Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

على ضوء دعوة رئيس الوزراء للكفاءات العراقية بالعودة الى العراق

نقلا عن صديق حضر اللقاء، كان دولة رئيس الوزراء نوري المالكي حذراً خلال لقائه الجالية العراقية المقيمة في لندن بدعوته لأصحاب الكفاءات العراقية بالمساهمة في إعمار العراق، ومتفهماً لظروفهم العائلية والمعيشة وارتباطهم بالبلاد المضيفة بسبب طول مدة الإقامة فيها وتكيفهم مع أساليب العيش في الدول الغربية المتحضرة، وبالتالي صعوبة العودة إلى العراق. لذلك كان الرجل واقعياً في طرحه الحل الوسط الممكن تحقيقه للاستفادة من هذه الكفاءات وإبقاء الرابطة العضوية بين الوطن وأبنائه في الخارج. اما الكفاءات الاخرى والتي لم تستقر استقرارا كاملا في بلد المهجر فالعودة خيارها الاكثر احتمالا وهي لابد ان تلقى من الدولة كل ترحيب وتسهيل واستقبال.



يسعدني أن أقول أن الحل الذي طرحه دولة رئيس الوزراء هو ذات الحل الذي أكدنا عليه مرارا، سواءاً في مقالاتنا، أو في مداخلاتنا إثناء لقاءات سابقة مع المسؤولين في بغداد وفي مؤتمر النخب والكفاءات الذي عقد في بغداد في نهاية العام المنصرم. وخلاصة هذه الأطروحات، أن معظم أصحاب الكفاءات قد تأقلموا مع ظروف بلدان المهجر، وارتبطت عائلاتهم بها، لذا من الصعوبة بمكان العودة إلى الوطن بشكل دائم. والحل الوسط الذي كنا نؤكد عليه، والذي يناسب مع ما طرحه السيد رئيس الوزراء هو بقاء أصحاب الكفاءات حيث هم يقيمون الآن في بلدان المهجر، مع إبقاء علاقة مع الوطن وذلك بتقديم الاستشارات عن بعد، وبالقيام بزيارة الوطن والمؤسسات والمعاهد والجامعات بين حين وآخر وأداء دورهم في الإعمار وإعادة بناء الوطن والمساهمة في التعليم الجامعي كأساتذة زائرين.



إن عودة الكفاءات تحتاج الى ظروف ملائمة وحلول للمشاكل العالقة. وإذا ما استبعدنا حسن النية وصدق المسؤولين في جهودهم لإعادة الكفاءات العلمية ورفع مستوى الخدمات التربوية والصحية والاجتماعية نجد انه وبسبب عدم وجود سياسة واضحة تعالج اسباب هروب الكفاءات وما نتج عنها من تخلف لمنضومات التنمية والتطوير والبحث والصحة والتكنولوجيا وتدني التخصيصات المالية للجامعات، وعدم حصولها على استقلاليتها الإدارية والأكاديمية، واستمرار الصراعات الحزبية على اداراتها ادى كل ذلك الى بقاء الكفاءات خارج العراق بالرغم من أن عددا كبيرا من هذه الكفاءات لا يتوفر لها عملا في اختصاصاتها في بلاد الغربة.



ان الاسباب كثيرة وهي تحتاج الى معالجات قد لا يتمكن العراقيون من حلها بانفسهم. هل يمكن القضاء على الهيكلية الادارية البيروقراطية واستبدالها بانظمة ادارية مرنة لا تعامل الجاهل والعالم بنفس المقياس وتعطي للمتميز ما يشجعه على مزيد من البذل والعطاء وتعطي للاكثر كفاءة مسؤولية الادارة والتخطيط؟ الا ترى الدولة ان عودة الكفاءات يرتبط بضرورة الإنفاق بسخاء على البنية التحتية التكنولوجية والعلمية، وبتبني اقتصاد المعرفة وإقامة المشاريع التعليمية سواء الدراسات الأولية، أم الجامعات أم مشاريع البحث العلمي والتطوير، اذ يصب كل هذا في تنمية الموارد البشرية التي هي أساس التنمية الاقتصادية واستثمار عقول الشباب العراقي لمواجهة تحديات العصر والاستجابة لمتطلباته، وعكسه سيؤدي إلى الاستمرار في خلق جيل جاهل من المستهلكين غير المنتجين والى تراجع أداء المؤسسات التعليمية في إعداد الكفاءات وتأهيل الشباب ثقافيا وتعليميا وتكنولوجيا.



إن الوطن لا ريب بحاجة ماسة الى الاختصاصات العلمية والهندسية والطبية، والى قيادات لخطط التنمية، والمجتمع بحاجة الى تأهيل للمعرفة وللفكر وللعلم، والى جعل التفكير والاختصاص المهني والقدرة العلمية جزءا من نسيجه، وهذا لا يتم الا ببناء قاعدة علمية لنقل المعرفة والتكنولوجيا وتوطينهما وتنمية للموارد الطبيعية ومراقبة التطورات البيئة، وبتشجيع المحافظة عليها. وهذا يحتاج بالاضافة الى توفير الامان والاستقرار والغاء الطائفية والعنصرية والمحسوبية والحزبية...الخ، الى نظام يعتمد على الخبراء في تقديم النصيحة والارشاد والتقييم، وتوفير الدرجات الوظيفية، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وزيادة امكانات البحث العلمي، وتشجيع الاستثمار والتطوير، و تحسين مستويات الدخل والمعيشة، ومنح الجامعة استقلاليتها الادارية والاكاديمية، وإبعاد الصراعات السياسية عنها، ومنع تدخل الطلبة في العمل الاكاديمي للتدريسي، ووضع التشريعات والقوانين والامتيازات الاقتصادية كإلغاء شرط العمر ومعالجة موضوع التقاعد.



