافي الأخطاء لدى كثير من دول العالم المتقدم وحتى الدول السائرة في طريق النمو، وعودة الفكر التنموي العالمي، الصادر عن مؤسسات التمويل الدولية إلى الصواب، بعد طول ضلال من خلال الإقرار بالأهمية الحرجة للعدالة الاجتماعية والإنصاف كمحور للتنمية، وغاية وآلية، يظهر ذلك التصحيح بأبرز ما يكون في تقرير البنك الدولي عن التنمية في العالم للعام 2006. وقد يدهش البعض أن ذلك التقرير لا يجد غضاضة في التوصية بزيادة التشغيل في القطاع الحكومي كآلية لتحقيق العدالة ولمكافحة البطالة.
فرضت العودة إلى الصواب هذه الكوارث التي جلبتها حقبة الليبرالية المحدثة، أو ما سمى "توافق واشنطن"، على صعيد العالم عامةً.
فقد مثّلت هذه الحقبة انحرافاً خطيراً في فهم الحرية في المنظور الليبرالي خدمةً لمصالح قوى مهيمنة في هيكل القوة العالمي. على وجه التحديد مراكز النظام الرأسمالي العالمي. إذ أعلت من حرية رأس المال، خاصةً الكبير منه بلا رقيب أو حسيب ولو على حساب الحرية الفردية بمعناها الشامل في سياق العولمة الاقتصادية المنفلتة والأسواق الطليقة، منذ الربع الأخير من القرن الماضي. وكانت النتيجة الحتمية لهذه التوليفة الظالمة هي نشر الإفقار وترسيخ الظلم. بإضعاف الضعيف أكثر وتوحش القوى، على صعيد العالم وداخل البلدان التي تبنتها خدمةً لمصالح قوى خارجية متحالفة مع المتنفذين فيها، من دون تبني الإصلاح المؤسسي اللازم لكفاءة النظم الرأسمالية الناضجة ، أي حماية المنافسة ومناهضة الاحتكار، وضمان العدالة التوزيعية في عموم المجتمع.
وجديرٌ بالذكر أن الفكر التنموي العالمي كان قد اهتدى للأسباب نفسها، ولتصحيح الأخطاء الجسيمة السابقة في سنوات سابقة قريبة، إلى أهمية الإصلاح المؤسسي وضبط الدولة للأسواق، وحتى الحكم الصالح، للمشروعات وللدولة، باعتبارها محاور للتنمية السليمة. إذن الفكر العالمي عاد إلى الصواب بعد فترة من الضلال الذي توخى خدمة الرأسمالية المنفلتة وهذا هو السقف الأدنى للفكر التنموي في العالم، في نظري.
عراقياً هناك نضوج فكري لنهضة إنسانية في العراق عبر دراسات وإصدارات متنوعة من مفكرين عراقيين خارج السلطة ممن يتبوؤون مناصباً مهمة في منظمات اقتصادية عالمية، وأحياناً بعدد أقل من داخل السلطة لتقرير التنمية الإنسانية عراقياً ويمكن القول أن بعض هذه الدراسات تمثل السقف الأعلى للفكر التنموي على صعيد العالم كله في وقتنا الراهن.
تكفي هنا الإشارة للأساس المفهومي للمشروع الذي يقوم على تعريف للتنمية الإنسانية يكافئ الحرية بالمعنى الشامل الذي يمتد من حرية الوطن (على بعدي التحرر الوطني وتقرير المصير) إلى حرية المواطن (صيانة الحريات الفردية مع ضمان العدل والكرامة الإنسانية، وهي قيم عليا للثقافة العربية الإسلامية في موازاة كامل منظومة حقوق الإنسان). وتستلزم صيانة الحرية في هذا المنظور الشامل، قيام نسق من الحكم المؤسسي الصالح.
في هذا المنظور يمثل الاحتلال الأجنبي نفياً مطلقاً للتنمية الإنسانية حيث يؤدي اغتيال حرية الوطن إلى إهدار الكرامة الإنسانية للمواطنين جميعاً.
هناك إذن نضج في الفكر التنموي، يصحح أخطاء جسيمة سابقة على صعيد العالم، وهناك مشروع فكري حتى أرقى من إبداعات عربية أخرى.. فأين الواقع العراقي من هذا النضج الفكري هنا يصح تذكر مقولة الإمام علي (رضي الله عنه) (ما أكثر العبر، وما أقل الاعتبار)، وأهم من كل ذلك يجب أن نعترف بأن الفكر الممارسي السائد عراقياً شديد التخلف بالمقارنة بالنضج الفكري المتاح، وانعكاسه في الممارسة الفعلية كارثي، نتيجة للفساد الإداري المعشعش في أكثر مفاصل الدولة وفي أعلى المراتب فيها.
