عاهة
عاهة
عادل سعد
هو الاستخفاف وعدم تقدير المواقف ان تتجول بين نازحين وعائدين الى ديارهم المحررة من الارهاب , وانت في كامل اناقتك وتنظر من فوق لهم دون ان تستطيع مساعدتهم المساعدة اللازمة في عودتهم , فهم مكبلون بالفقر والحاجات الملحة مع كثرة المعوقين والمشدوهين الذين يتطلعون اليك بأستغراب , وكأنهم لا يجدون عندك ما يسعفهم .
هي الاستهانة والاستكبار بمواقف زائفة حين تزعم انك سعيد بعودتهم الى ديارهم , وانك تتطلع بالمزيد من الاهتمام الى ما يأملونه من تعويضات ومن تحقيق عدالة قضائية تنتزع لهم حقوقهم من مسلحين فعلوا بهم ابشع جرائم الابادة والتشفي .
لك اتيح لي في الاسبوع الماضي ان اكون في الموصل مركز محافظة نينوى , وفي بلدتين من هذه المحافظة هما الحمدانية وبرطلة وجاءت زيارتي ضمن مسؤوليتي في منظمة مدنية معروفة هي منظمة حمورابي لحقوق الانسان التي ترأسها الوزيرة السابقة لحقيبة الهجرة والمهجرين السيدة باسكال وردا .
كانت المهمه الموكلة الينا مع فريق حكومي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما يمكن ان اصطلح عليه( الاغاثة بالمعرفة ) وهي مهمة صعبة جدا , لكنها ليست مستحيلة اذا توفرت الشروط اللازمة مستذكرا باحثا سسيولوجيا بريطانيا امضى سنتين كاملتين في منطقة قبيلة افريقية بدائية منقطعا عن حياته المدنيه التي اعتاد عليها ليؤلف بعد ذلك كتابا عن تلك القبيلة بعد ان عاش في وسطها متدربا على نمط حياتهم البدائية البسيطة جدا و رصد معاييرها ومفاهيمها الاجتماعية والنفسية و التراثية.
على اي حال ,كانت الاسئلة كثيرة التي واجهتنا في الموصل والبلدتين , الحمدانية وبرطلة وسط ركام من الحزن الخانق ومخاوف تتكرر وتتجدد مع اي خرق امني يمكن ان يحصل , ولمست ايضا كم هو كسل بعض الموظفين الحكوميين ومحاباة سياسيين يجدون في هذه المأساة حاضنةً لفرصهم يسالون عن البطاقات الانتخابية اولا , وانهم سيكونون عونا للمحافظة حين يفوزون بعضوية مجلس النواب , يا للمفارقة (جمل بنيةِ وجمال بنيةِ اخرى) وحسب معلوماتي المتواضعة ان سياسيا عراقيا واحدا من الذين يطمحون بعضوية مجلس النواب المنتظر لم يمكث في مدينة او بلدة محررة اكثر مما يقتضيه المرور العاجل وترتيب لقاءات وتسويق وعود مصنعه كما هو شعر رؤسهم المصفف بعناية , ويبدو ان هولاء السياسيين يستنسخون منهج موظفي الاغاثة في الامم المتحدة الذين يركبون احدث سيارات الدفع الرباعي وينامون في ابهى الفنادق ويرتادون اضخم المطاعم يتناولون اسماك السلمون او الكافيار بمبالغ تستقطع من الاموال المرصودة للاعانات في مناطق تجتاحها حروب او عواصف ساحقة او زلازل وغيرها من قائمة الكوارث الطبيعية او بفعل البشر .
الخلاصة اللازمة بشان ذلك , ان مثل هؤلاء مصابون بالعاهة الاجتماعية المعروفة فقر الموقف برغم رصيد الجاه والنياشين والاطراءات , لذلك تجدهم يلهجون دائما بالتقدير والامتنان والاعجا ب الذي يحصلون عليه تحت يافطة ( وقفوا لنا بالصلوات ) وهو تعبير يستخدمه العراقيون توصيفا لزعم ان منزلة هؤلاء كبيرة .
المصابون بفقر الموقف تجدهم يصنعون هالات لهم بالالقاب والمآثر الزائفة ولكنها هالات ومآثر تنطفىء بمغادرتهم ,اي ان (الزبد يذهب هباء وما ينفع الناس يمكث في الارض ) فلماذا لا يعيد اصحاب هذه المواقف الفقيرة ترتيب اولوياتهم بعيدا عن انتهازية الثعالب ؟ سؤال برسم الاستحقاق .