ومن العوامل التي ستساعد على جذب الكفاءات من الخارج وجود مرونة إدارية للمسؤول في تعيين المتميز براتب وبمكافئة تتناسب مع الخبرة، وبسن قانون جديد للكفاءات يضمن لصاحب الخبرة بعض المكافئات المادية والمعنوية كبيت وراتب جيد وحرية اختيار العمل وموقعه، بالإضافة إلى ضمان استقلالية للجامعات ومنح الجامعة حرية في تحديد الراتب على درجة الكفاءة والحاجة، وحرية في منح الدرجة الاكاديمية وحرية في وضع شروط المنصب.



ان استقطاب الكفاءات والعقول المهاجرة إلى الوطن لا يتم بالتمني أو برفع شعارات الوطنية والتضحية من اجل الوطن، وهو ليس بالعمل السهل لكون هذه الكفاءات تعيش في بلدان اكثر تطورا ورفاهية واستقرارا وتتمتع بوظائف علمية وإدارية ذات رواتب مغرية. اننا نعرف وعلى ضوء الاحصائيات ان 34 بالمائة من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون الى ‏ ‏بلدانهم، وان 75 بالمائة من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة بالفعل الى ثلاث دول ‏ ‏تحديدا هي أمريكا وبريطانيا وكندا، وان هذه الهجرة تكلف الدول العربية خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار، الا اننا لا نعرف عن هجرة الكفاءات العراقية الا القليل، ولتحديد حجم المشكلة نحتاج الى اجراء دراسة لمعرفة مستويات العقول العراقية في الخارج ووظائفها، وعدد وتوزيع القوى العلمية العراقية المهاجرة في البلدان الغربية والعربية، وتحديد الاسباب التي ادت بهذه العقول للهجرة واسباب عدم رجوعها الى الوطن.



وبناءً على ما تقدم، أدعو دولة رئيس الوزراء والمسؤولين في الدولة العراقية الى تبني مشروع هذه الدراسة، كما ادعوهم الى تبنى المشروع التالي لغرض تحفيز المهاجرين العلميين على استثمار طاقاتهم داخل العراق وذلك بالاستناد الى خيار بقاء هذه العقول في الدول الغربية، وهو ما يطلق عليه اسم الاستثمار كبديل عن خيار العودة بسبب فشل معظم الدول النامية من استقطاب علمائها الموجودين في الدول الغربية.



إن مشروع الشراكة مع العقول العراقية المهاجرة هو مشروع اكثر عمليا وواقعيا ويحقق الاستفادة الفعلية من العقول المهاجرة، وهو مشروع ملائم لاصحاب الكفاءات والخبرات المهاجرة التي تريد خدمة وطنها، ولكنها في نفس الوقت تريد البقاء في الخارج حيث تقوم العقول بتوفير الخبرة والدعم والاستشارة والمشاركة في مشاريع التنمية والإعمار والتعليم والصحة وغيرها. اعتقد ان هذا الاسلوب والذي طرحته سابقا على الدولة ولم ارى استجابة عملية لغاية اليوم هو الوحيد القادر فعليا على الاستفادة من العقول المهاجرة التي لا ترغب بالرجوع حاليا إلى الوطن لانه حل منطقي وعملي وقابل للتنفيذ، وهو حل ملائم لاصحاب الكفاءات المهاجرة التي تريد خدمة وطنها مع الاحتفاظ بمواقعها في بلدانها التي استقرت فيها، وأقل كلفة للدولة العراقية.



وصيغة هذا المشروع الذي اطرحه مرة اخرى امام السيد رئيس الوزراء ومجلس الوزراء تعتمد على تحقيق التالي:



• تشكيل لجنة خاصة او مكتب (والافضل انشاء دائرة – دائرة الاستفادة من الكفاءات المهاجرة - لها تركيبها الاداري الخاص تكون مرتبطة بمجلس الوزراء).

• تشكيل بنك معلومات عراقي يضم معلومات كافية عن العقول المهاجرة وكفاءاتها العلمية والفنية والادارية.

• تشكيل هيئة استشارية ترتبط بدائرة الكفاءات المهاجرة لغرض استطلاع اراء العقول المهاجرة بخصوص استثمار طاقاتهم وابداعاتهم لخدمة الوطن وتوضع خلاله استراتيجية أولية تهدف للاستفادة من العقول المهاجرة.

• تقوم الدائرة بتنظيم العلاقة بين العقول المهاجرة ودوائرالدولة والجامعات العراقية والملحقيات الثقافية في الخارج ووضع الجداول الزمنية لزيارة العراق ولتقديم الخبرة.

• دعم الملحقيات الثقافية بجهاز وظيفي متكامل لتكون الرابط بين العقول المهاجرة والوطن ولتنظيم الزيارات، ولكي تتمكن من توفير الدعم اللوجستيكي للمشاركة في الاجتماعات ولمشروع "التعليم عن بعد" وتنظيم المحاضرات والسمينارات المنقولة عن طريق الانترنت.



هذا هو رأينا وهذه هي مقترحاتنا ومشاريعنا، فهل يستجيب المسؤولون إليها؟ انه بدون سياسة علمية واضحة بهذا الصدد وقرار سياسي على صعيد رئاسة الوزراء ستبقى محاولات اعادة الكفاءات والجهود فردية ومشتتة لا تستفيد استفادة قصوى من الطاقات المتوفرة ولا تتناسب مع جدية الدولة العراقية في الاهتمام بالكفاءات والعقول المهاجرة.



(alrubeai@gmail.com)
Opinions