ما زالت السياسات السائدة في عراقنا تطبق مفاهيم الليبرالية المحدثة، أي الأسواق الطليقة في سياق عولمة اقتصادية جائرة، التي راجت منذ بداية الربع الأخير من القرن الماضي من دون الشروط المؤسسية اللازمة لنجاحها.
ذلك على رغم ما ترتب على تطبيقها من سيئات مجتمعية صارخة استدعت التصويب على مستوى المؤسسات المالية الدولية التي روجت، وضغطت في أحيان، من أجل تبني هذه السياسات الليبرالية المحدثة. ولكن لما تأكدت مغبتها عادت عنها، وإن كان بعد فوات الأوان من وجهة نظر معينة. ولكن بعض الساسة لدينا ما زالوا لا يسمعون إلا نفير السبعينات الذي أطلقته الرأسمالية العالمية ثم خرس بعد أن تبين ضلاله، فلا وقت لديهم ولا جهد لمتابعة تطور الفكر التنموي.
ومن المهم أن نذكر بأن التطبيق في الممارسة في البلدان العربية أنتج المساوئ الجسام المتوقعة ، والتي اقتضت التصحيح من المنشئين. فعلى رغم أن الليبرالية المحدثة جاءت لحفز النمو الاقتصادي. وعلى رغم عائدات النفط ، فقد كان معدل النمو الاقتصادي في مجمل البلدان العربية هو الأقل بين مناطق العالم في الربع الأخير من القرن العشرين (حتى قدّر تقرير "التنمية الإنسانية العربية" الأول أن استمرار ذلك المعدل يعني أن تتطلب مضاعفة الناتج للفرد 140 عاماً).
ولعل السبب الأهم لهذا البدء في النمو هو تدني الإنتاجية، الذي يعود لتفاعل مركب بين عديد من العوامل ربما أهمها وهن المعرفة بسبب قصور التعليم، خاصةً تدني جودة التعليم وقرب غياب التدريب الجيد، وقصور حكم قطاع الأعمال.
وأخيراً ، وعلى رغم تعافي معدل النمو الاقتصادي العراقي في العام المنصرم، استجابةً لارتفاع سعر النفط في السوق العالمي، إلا أنه لم يتجاوز مجرد التضخم المالي، فلم يقترن بتعاظم البنية الإنتاجية أو برُقي الطاقات التقنية المحلية، ولم يخلق فرص عمل على نطاق يكفي لمكافحة فعالة لمشكلة البطالة، الفقر المزمن، أو رقي في الرفاه الإنساني، ما يذكرنا بالتفرقة البليغة بين الشحم والورم في الشعر العربي.
كما ترتبت على تطبيق هذا السياسات مساوئ اجتماعية مدمرة من أهمها تفشي الفقر والبطالة، خاصةً بين الشباب المتعلم والنساء، وتفاقم سوء توزيع الدخل والثروة، ومن ثم القوة. وطبيعي أن الفئات المجتمعية الأضعف عانت من هذه المساوئ أشد من غيرها.
ويعني حل مشكل البطالة المستفحل في العراق خلق عشرات الملايين من فرص العمل الجيد خلال هذا العام والعمل الجيد يوظف قدرات الفرد ومهاراته، في ظل ظروف إنسانية ، ويحقق كسباً يضمن الوفاء بالاحتياجات على مستوى إنساني كريم. (وخططنا تبدو) جد بعيدة عن بداية جادة على هذا الدرب.
كما استفحل عديد من الظواهر الكارثية الأخرى. فتفشت في العام الماضي حالة مرضية من اللهاث وراء ما سمي زوراً وبهتاناً بالاستثمار الأجنبي، الذي يأخذ في الغالب شكل بيع المشروعات العامة التي قامت الدولة على بنائها في الماضي، وقد يصل في أحيان حد بيع أرض الوطن ذاتها وبأثمان بخسة.
ودار كل هذا في سياق من استشراء الفساد وغياب الإصلاح المؤسسي ومعايير الحكم الصالح الكفيلة بصيانة المال والصالح العام.
وجديرٌ بالتذكر هنا الحجم الهائل للفساد الذي ساهم في استشراءه توافر موارد مالية لطبقات جديدة لا تخضع لمراقبة أو محاسبة صارمة كما تقتضي أنظمة الحكم الصالح.
