علاوي: الانتخابات العراقية تأتي في "لحظة حاسمة"
المقال الافتتاحي بقلم الدكتور اياد علاوي في صحيفة الـ USA Today في الخامس من آذار 2010يتجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد آملين في انتخاب حكومة جديدة بحرية لكي تتمكن من تحسين حياتهم وتأمين بلادهم. وسوف يكون لأسلوب إدارة هذه الانتخابات وما ستسفر عنه نتائج خطيرة لا على العراق فحسب وإنما أيضا على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره.
لريان كروكر السفير الأمريكي السابق في العراق عبارة صادقة مفادها أن ثاني انتخابات تجرى تكون عادة هي الأكثر أهمية في الديمقراطيات الوليدة مثل العراق، فالعملية الانتخابية يجب أن تكون حرة ونزيهة، ويجب أن ينتج عنها انتقالا سلميا للسلطة إلي من يتم اختيارهم كممثلين عن الشعب. وإضاعة هذه الفرصة سوف يكون مأساة حقيقية بالنسبة للعراق والعالم بأكمله، ناهيك عن أن هذا سيكون إهانة لذكرى الآلاف من المواطنين العراقيين الذين فقدوا أرواحهم خلال الفترة الانتقالية المؤلمة التي مر بها العراق ومن قوات التحالف التي ساعدت العراق في بناء الديمقراطية.
يجب أن تكون الحكومة الناجحة قادرة على التركيز على أكثر من أمر واحد في الوقت نفسه، ويعني هذا في حالة العراق تقديم الخدمات الأساسية وتوفير الأمن وتهيئة بيئة مناسبة للنمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل. كما يجب أن تحترم الحكومة إرادة الشعب وألا تستخدم صلاحياتها في إفساد الديمقراطية وتجنب التنافس الحقيقي.
ولسوء الحظ، فإن الحكومة الحالية تُعرض الديمقراطية الهشة في العراق للخطر من خلال أمرين: استغلال سلطاتها في إعاقة إقامة انتخابات حرة ونزيهة وعدم كفاءتها في هذه المجالات الحيوية الثلاثة، وهو ما يُضعف من إيمان الشعب بفاعلية العملية الديمقراطية.
لقد شهد العالم كله كيف أن بعض الأحزاب الطائفية في الحكم ومن يرعاها من جهات أجنبية قد تمكنت مؤخرا من اختطاف العملية السياسية وإلغاء قرارات المحكمة لاستبعاد مئات المرشحين المعارضين من العلمانيين والسنة، على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والجامعة العربية، كما أن هناك أيضا قائمة متزايدة من الأمثلة على استخدام الحكومة لقوات الأمن وموازنة الدولة لقمع المعارضة ودعم الأحزاب التي تتولي الحكم.
إلا أن كل هذا لا يمكنه إخفاء سوء الأداء وعدم إحراز تقدم خلال الخمس سنوات الماضية، فمعظم الخدمات الأساسية في العراق اليوم لا تزال للأسف غير متوفرة. وبالإضافة إلي الاعتبارات الإنسانية التي يثيرها هذا الأمر، فإن عدم توافر الكهرباء والمياه النظيفة وخدمات جمع القمامة – على سبيل المثال – له نتائج سلبية أخرى. فعدم قدرة الحكومة على توفير أبسط الخدمات الأساسية يُضعف من ثقة الشعب لا في الحكومة فحسب وإنما في العملية السياسية التي أتت بها إلي السلطة. العراقيون اليوم تنتابهم شكوكا كثيرة حول قدرة العملية الديمقراطية على تحسين حياتهم، والشعور العام يمر حاليا بنقطة تحول، وقد تكون الانتخابات القادمة الفرصة الأخيرة لكي تميل كفة الميزان نحو مستقبل مفعم بالأمل للعراق.
وبالنسبة للوضع الأمني، فقد فشلت الحكومة الحالية في استغلال فترة الاستقرار التي نتجت عن زيادة أعداد القوات الأمريكية وعن وجود مجالس الصحوة القبلية، إذ كان يجب على الحكومة الاستفادة من هذه الفرصة لتحقيق المصالحة السياسية اللازمة وبناء مؤسسات فعالة، بما في ذلك بناء جيش وقوات أمنية احترافية لا تسيطر عليها المحسوبية السياسية والطائفية الدينية، قادرة على الحفاظ على حدود العراق وحماية مواطنيه من الإرهاب داخل أراضيه. ونحن اليوم نرى نتيجة هذا في الارتفاع المقلق في التفجيرات وعمليات القتل العرقي، فمن المهم بالنسبة للمنطقة وللعالم أن تنتصر قوى الاعتدال والتسامح على التطرف والإرهاب.
حتى سيادة القانون عانت بسبب تسييس عملية اجتثاث البعث في ظل الحكومة الحالية. فلجنة المسائلة والعدالة، التي لا حظ لها من اسمها، والتي كان من المفترض أن تُصلح المسار الطائفي الذي كانت تنتهجه لجنة اجتثاث البعث السابقة قد استخدمت سلطتها لاستبعاد المرشحين من بطاقات الانتخابات وبالتالي كبت المعارضة السياسية وتقويض سيادة الديمقراطية والقانون.
إن ارتفاع معدلات البطالة في العراق ونقص فرص العمل يؤديان إلي عدم الاستقرار، وهو ما لا يتحمله العراق ولا المنطقة. إنتاج النفط يحافظ بالكاد على مستويات ما قبل الغزو، على حين أن الاقتصاد وميزانية الدولة ما تزالان تعتمدان على هذا القطاع الوحيد. العراق في حاجة ماسة إلي خطة واضحة لنمو الاقتصاد وإيجاد فرص عمل حقيقية، وشعب العراق يصرخ مطالبا بحكومة فعالة غير طائفية.
تمثل هذه الانتخابات نقطة حرجة بالنسبة للعراق وبالنسبة للشعب الأمريكي. فالشعب العراقي يرغب في مستقبل يتحقق فيه التقدم الحقيقي، وهو يستحق هذا المستقبل الذي يتمكن فيه العراقيون وأبناؤهم وأحفادهم من التطلع إلي غد أفضل. ويجب أن يتفهم الشعب الأمريكي أن هذه هي اللحظة التي يمكن أن تُسفر كافة جهودهم فيها إما عن توجه نحو ديناميكية جديدة في الشرق الأوسط أو عن ارتداد العراق إلي مستنقع السياسة الطائفية مما سيؤدي إلي المزيد من الضغوط على الولايات المتحدة للاستمرار في وجودها العسكري الذي لا يرغب فيه أحد.
يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في إنقاذ الديمقراطية في العراق بإرسال رسالة قوية بأنها لن تقبل إلا بانتخابات حرة ونزيهة، ويجب أن يكون هناك المزيد من التدقيق للعملية الانتخابية ودور لجنة المسائلة والعدالة لضمان لأن تتحقق إرادة الشعب. فلا يمكن أن تنجح الديمقراطية إلا إذا شارك الشعب في العملية السياسية وآمن بأن تلك العملية نزيهة ويمكن أن ينتج عنها حكومة فعالة. لا يجب أن نفوت فرصة إعادة التأكيد لا على قوة الديمقراطية فحسب ولكن على قوة الحكومة التي يمكن أن تأتي بها أيضا.
إياد علاوي هو رئيس الوزراء العراقي الأسبق ورئيس القائمة الوطنية العراقية التي تخوض الانتخابات القادمة يوم الأحد.