وقد هُمّشت الطبقة الوسطى في المجتمع أو اختفت نهائياً. وباعتبارها هي "الوسطية" بين طبقات المجتمع، والتي كانت سابقاً تلعب دوراً هاماً في حل الصراعات الداخلية بين أبناء الوطن الواحد، لأنها تمهد السبيل أمام الحوار والتفاهم المتبادل، هذه الطبقة كثيراً ما وُصفت دائماً بأنها صانعة الثقافة والسياسة عبر أقنية وأطراف أخرى تنحدر من أعلى المجتمع. كانت تقوم بهذا الدور لأنها فئات ميسورة اقتصادياً ومستنيرة عقلياً وفاعلة اقتصادياً. ولكن التدهور الذي أصاب مجتمعنا ، أصاب طبقاته الوسطى في الصميم، وقد تعرضت تلك الطبقات إلى إفقار اقتصادي وإذلال سياسي، وأقصاء ثقافي. وأفضى ذلك إلى ترك آثار خطيرة على السياسة والاقتصاد والتعليم ، وفي اعتقادي أن تهميش الطبقة الوسطى قد جعلنا نرتد عن المكاسب التي حققتها هذه الطبقة في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث كانت تؤمن بتحرير المرأة وحقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية ومن خلال القضاء على هذه الطبقة تمت ردة فكرية حاصرت حتى المؤسسات السياسية التي أقامتها هذه الطبقة وأفرغتها من جدواها ، وبذلك لم تجد الأجيال الجديدة من الشباب إزاء خواء هذه المؤسسات بُداً من اللجوء إلى الرفض المتطرف وبأشكال مختلفة، ومع انهيار الطبقة الوسطى ، انهارت درجة قبولنا للآخر. ومعرفة الفكر الذي يمثله. وبذلك غرقنا في مدٍ جديد من التطرف الفكري لم نفق منه حتى الآن.
فحريٌ بالخطط التنموية أن تحرص على نشوء هذه الطبقة من جديد على أسس سليمة، وتأمين سبل تطورها خدمةً للاقتصاد والمجتمع العراقي.
وقد بات مطلوباً بإلحاح أن ترقى الممارسة التنموية في بلادنا إلى مصاف الفكر التنموي عالمياً. في سياق من الإصلاح السياسي الواسع والعميق. المُفضي لقيام مجتمع الحرية والحكم الصالح. وبناء مجتمع المعرفة ولابد من إعادة الاعتبار لفكرة التنمية المُستقلة في المنظور الإنساني.
وإعادة الاعتبار لفكرة الملكية العامة، فيما يتعدى ملكية الحكومة، وإلى نمط الملكية والإدارة التعاونية التي تناسب التطور في القدرة الإنتاجية تحت نمط حجم المشروعات السائد في البلدان العربية الذي تغلب فيه المشروعات الصغيرة.

السؤال هو: هل هذا التحول الجذري ممكن.
والإجابة هي نعم، ولكن فقط في ظل نظام حكم مُمثّل بنزاهة لعموم الناس، وخاضعاً للمساءلة الفعالة من قبلهم، ويمارس الحكم المؤسسي الصالح في ظل سيادة قانون حامٍ للحرية وقضاء مستقل قطعاً.
هكذا في منظور التنمية الإنسانية ، تتجلى الأهمية الحرجة للإصلاح السياسي الواسع والعميق المفضي لقيام مجتمع الحرية والحكم الصالح في بلادنا.
عند ذلك يمكن أن تبدأ بلادنا حقبةً جديدة من الازدهار التنموي تُزيل الشقاء المخيّم على الغالبية العظمى من المواطنين. وتطمح لنيل الحرية والحكم الصالح في عموم الوطن من خلال الإصلاح السياسي الواسع والعميق ، سبيلاً لبدء مسيرة للنهضة الإنسانية تكفل لمجتمعنا الكرامة والعزة. Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
هل اللغة الآرامية كانت لغة السيد المسيح ؟! من المعروف أن شعوبنا وكل المذاهب تتفق في الهلال الخصيب معا بأن السيد المسيح المخلص تحدث باللغة الآرامية، وعلى هذا تعطى الأهمية الكبرى لهذه العراق بين حب أهله المتنافرين وبغض أعدائه المتحالفين لا يختلف اثنان على ان التحدي الأكبر الذي يواجه عملية التغيير ويعرقل مسيرة الاعمار والبناء ويكاد يشل الحياة اليومية للمواطن هو الارهاب بكل مسمياته وتنوع أساليبه وبكل تخبطه وعماه الذي ترجمه ميدانيا بعدم استثناء أي طرف من الأطراف أو تجاوز جهة من الجهات أو م 474 شخصاً خسائر الإرهابيين خلال أسبوع أعلن مدير العمليات في وزارة الدفاع، اللواء محمد عبد العزيز، أن خسائر الإرهابيين خلال الأسبوع الماضي بلغت (30) قتيلاً و(19) جريحاً و(425) معتقلاً 27 ألف مواطن قدموا طلبات التعيين لدى دائرة تربية البصرة شبكة أخبار نركال/NNN/البصرة/ قدم 27 ألف مواطن طلبات التعيين لنيل 2000وظيفة شاغرة أعلنت عنها مديرية تربية محافظة البصرة، أكد هذا
Side Adv2 Side Adv1